كيف تناول الإعلام توجيهات زيادة سعر الخبز: نؤيد ونُشيد ونبارك والفقراء يرحبون.. (حين غاب من يمثل المواطن)
كتب – أحمد سلامة
“الزعيم الراحل جمال عبدالناصر كان محظوظ، صحيح، لأنه كان بيتكلم والإعلام كله معاه”، خلال خطاب ألقاه في أغسطس عام 2014، أعرب عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، بهذه الكلمات، عن أمنياته في إعلام يدعم قراراته ويؤيد اتجاهاته على اختلاف مآربها وحاجاتها وأهدافها.
السيسي أضاف حينذاك أن “الإعلام المصري عليه مسؤولية عظيمة، وعليه أن يكون في صف الشعب”، وربما تكون الأمنية الرئاسية في إعلام مؤيد بشكل كامل قد تحققت مع الوصول إلى عام 2021، مع اختلاف بسيط، أن الشعب قد سقط سهوًا من المعادلة، أو على الأقل هذا ما ألمح إليه منتقدي الصحف القومية والمستقلة بسبب تأييدها المفرط -حسب وصفهم- للأزمة التي أثيرت مؤخرًا حول رفع دعم الخبز.
– الشعب خارج المعادلة: إعلام الستينات Vs الإعلام الحالي
في نظر البعض، فإن هناك أوجه تشابه كبيرة بين الإعلام الحالي وإعلام الستينات، لكن وعلى الجانب الآخر يرى البعض أن هناك فروقًا جوهرية بينهما.
فحسب رأي عددٌ من خبراء المجال الإعلامي، تفتقر وسائل الإعلام حاليا إلى العديد من المقومات التي يقوم عليها التأثير الجماهيري أبرزها المهنية والحرفية، إلى جانب التأثر الشديد بتقارير بعض الأجهزة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، شن الدكتور أيمن منصور ندا، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، خلال سلسلة من المقالات عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي حملة انتقادات واسعة للإعلام وممثليه بكافة أشكاله وصوره، مؤكدًا أنه يفتقد إلى المصداقية المطلوبة.
خلال إحدى مقالاته يقول ندا “جوهر المشكلة الإعلامية هو أن الاهتمام الأكبر لدى الإعلاميين يكون بمن (يسجل) وليس بمن (يستقبل).. عين كل مذيع على الأجهزة المسئولة التي تراقبه وتسجل له، وليس على المشاهدين الذين يشاهدونه أو يتابعون ما يقدم.. ليذهب المشاهد إلى الجحيم .. فليس في يده (تصعيد) أو (تهميش) أي إعلامي”.
ويضيف “(تدوير النخبة الإعلامية) وإعادة توظيفها واستخدامها يعتبر بعدًا آخر من أبعاد المشكلة.. عدد محدود من الإعلاميين يتصدرون الشاشات، المناصب الإعلامية هي مكافآت وليست استحقاقات.. هي تعبير عن رضا أكثر منها مؤشر للجدارة .. في الوقت الذي يجلس فيه الإعلاميون المحترفون يستمتعون (بالتشميس الجبري)، ويتجرعون مرارة الإقصاء والاستبعاد.. ولذلك تخيب النتائج.. ولا عجب”.
على عكس إعلام عبدالناصر، الذي يرى البعض أنه تمتع بقسط وافر من المهنية وإن كان له سقطات، جاء الإعلام الحالي منزوع الأثر لغياب المصداقية، ولغياب الشعب غيابًا تامًا من معادلاته ومن حساباته، ولاهتمامه بمن “يسجل” لا من “يستقبل”.
– أزمة الخبز: الغلابة في الواقع Vs الغلابة في الإعلام
في الثالث من أغسطس الجاري، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي، إنه حان الوقت لزيادة ثمن رغيف الخبز والذى يباع بـ 5 قروش، متابعا: “جه الوقت إن رغيف العيش أبو 5 قروش يزيد ثمنه، مش معقول أدى 20 رغيف بثمن سيجارة، محدش يقرب من رغيف العيش، لأ هنقرب، لأننا جادون وشرفاء”.
حسب عدد من الخبراء، فإن القرار الذي يتعلق بنحو 71 مليون مواطن سيؤدي إلى زيادة معدلات وأمراض الفقر.. ففي تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن معدلات الفقر في 2020 زادت إلى نسبة 29% ويؤدي دعم رغيف الخبز في تقليل معدلات الفقر بنسبة 5.5%، وعليه فإن القرار يرفع معدل الفقر إلى 36%.
ردود فعل شعبية غاضبة، رصدها المتابعون وأحزاب المعارضة، التي أكدت أن “رغيف الخبز” خط أحمر لأنه يعصف بحقوق الغلابة في بلد يتزايد فيه عدد الفقراء في كل يوم.
التحالف الشعبي الاشتراكي، والكرامة، والمحافظين، والاشتراكي المصري، والعيش والحرية.. كلها أحزاب عبرت عن رفضها للقرار، مؤكدين في بيانات وتصريحات متتابعة أن القرار شديد الحساسية ويمس عموم المصريين في ظل معاناة السواد الأعظم من ضيق ذات اليد، عاقدين المقارنة بين إلغاء دعم الخبز عن الفقراء وبين 22 مليار جنيه دعم مباشر وغير مباشر توفرها الدولة لرجال الأعمال والمستثمرين.
لكن كل ذلك لم يُقنع وسائل الإعلام المختلفة بالانتباه إلى آلام قطاع كبير من المواطنين، فعلى صفحات الجرائد كان المواطن يرحب بالقرار ويشيد به ويدعمه، وفي برامج الـ”توك شو” كان التصفيق حاضرًا.. غاب “المواطن الحقيقي” وحل مواطن افتراضي لا يمثل له الخبز أي أهمية!.
على الفور، وفي أعقاب ما قاله الرئيس، ظهر رئيس شعبة المخابز عطية حماد بتصريح وصف فيه القرار بأنه “تحرك صائب جدًا وتأخر أكثر من 30 عامًا”، لم يظهر التصريح في موقع واحد وإنما تم نشره مواقع مثل مصراوي والوطن والأخبار والشروق، مع تجاهل كامل لوجهة النظر الأخرى وقد يكون هذا ما دفع البعض إلى نفي صفة “الصدفة” على هذا الخبر الذي انتشر كالنار في الهشيم.
تتابعت المقالات والتقارير على صفحات المواقع الإخبارية لتؤيد القرار وتشيد بتأثيره المباشر وغير المباشر على تعافي الاقتصاد المصري، وامتد الأمر ليشمل عقد مقارنة بين سعر رغيف الخبز في مصر وبين أسعاره في بعض البلدان العربية كما ذكرت جريدة “الوفد”، وهو ما عرّض صفحتها لانتقادات حادة بسبب تجاهل العديد من الأمور الأخرى المرتبطة مثل “حقيقة الأسعار الواردة” و”قيمة الرواتب” في هذه البلدان، و”نسبة الفقر” وخطط الإصلاح الاقتصادي في هذه البلاد وعلى من يقع عبء تحمل تكلفتها.
“على مسئوليتي” و “الحياة اليوم” و”رأي عام” و “مساء dmc” و”حضرة المواطن”، كلها برامج تلفزيونية أشادت بجرأة الرئيس السيسي في اتخاذ قرار بهذه الأهمية وقدرته على التصدي للملفات الشائكة.
غياب المهنية أسقط وسائل الإعلام المعاصر في خطأ قاتل، إذ محت وسائل الإعلام المواطن تمامًا من خريطة “الرأي والرأي الآخر”، لم تتطرق وسيلة إعلامية واحدة إلى ما سيتحمله إذا ما تم تمرير قرار تحريك دعم الخبز، لم يتم الحديث عن معدلات الفقر، ولا احتمالية زيادتها، ولم تُستعرض آراء المعارضين بالطبع.
الأدهى من ذلك أن وسائل الإعلام تغاضت عن ترحيبها بنفي الحكومة -الذي تكرر أكثر من مرة خلال السنوات الماضية آخرها في شهر فبراير- لما أشيع عن تحريك دعم الخبز، وقتها أشادت وسائل الإعلام ذاتها بالنفي الذي راعى مصالح محدودي الدخل.
– الإعلام البديل: معاك يا ريس Vs إلا رغيف العيش
في ظل تغييب المواطن عن وسائل الإعلام القومية والمستقلة، وفي ظل حجب عدد كبير من المواقع الألكترونية “المعارضة”، جاء اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها مساحة المواطن للصراخ والتعبير عن أوجاعه.
غير أن مواقع التواصل الاجتماعي انقسمت بين مؤيد ومعارض.. المعارضون أطلقوا وسم حمل اسم #إلا_رغيف_العيش، بينما دشن المؤيدون وسم #معاك_ياريس.. وهم المؤيدون الذين تعرضوا لاتهامات أشار معظمها إلى أنهم مجرد “لجان ألكترونية”.
يقول حساب باسم “رنيم السعومصرية” تحت هاشتاج “معاك_ياريس”: “في الشدة قبل الرخاء في المُرة قبل الحلوة.. كلنا معاك ولن يستطيعوا زعزتنا أبدا.. فعلت أشياء لم يفعلها غيرك طورت مصر جدا جدا جعلت مصر حديث العالم.. كل قرار ينفذ دون نقاش”.
ويبدو أن الحساب تعرض لهجمة قوية واتهامات أقوى، حتى أن “رنيم السعومصرية” عادت في تغريدة أخرى لتقول “فيه ناس مصريين ما يعرفوني زين يقولوا انتي ملكيش دعوى انتي لجنة وتقبضي فلوس دا الخبز حياة الفقراء.. بس أحب أقلك أنا من حقي اتكلم أنا عايشة معكم في نفس البلد”.
حساب آخر باسم أحمد عبدالله، اختصر الأمر في تدوينة قصيرة قال فيها “أنا مع قرار الرئيس في زيادة سعر رغيف الخبز المدعم”، نفس الأمر أكدته سهيلة هيبة حيث قالت “أما عن نفسي أثق وأدعم وأؤيد قرارات الرئيس السيسي.. أياً كانت”.
“المايسترو 1″ و”المايسترو 2” حسابان يبدو أنهما لنفس الشخص، نشرا عبر الهاشتاج تدوينات تؤكد دعمهما الكامل لتحريك دعم الخبز.. في أحد التدوينات يقول (المايسترو 1): “هو مين اللي نزل بطاقه التموين مش السيسي، هو مين اللي بيعالج الفقير على نفقه الدولة مش السيسي هو مين اللي بيأسس حياة كريمة مش السيسي انسوا انه يظلم الفقير في منظومه الخبز الجديدة” فيما يقول (المايسترو 2): “أنا نفسي مش هسبق الأحداث في موضوع رغيف العيش، وبما أن الخرفان استغلت الموضوع عشان تهاجم الدولة والريس احنا مع الريس قلبا وقالبا لأنه ببساطه عمره ما سوحنا في حاجه وكلنا ندعم الهاشتاج ده #معاك_ياريس”.
حساب آخر باسم “نيو” يقول “على فكره يا جماعة، مفيش حد فقير في مصر أقل واحد في مصر بحالها معهوش فلوس هتلاقيه شايل بالميت 50000 جنيه ومدكنهم تحت البلاطة، تانى (مفيش فقير في مصر)، وبالمرة مفيش حد يستحق الدعم عاوز تاكل وتأكل عيالك وتعلمهم اشتغل، دا اللى موجود.. الجماعة بتوع حروق الانسان يمتنعون من فضلكم”.
على الجانب الآخر، وعبر هاشتاج #إلا_رغيف_العيش، عبر مواطنون عن استياءهم من القرار، فكتب مكرم خليفة “هل تتناسى أنه في 17 أغسطس 2020 تم رفع ثمن رغيف العيش في صورة تحايل بتخفيض وزنه من 110جرام إلى 90 جرام، رغيف العيش لدي معظم المصريين هو الطبق الرئيسي والوحيد”.
ويضيف حساب باسم أحمد خضر “رغيف العيش اللي بتتكلم عنه ده بتاع الغلابة ومحدودي الدخل، يعني مفيش إلّا الطبقة دية وتيجي عليها، هناك 100 طريقة أخرى تجيب بيها فلوس للدولة، لكن لا تتحدى الطبقة الكادحة والمعدومة.. مش هينفع”.
ويقول حساب باسم شريف الحسيني “إلا رغيف العيش، فهو غذاء الملايين من المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر ومعظمهم لا يستغنى عن العيش وهولاء من أهل المعاشات والأجور الأقل من 2000 جنيه شهريا”.. ويضيف “العيش بلغة الاقتصاد يسمى بالسلعة الرديئة بمعنى أنه كلما زاد معدل الفقر زاد الاستهلاك للسلع الرديئة (العيش) وكلما زاد معدل الغنى انخفض استهلاك السلع الرديئة (العيش) لذلك فإن الأغنياء بعضهم لم يسمع عن العيش ولا يهمه أصلا”.
أما أحمد زهران فيقول “فى الخمس سنوات الأخيرة، أسعار كل شئ زادت في مصر، والدعم اترفع عن كل شئ، باستثناء رغيف العيش أبو خمسة صاغ بتاع الناس الغلابة والفقراء فقط”، ويضيف “أيوة .. نعم.. رغيف العيش بتاع التموين، أبو خمسة صاغ، اللي نقص وزنه مرتين، من 130 جرام إلى 110 جرام إلى 90 جرام، دى السلعة الوحيدة بتاعت الناس الغلابة والفقراء فقط، مش لازم حد يقرب منها.. ارفعوا الأسعار على رغيف العيش بتاع الأغنياء والمقتدرين، أبو ربع جنيه ونص جنيه وجنيه والفينو والمخبوزات كلها، التي لا يراها ولا يعرفها الناس الغلابة والفقراء، بس إوعوا تقربوا لرغيف بتاع الناس الغلابة والفقراء.. اعتبروها دعم.. اعتبروها زكاة.. اعتبروها صدقة.. اعتبروها أي شئ.. اكتبوها وسجلوها في دفاتركم زي ما إنتم عايزين، إلا إنكم تقربوا منها”.