كمال مُغيث يكتب: أحمد عرابي وأحزان سبتمبر
فى مثل هذا اليوم التاسع من سبتمبر سنة 1881، خرج الناس ليقفوا فى الشوارع من قشلاق العباسية حتى قصر عابدين، واتخذت أورطات الجيش مواقعها فى مختلف أنحاء القاهرة، ومنها ما احتل قصر عابدين نفسه واعتلى سطحة، وتقدم ” الأميرألاى ” – عميد – أحمد عرابى – الفلاح المصرى ابن شيخ البلد هرية رزنة محمد عرابى الحسينى – وصحبه طالبا مقابلة الخديو توفيق ليعرض عليه مطالب الجيش والأمة.
ونزل الخديو ليعلن له عرابى تلك المطالب وهى: دعوة مجلس شورى النواب للانعقاد مع توسيع صلاحياته ليصبح كمجالس أوربا، وعزل نظارة رياض باشا المستبدة، وزيادة عدد الجيش إلى 18 ألف جندى وهو العدد المعين فى الفرمانات السلطانية، ونزل الخديو على مطالب الشعب وعين شريف باشا رئيسا لمجلس النظار، وشرع فى وضع دستور جديد للبلاد، وتحمس العرابيون لمناقشة المالية والديون فى الدستور الجديد ورفض شريف باشا واستقال، وتولى رئاسة مجلس النظار محمود سامى البارودى وتفاقمت الأوضاع فى البلاد وأصبحت على شفا الحرب وحاصر الإنجليز الإسكندرية، واحتمى الخديو توفيق بالإنجليز وركب سفينة قيادتهم بقيادة الأميرال سيمور، فدعا عرابى لتشكيل مجلس الأعيان للنظر فى شأن الخديو الخائن فعزل مجلس الأعيان الخديو وطالب بتسليح الناس لمواجهة الإنجليز، وعرض الضابط محمد عبيد رغبته فى قتل الخديو وإعلان الجمهورية.
وعرض الإنجليز على عرابى تقاعدا مريحا فى لندن بمرتب سنوى يصل إلى خمسة آلاف جنيه ذهب فرفض، وتحصن فى كفر الدوار وهزم القوات الإنجليزية، وظل فى قلب المعركة حتى هًزم فى التل الكبير فى أيام مجده 13 سبتمبر 1982، وقبض عليه وحكم عليه بالإعدام ومصادرة ممتلكاته التى كانت تزيد على الألف فدان، وخفف الإعدام إلى النفى المؤبد إلى سيلان، هكذا انهزمت الثورة وعلا صوت الثورة المضادة وأصبح عرابى: المتمرد الأحمق والخائن والطامع إلى حكم البلاد، وعند عودته إلى البلاد عجوزا كفيفا سنة 1903، كتب مصطفى كامل مقالا بعنوان: القادم المشؤوم.. وكتب شوقى: صغار فى الذهاب وفى الإياب/ أهذا كل شأنك يا عرابى.. عفى عنك الأباعد والأدانى/ فمن يعفو عن الوطن المصاب، وتقدم أحد شباب الحزب الوطنى المتحمسين إليه وهو ينزل من القطار قادما من السويس بعد رحلة المنفى الطويلة قائلا: وديت البلد فى داهية يا ابن الكلب وبصق فى وجهه.
وهكذا آلى عرابى على نفسه ألا يخرج من بيته وراح يكتب مذكراته “كشف الأستار عن سر الأسرار فى النهضة المصرية المعروفة بالثورة العرابية” حتى مات فى مثل هذه الأيام أيضا 21 سبتمبر سنة 1911، بعد نحو ثمانى سنوات فقيرا معدما مصادرة ممتلكاته، ويتقاضى من الدولة معاش الكفاف.