كمال عباس يكتب عن أزمة “لينين جروب”.. البحث عن كبش فدا
بموازاة المفاوضات الجارية بين صاحب شركة نايل لينين جروب وإدارته ، وفريق العمال وأعضاء النقابة والتي يسعى فريق العمال من خلالها إلى تحقيق مطالب العمال المضربين عن العمل وعلى رأسها محاسبة المتسببين في موت الرضيعة ابنة العاملة دعاء محمد، تتبدى محاولات قصر الاتهام على السيدة انتصار مدير قسم التفصيل التي رفضت التصريح لدعاء بإجازة أو الإذن لها بمغادرة العمل لإسعاف ابنتها لتكون هي كبش الفداء الذي لابد من تقديمه “لحلحلة الأزمة”.
يتناسى الباحثون عن كبش الفداء أن صاحب الشركة هو الممثل القانوني لها، وواضع لوائحها المنظمة للعمل والجزاءات ونظم الرواتب والحوافز وعدد ساعات العمل ، وليس السيدة انتصار، والأهم من ذلك أن صاحب الشركة هو من يجني أرباحها، وهو الذي يتمتع بحوافز التصدير وتسهيلات الائتمان التي تقدمها له الحكومة، حيث تقوم شركة نايل لينين جروب- كما هو معروف- بتصدير كامل إنتاجها.
إن سؤالاً يطرح نفسه هنا: هل كان يمكن أن تتعامل السيدة انتصار بكل هذا الجبروت والغطرسة مع دعاء أم الرضيعة لو أنها لا تعرف وتعلم تمام العلم أنها تطبق سياسات الشركة ومنهجها وسلوكها في التعامل مع العمال.. هذه السياسات التي يرسي قواعدها صاحب الشركة ولا أحد غيره.. وأنا هنا بالتأكيد لا أعفي السيدة انتصار من مسئولية الجرم الذي ارتكبته، وإنما أؤكد أن المحاسبة الحقيقية ينبغي أن تبدأ بمساءلة صاحب العمل.
وعلى صعيد آخر ينشط الإعلام الموالي في الإشادة بوزير العمل، وتبييض صفحته، من خلال إبراز وتكرار تصريحاته بشأن إصدار تعليماته لمديرية العمل بالإسكندرية للتحقق من الوقائع وعمل تقرير مفصل بشأنها من أجل محاسبة المقصرين.
إن حقائق الواقع المر الذي يعيشه العمال والتي تتبدى يوماً بعد يوم إنما تواجه تصريحات السيد الوزير نفسه التي تحفل بها وسائل الإعلام، وتنشرها الصحف السيارة والمواقع الإلكترونية والمنصات وصفحات التواصل الاجتماعي، والتي يؤكد فيها أن قانون العمل الجديد ينتصر لحقوق العمال، وأن المديريات والإدارة التابعة لوزارة العمل تقوم بواجباتها في التفتيش على الشركات والمنشآت للتأكد من التزام أصحاب العمل بالقانون ، وتطبيق الحد الأدنى للأجور الذي قرره المجلس القومي للأجور ، وتضمن الكتاب الدوري للوزارة معايير وإجراءات تطبيقه.. حيث تبرهن سلسلة من الإضرابات والتحركات العمالية الأخيرة من عمال مصانع شركة السكر، إلى عمال شركة الشمعدان، ثم عمال شركة نايل لينين جروب، على هذه الحقائق التي يعلمها كل من يعمل بأجر في جميع القطاعات -بما فيها القطاع الحكومي- أن الحد الأدنى للأجور لا يتم تطبيقه، أو يتم التحايل عليه لإفراغه من مضمونه- باعتباره إجراءٌ لازم لمواجهة الأوضاع المعيشية المتردية للعمال، وتعويضهم عن ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأسعار- حيث يتردد بين العمال أن قرار الحد الأدنى ليس إلا “شوية حبر على ورق لا يلتزم به أحدٌ”.
يعلم العمال في الكثير من منشآت القطاع الخاص -بطبيعة الحال- أن قرار الحد الأدنى للأجور لا يُطبق عليهم، بينما يحجمون عن الشكوى خشية انتقام صاحب العمل، بل أن بعض العاملين في القطاع الحكومي نفسه يخشون التظلم من تدني أجورهم خشية التنكيل بهم.
ويعلم العمال والنقابيين أن مكاتب العمل ومديرياتها في أنحاء الجمهورية لا تقوم بواجباتها المفترضة بإجراء التفتيش على منشآت العمل، وأنها للأسف لا تتحرك إلا حال صدور تعليمات الوزارة لها بالتحرك.
الحقيقة واضحة.. المسئول الأول والرئيسي عن وفاة الرضيعة هو صاحب شركة نايل لينين جروب، بينما تتحمل وزارة العمل المسئولية التضامنية عن هذا الحدث الأليم، بعد أن كشف موت الرضيعة- بمزيد من الوضوح- عن أوضاع العمل السيئة وشروطه المشددة القاسية التي يعانيها أكثر من ثمانية مليون عامل في منشآت القطاع الخاص.
إننا جميعاً مطالبون بالعمل من أجل توفير حماية حقيقية للعمال، وكفالة حقهم في العمل وفقاً لظروف عمل لائقة وبأجور عادلة تتماشى مع ارتفاع الأسعار ونسب التضخم، وأن تتوافر وسائل السلامة والصحة المهنية فى منشآت العمل المختلفة وأن تتوافر حضانات صحية لرعاية أبناء العاملات. وندعو البرلمان الجديد بعد تشكله إلى إعادة المناقشة لبعض مواد التي يغيب معها الأمان الوظيفي للعمال، والتي لا تكفل بما يكفي الأجر العادل لهم.. كما نطالب وزارة العمل وهيئاتها بالكف عن عرقلة مساعي العمال لإنشاء نقاباتهم المستقلة التي تعد الآلية الأهم اللازمة لتفعيل المفاوضة الجماعية وإبرام اتفاقيات العمل الجماعية التي تتضمن شروط عمل لائقة.
كمال عباس
المنسق العام
لدار الخدمات النقابية والعمالية

