كارم يحيى يكتب: ليس دفاعا عن الزميل محمود كامل وحده
عجيب ما يشهده الزمن النقابي عند الصحفيين المصريين هذه السنوات العجاف في تاريخ الصحافة ببلدنا. لم يكن يتصور المرء أن يأتي علينا يوم يستدعى فيه عضو مجلس نقابة من إدارة الشئون القانونية بصحيفته وفي مؤسسته ليجرى التحقيق معه إداريا في أمور تتعلق بنشاطه وآرائه النقابية، أصاب فيها أو جانبه الصواب.
لا يقنعني أداء مجلس نقابة الصحفيين برمته كالعديد من أعضاء النقابة. وقد تكون عندي ملاحظات في هذا السياق على الزميل الأستاذ محمود كامل عضو مجلس النقابة. كما إنني خشيت أن يكون قد تسرع في إعلانه اتهام الزميل الأستاذ علاء ثابت رئيس تحرير “الأهرام” اليومي باضطهاد زميلنا في الجريدة نفسها الراحل الأستاذ عماد الفقي وبالإسهام في ضغوط دفعته لهذا الانتحار الغامض الذي هز مجتمع الصحفيين كله.
ولا أعرف هل عند الزميل كامل بحكم موقعه النقابي معلومات مؤكدة وأدلة على هذا “اضطهاد ” استهدف زميلنا عماد. وإن كنت أعرف واختبرت كصحفي ممارس منذ الثمانينيات حجم الضغوط التي يتعرض لها الصحفيون في صحفهم ومؤسساتهم، وفي ظل السلطات شبه المطلقة للزملاء الرؤساء، وفي ظل ضعف النقابة، واستفحال تقصيرها في أداء دورها الأصيل من أجل علاقات عمل سوية وأوضاع عادلة.
ويكفي أن أشير على سبيل المثال إلى تعمد إدارات الصحف تتقدمها “الأهرام” إخفاء لوائحها المنظمة لعلاقات العمل والحقوق الإقتصادية والاجتماعية والمعنوية والتحقيقات والجزاءات عن جموع الصحفيين والعاملين بصفة عامة.
ناهيك عن تبعية إدارات الشئون القانونية لقيادة المؤسسة أو الصحيفة، واستخدامها كأدوات إرهاب وتنكيل ما ينسف “أمان الصحفي” وكمفهوم وضمانة منصوص عليهما في القوانين المصرية منذ بداية عقد الثمانينيات.
ويعز على النفس أن يسارع الزميل الأستاذ علاء ثابت وهو عضو مجلس نقابة سابق إلى هذا التصعيد أمام النيابة العامة ومستعينا بسلطات الهيئة الوطنية للصحافة وبنادى رؤساء مجالس إدارة وتحرير الصحف القومية للانتقام من زميله نقابيا وفي مؤسسة ” أخبار اليوم”، وجريدة ” الأخبار” التي يرأسها زميلهما معا وكيل النقابة حاليا الزميل الأستاذ “خالد ميري”.
وكنت أتمنى وسأظل أن يتغلب التعقل والحكمة، ويتدخل الوسطاء من أهل المهنة لمصالحة بين الزميلين الأستاذين ” كامل وثابت”. أو على الأقل ترك الخلاف بينهما برمته لتحقيق داخل نقابة الصحفيين وحدها، ولو تصدت له وتحملت مسئوليته رموز في العمل النقابي خارج المجلس الحالي مشهود لها بالحيادية والاستقامة وعدم محاباة السلطة أو هذا وذاك. وفي كل الأحوال، ألا يكون هذا التحقيق بأي حال على حساب الكشف عن حقيقة ماجرى لزميلنا الأستاذ عماد ودوافعه.
لكن يظل أكثر ما يدهش ويؤذي كل صحفي حريص على استقلالية نقابة الصحفيين بعيدا عن تسلط وتغول إدارات الصحف والهيئات الحكومية أو شبه الحكومية عليها هو تجرؤ إدارة مؤسسة ” أخبار اليوم ” على استدعاء صحفي ونقابي للتحقيق إداريا في شأن يتعلق بمهامه النقابية، أو في رأي أبداه في قضية نقابية أو مهنية أو عامة. وعندي ما يستفزني هنا بما يدفعني لهذه الكتابة الآن .
لقد عاصرت وعايشت نضال زملاء سبقوني في المهنة والاهتمام بالنقابة والنقابية بين الصحفيين، وقد دافعوا ببسالة عن وضع خط فاصل مانع بين ماهو نقابي وبين كل ما يتعلق بالإدارة في الصحف والمؤسسات الصحفية. ودفعوا أثمانا باهظة من حياتهم وأرزقهم و فرصهم في الصحافة ومن صحتهم . ويحضرني على نحو خاص أساتذتنا المحترمين والمخلصين للمهنة و لأخلاقياتها وللنقابية بحق: سمير تادرس (أخبار اليوم) و موسى جندي (الأهرام) و مصطفى ثروت (وكالة أنباء الشرق الأوسط). وبالطبع غيرهم آخرون. ولقد علمونا منذ بدايات عقد الثمانينيات مبادئ عدم الجمع بين منصب قيادي كرئيس مجلس إدارة أو رئيس تحرير وبين الترشح لموقع نقابي يمثل جموع الصحفيين، وهم موضوع ومحل ممارسة هذه القيادات لسلطة الثواب والعقاب. صحيح أن قرارات الجمعية العمومية المتوالية للنقابة منذ نهاية عقد السبعينيات التي شددت على إعمال هذا المبدأ لم تحترم في الممارسة، وتعرضت للإنتهاك المتكرر. لكنها لايمكن أن تموت ولا ان تدفن حية مهما طال الزمن .
وشخصيا في مسيرتي المهنية والنقابية المتواضعة حرصت على التشبث بهذا الخط الفاصل قدر استطاعتي، ومهما كانت العواقب. ويحضرني اليوم مواقف عده تجعلني أرى أن التضامن مع الزميل الأستاذ محمود كامل في هذا السياق قضية تتعلق بالماضي الشخصي للعبد لله، وأيضا تتجاوز شخصه وشخصي إلى الفضاء العام، وماهو مبدئي.
.. أتذكر وفي علاقتي ” بالأهرام “، الذي قضيت به معظم مسيرتي المهنية، إنني لم أمنح صوتي ولا تأييدي ولو لمرة واحدة لرئيس مجلس إدارة أو تحرير “للأهرام” أو لغيره من المؤسسات الصحفية القومية أو الخاصة الكبرى. كما أنني طالما جاهرت بالإخلاص للفصل بين الإدارة والنقابة.
.. وأتذكر أنني رفضت التوقيع على مذكرة تشهد ضد زميلنا الأستاذ محمد أبو لواية وتدينه بسب وقذف رئيسي رئيس مجلس إدارة وتحرير “الأهرام” المرحوم الأستاذ ” إبراهيم نافع”. وقد جاءني موظف من إدارة المؤسسة وأنا أعمل في صالة الرابع كي أضيف توقيعي إلى زملاء صحفيين بالمؤسسة على هذه المذكرة فامتنعت، وأبلغته بأنه لايستقيم مع ضميري أن أشهد على زميلي في نقابة الصحفيين بما يشتبه منه إنني أجامل رئيسي في العمل ومن داخل جدران المؤسسة التي أعمل بها . وهذا بصرف النظر عما إذا كنت متفقا مع الأسلوب الذي يكتب به الزميل أبو لواية أم لا. وللأسف ماحدث هو أن هذه القضية تطورت إلى سابقة قيام نقيب الصحفيين بحبس زميل صحفي في قضية نشر ( منشورات/ مقالات ساخرة وزعها بمقر النقابة).
.. وأتذكر أنني امتنعت عن تسلم كارنية النقابة في بداية عام جديد عندما جاءني عبر إدارة مؤسسة “الأهرام” ومن خلال رئيسي المباشر في ” قسم الشئون العربية” بالأهرام اليومي، وصممت وتمسكت بإعادته إلى مبنى النقابة، وبالفعل لم أقبل إلا أن اتسلمه منها هي، وليس عبر إدارة المؤسسة الصحفية.
.. وأتذكر أنني أضعت على نفسي سنوات من مكافأة صندوق التكافل عند بلوغي الستين عندما توجهت إلى خزينة الرابع في “الأهرام” فوجدت عند مولد الصندوق خصما من راتبي تحت بند ” إشتراك صندوق التكافل بالنقابة. و إنني شعرت بالصدمة والامتعاض حين أبلغني الصراف أن الأستاذ إبراهيم نافع أمر بإدراج كل صحفيي المؤسسة كتلة واحدة في عضوية الصندوق. واعترضت عند النقابة وإدارة “الأهرام”، وألغيت الاشتراك فورا ، ولم أعد إليه إلا بعد مايزيد عن عشر سنوات عندما نبهني زميل، وبعدما ذهب “نافع” عن رئاسة المؤسسة والنقابة.
.. وأتذكر أمورا أخرى وضعتني في صدام مع قيادة مؤسسة “الأهرام”. وكلها وغيرها سأظل راضيا عنها وعما دفعته من أثمان. وهذا لأن مبدأ إستقلالية النقابة عن إدارات وقيادات الصحف يجب أن يكون مقدسا لاتشوبه شائبة.
.. لذا فإنني أجدني اليوم متضامنا مع زميلي وعضو مجلس النقابة الأستاذ محمود كامل تضامنا يتجاوز شخصه إلى الدفاع عن تاريخ عريض من نضالات الصحفيين المستقلين، وفي الصحافة القومية، و حتى ولو عملوا في صحف ومؤسسات أريد لها ألا تكون مستقلة، وبالعدوان على حقوق الشعب والقراء وأموالهم. كما أجدني مندهشا لتصرف الزميل الأستاذ علاء ثابت والزملاء في إدارة مؤسسة “أخبار اليوم” وجريدة “الأخبار” والهيئة الوطينة للصحافة إزاء زميل صحفي و في عضوية مجلس النقابة. ولا أتصور ألا تصدر نقابة الصحفيين المصريين بيانا يتأسس على مخاطبة قوية حازمة واضحة لإدارة مؤسسة ” أخبار اليوم”بأن تلغي استدعائها للزميل الأستاذ محمود كامل وتعتذر له وللنقابة كتابة وعلنا.
حقا .. أتمنى أن يعود الجميع إلى جادة الصواب ليفصلوا بين سلطة الإدارة وصلاحياتها وبين الشأن النقابي. فالمناصب مهما أغرت مقاعدها الوثيرة وسياراتها وامتيازاتها الفخمة ساكنيها زائلة. ولن يبقى إلا وجه الزمالة واحترام استقلالية النقابة والعمل النقابي.
وتبقى كلمة أخيرة أهمس بها في إذن الزميل الأستاذ علاء ثابت، وبعدما طالعت مقاله في عدد “أهرام” الجمعة 20 مايو 2022 ” تقاليد الكبار في رحاب صاحبة الجلالة”، فوجدت عبارة :” لا يمكن التهاون في خطأ أو كسر التقاليد وآداب المهنة”، فتذكرت خطأ يكسر تقاليد وآداب المهنة وقع فيه الزميل الأستاذ علاء نفسه قبل سنوات، وتوثقه الأرشيفات، وكان ومازال يستوجب التحقيق والمساءلة أمام نقابة الصحفيين، وتعجبت. وبقدر ما تعجبت تمنيت أن يكون ” من الكبار” مع زميله وزميلنا الأستاذ محمود كامل وفي احترام النقابة والنقابية.
.. وسامح الله الجميع ، لكن من فضلكم أوقفوا هذا العبث. وكفى ما نحن فيه من أوضاع صحافة ونقابتها تزداد بؤسا. كفى أن ترتيب مصر في حرية الصحافة هو 168 من إجمالي 180 دولة يسبقها كل البلاد العربية والأفريقية، إلا ما ندر بينها من ” البؤساء أبلغ البؤس”.
كفى سامحكم الله .