كارم يحيى يكتب: لا تنسوهم .. لاتنسوا السفير محمد رفاعة الطهطاوي نداء للإمام شيخ الأزهر وللتيار المدني
ثمة اسماء كثيرة لانتذكرها عند مطالبتنا باطلاق سراح معتقلي وسجناء الرأي في مصر هذه الأيام. وهذا بصرف النظر أكان منا من يثق في فرص تنفيذ ” العفو الرئاسي” وحدوده وشروطه أم لا.
يشعر المرء بعذاب الضمير لغياب تذكر تلك الاسماء عن وسائل الإعلام المتاحة وصفحات الفيس بوك. وهذا فضلا عن اسماء غير المشاهير وغير المعروفين هنا وهناك.
والحقيقة أن الكلام الذي ارتفع خلال الأسابيع الأخيرة عن محبوسي وسجناء الرأي لا يتأسس على أي إحصاء من جهة رسمية بسأن إجمالي أعدادهم. ولا أعرف هل اعتنت اللجنة المكلفة بترشيح اسماء للعفو الرئاسي بسؤال الجهات المختصة عن هذه الأعداد؟، أم أن الأمور تجرى هكذا و( خلاص ونحمد ونشكر ربنا ). وماهي صحة تقديرات محلية ودولية غير رسمية بأن الأعداد تناهز الستين ألفا ؟.
على أي حال، أرجو لكل مهموم ومتدخل في هذا الملف المؤلم والنازف والحافل بالجديد المسئ كل يوم للآن ألا ينسى أن هناك الكثير من محبوسي وسجناء الرأي ليس لهم من يرفع الصوت باسمائهم وبحالاتهم وبمعاناتهم. وهذا لو أريد “للعفو” ـ إذا تم وعلى نحو يهم جموع المصريين ـ ألا يفرق بين الضحايا من هؤلاء المحبوسين والسجناء بسبب اللون الفكري أو السياسي أو مستوى علاقته مع النخبة السياسية ” المدنية” التي تقول بأنها ” شريك للنظام” .. وهذا خيارها وحقها، مع ما تعانيه في الأغلب من حصار و تهميش وحتى قمع.
واليوم أود أن أرفع الصوت لأذكر بواحد من “كبار المنسيين”. أقصد الحفيد الأكبر لرفاعة الطهطاوي بجلالة قدره وعلمه وثقافته التأسيسية في خدمة مصر الحديثة منذ القرن التاسع عشر . وأيضا بكتابه العلامة من أجل نهضتنا :” تخليص الإبريز في تلخيص باريز”.
هو معتقل وسجين الرأي منذ صيف 2013 السفير الدبلوماسي “محمد رفاعة الطهطاوي”. فالرجل وقد تقدم في السن، يكمل بحلول مطلع شهر يوليو المقبل 2022 تسع سنوات من حياته وحياة مصر في السجون, وهو المستشار السابق لشيخ الأزهر ” أحمد الطيب”، والذي سارع باستقالته رفعا للحرج عن الإمام والمشيخة عندما انحاز مبكرا لشعبه وثورته في يناير / فبراير 2011، و سابقا الأزهر بخطوات معدودة، فاخذ يتردد على ميدان التحرير .
الرجل معروف عنه العلم والثقافة والتسامح والأخلاق الرفيعة إلى جانب الكفاءة وخدمة الدولة والبلد.وهو واحد من نجباء مدرسة الدبلوماسية ووزراة الخارجية المصرية. ولعل زملائه يذكرونه معي بالخير. وليس ذنبه أن بعضا من شباب الثورة رشحه مبكرا وأثناء فترة المجلس العسكري/ المشير طنطاوي لكي يكون اختيار مصر/ الدولة لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية في مواجهة الدكتور مصطفى الفقي المحسوب على نظام وعهد المخلوع ” حسني مبارك”. وليس ذنبه أن مزاجا ثوريا رشحه لاحقا لتولي مسئولية وزراة الخارجية. وما أعلمه وغيري أن الحفيد الأكبر للطهطاوي زهد في هذا المنصب وذاك.
وبالطبع ليس ذنبه إنه عمل رئيسا لديوان رئاسة الجمهورية المصرية بين يونيو 2012 و يونيو 2013 في فترة المرحوم الرئيس المدني المنتخب الدكتور “محمد مرسي”. ليس ذنبه بالطبع . وتولي هذه المسئولية لايمكن أن تكون جريمة أو عيب . ولقد كتبت من قبل دفاعا عن المستشار القاضي المحترم “هشام جنينه” الذي عينه الرئيس مرسي رئيسا لجهاز المحاسبات خلال عام ولايته. ونشرت في “الأهرام” قبل نحو 7 سنوات ويزيد مستشهدا بأن الفريق “عبد الفتاح السيسي” نفسه من عينه في منصب وزير الدفاع هو الرئيس مرسي، وليس أحدا غيره. وهنا أيضا أرجو ألا ننسى المستشار جنينة من طلب إطلاق سراحه.
.. لست في حاجة للقول بأنه عار على مصر القرن الحادي والعشرين أن تحبس أحد رجالات دبلوماسيتها و نجل رفاعة الطهطاوي القرن التاسع عشر. وبالأصل فإن حبس أي مواطن مصري وكيل الاتهامات له جزافا ومحاكمته أمام القضاء من موقع الخصومة السياسية مع السلطة الحاكمة يسئ لمصر، وعار عليها. ولا يمت للحداثة أو المدنية أو استقلال القضاء وضمانات المحاكمة العادلة بأي صلة .
.. وأتمنى أن يتحدث شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب ويفعل الآن من أجل رجل عمل معه، ويعرف قيمته ومقامه ومعدنه وكفاءته وإخلاصه وصدقه واحترامه لمنصبه، كما يعرف أنه لم يتورط يوما في عنف ولا يمكن تصور أي تورط كان من هذا النوع . وأتمنى أيضا أن يبارد الأصدقاء في ” التيار المدني” بأن يشملوا السفير “محمد رفاعة الطهطاوي” وغيره من المنسيين من مختلف الإتجاهات ضمن اهتماماتهم وقوائمهم. وهذا بصرف النظر عن النتائج. إذ ليس للإنسان والمصري ولهم ـ وكلنا بلاحول ولاقوة اليوم ـ إلا مانسعى.
و يامصر.. عيب حفيد رفاعة الطهطاوي، والذي لم يرتكب عنفا يوما ما، أن تكون صورته هكذا خلف القضبان. يكبر ونكبر معه في العمر، ونخشي عليه وعلى أنفسنا من دنو الأجل، فلا نراه حرا بيننا.
وياريت الزملاء والاساتذة ممن عندهم مساحة وفرصة نشر في الصحافة اليوم، وبخاصة القومية، أن يكتبوا وينشروا عنه، وعن كل محبوس وسجين رأي ،وبخاصة من هم خارج الأضواء.
.. وفي انتظار سماع أصواتكم. وبعدما تشجعت على كتابة هذا المقال ونشره هنا في موقع “درب” الغراء عندما وجدت تفاعلا إيجابيا مقدرا من رموز في أحزاب التيار المدني على تدوينة على صفحتي بالفيس بوك بشان السفير محمد رفاعة الطهطاوي. .. لا تنسوهم .. ولا تنسوه.