كارم يحيى يكتب: الذين يرحلون مبكرا.. وداعا إياد داود
كأنه لا تكفينا آلام لا تنتهى مع غياب الأحبه في السجون عاما تلو عام . تأخذ من أعمارهم وأعمارنا. وكأنه لا يكفى مشاهد القتل والدمار والخراب والرعب من أوكرانيا التي نشاهدها على شاشات التلفزيون قبل النوم وعند اليقظة.
يعود النوم يجافيني بثقل آثار السجون والحروب والوجوه التعيسة في الشوارع على الروح، والعمر يتقدم مع سؤال أصبح أكثرإلحاحا : متى يريحني الله من هذا العالم البشع ؟.
قبل فجر اليوم استيقظت على نبأ وفاة الشاب الفنان “إياد داود”. يا الله لا أصدق. أعود لأحدق في شاشة الهاتف المحمول. تتقافز تدوينات “الفيس بوك” صعودا وهبوطا لأستقر مجددا عند اسمه. أغلق الهاتف فلا يسود الظلام تماما. فالتلفزيون الذي لاينام هذه الأيام والمعلق على الحائط أمام السرير يجرجر بلا صوت صور الحرب وعناوين الأخبار العاجلة. لكن الفواصل بين المشاهد تزيدني وغرفتي عتمة.
يالله .. أهو ” إياد ” الذي عرفت فقط منذ اعتقال شقيقه الزميل الكاتب الصحفي “خالد داود” بين نهاية سبتمبر 2019 و إبريل 2021؟ . عرفته وجلسنا ساعات في غير مرة أمام بوابة سجن ليمان طرة مرات وأنا أذهب لأكون مع أهالى أحباء خلف الأسوار.
“إياد” الذي ترك في القلب وردة جميلة فواحة وسط الهم و الظلم والقهر والتعب والعبث في جلساتنا على كراسي رثة تنوء بأجسادنا وهمومنا مغروسة في التراب وبقايا قمامة وانتظارات الأهل المعذبين والمنكل بهم أيضا.
” إياد” جبل الأحمال والآلام الذي لم أعرفه يئن أو يشتكي. قليل الكلام المدخن بشراهة، و الذي يأتي من بعيد حاملا زيارة الطعام لـ “خالد”. و”منال” شقيقته وخالد كانت للتو قد ماتت،أما والده و خالد فمريض في المنزل لايقدر على زيارة الإبن معتقل الرأي. أسأله في كل مرة عن أخبار الأب؟، فيكتفي بـ “الحمد لله”. وقد رحل الأب بعد أيام قليلة من خروج “خالد”.
لا أذكر أنه كلمني أبدا عن معاناته من البطالة والتجاهل والحصار كمذيع مقدم برامج تلفزيونية وممثل لمع نجمه ، وبخاصة بعد ثورة 25 يناير 2011 مباشرة. ولقد بدا أنه يحمل هما ثقيلا أيضا فوق همومه المعروفة لي . وعلمت لاحقا بمدى تأثره برحيل “عمرو سمير” صديقه ورفيقه في برنامج ” شبابيك ” في مطلع الثلاثينيات من العمر.
كل ما يعلق بالذهن حديثه الدافئ عن كلبه الذي يقاسمه الحياة وحيدين في شقته. وكم بسط أمامنا تفاصيل صغيرة عن الكلب، وانشغالاته بمرض ألم به أو اضطراب في شهيته للأكل .
اليوم يرحل ” إياد” بضربة من”كورونا”. وكأن الوباء أراد أن يذكرنا جميعا بأنه مازال هنا يترصدنا خلف الباب وع الحروب والسجون، وتحت أغطية السرير، وفي أنفاسنا اللامرئية داخل عربات المترو. أراد أن يذكرنا بحضوره الطاغي هنا والآن، وبأنه يعود ليتسلل ويشكل بدون جلبة قاتل محارب أوسجان جلاد المصائر ويختطف أحبة.
” إياد ” أبكاني رحيلك مع أننا لم نلتق ونتكلم بما يكفى.
وأعان الله شقيقك على الفراق/ المحنة.
رحم الله “إياد” ( 39 سنة )، وكل الذين يرحلون مبكرا، ويتركون من تخطوا الستين من أمثالي في حيرة من أمرنا، وفي أسى مما يجرى في الوطن والعالم .
ولعل سنواتنا الأخيرة هذه هي الأكثر قسوة.
في 6 مارس 2022