في عيد ميلاد الفاجومي.. نجم «شاعر تكدير الأمن العام» الذي عشق الفقراء وغنى للثورة: أعرفكم جميعا إن الظلم شايخ
أعرفكم جميعاً إن السجن سور
أعرفكم جميعا إن الفكرة نور
وعمر السور ما يقدر يحجز بنت حور
وعمر النور ما يعجز يقزح ألف سور
أعرفكم جميعا إن الظلم شايخ
وأعرفكم جميعا باب السجن خايخ
وأعرفكم جميعا إن ما لوش اكره
وأعرفكم جميعا إنه هايبقى ذكرى
هكذا كانت صرخة أحمد فؤاد نجم وبشارته لجيله والأجيال التالية، ففي أشد اللحظات عتمة كان الفاجومي يغني للأمل ويكتب لغد يراه أفضل، عاش نجم بين الناس وأحب الفقراء الذين انتمى لهم وعبر عن أحلامهم مثلما عبر عن آمال الوطن في لحظات فاصلة من تاريخه، وظل على العهد مخلصًا لفكرته ومدافعًا صلبًا عن كل ما آمن به.
في مثل هذا اليوم من عام 1929 ولد أحمد فؤاد نجم في قرية كفر نجم وبعد وفاة والده عاش في الملجأ وكان رفيقه في نفس الحجرة الفنان عبد الحليم حافظ، لكن العلاقة لم تدم بعد خروجهما من الملجأ.
حفظ نجم القرآن الكريم، وساعد نفسه في تعلم القراءة والكتابة، وعمل في مهن متعددة ليكسب قوت يومه.
كون مع الشيخ إمام ثنائي متميز، وقدما عشرات الأغاني التي مازالت تتردد لصدقها وقربها من هموم الإنسان المصري وقضاياه.
شكلت نكسة 1967 علامة فاصلة في نجم ككل جيله الذي عاش هذه اللحظة المؤلمة من عمر الوطن، فكتب أغنية بقرة حاحا، كما يقول الكاتب صلاح عيسي في كتابه «أحمد فؤاد نجم.. شاعر تكدير الأمن العام» في 8 يونيو 1967.
وبعدها كتب: «الحمد لله خبطنا/تحت بطاطنا/ يامحلا رجعة ظباطنا من خط النار».
يقول نجم إنه «في جنازة عبد المنعم رياض، كنت قريبا من عبد الناصر وقلت له مفيس حل سلمي ياريس، وأنت في وسط الناس أهو».
لكن نجم دخل السجن بعد النكسة ولم يخرج إلا في بدايات عصر السادات ضمن آخر 4 معتقلين، يقول نجم إن عبد الناصر قال: «إن الناس دي مش هتخرج من السجن طول ما أنا عايش»، فببساطة ذلك هو ما حدث بالفعل ولم يخرج إلا بعد وفاته أثناء تصفية أنور السادات للمعتقلين السياسيين في عهد عبدالناصر .
وبالفعل مات عبد الناصر ونجم سجين في المعتقل، لكن هذا لم يمنعه من البكاء عليه، وأن يرثيه بقصيدة ختمها بـ«عاش ومات وسطنا.. على طبعنا ثابت.. وإن كان جرح قلبنا كل الجراح طابت».
وفي عهد السادات لم تكن العلاقة أفضل حتى أنه وصفه بـ«الشاعر البذيء»، بعد انتصارات أكتوبر اختار نجم أن يغني للجندي، ابن الفلاحين الذي انتصر بعد هزيمة قاسية، فكتب «هما مين وإحنا مين»:
إحنا مين وهما مين
إحنا قرنفل على ياسمين
إحنا الحرب حطبها ونارها
وإحنا الجيش اللي يحررها
وإحنا الشهدا ف كل مدراها
منتصرين أو منكسرين
ومع اتجاه السادات للانفتاح الاقتصادي والسلام مع إسرائيل هاجمه السادات بقصائد «ريسنا يا أنور»، و«الفول واللحمة» و«على الربابة» و«بوتيكات» و«البتاع».
وبعد زيارة الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون كتب قصيدة نيكسون بابا:
شرفت يا نيكسون بابا.. يا بتاع الووتر جيت
عملولك قيمة وسيما.. سلاطين الفول والزيت
فرشولك أوسع سكة.. من رأس التين على مكة.
هناك تنزل على عكا.. ويقولوا عليك حجيت.
وهى القصيدة التى تسببت فى سجن أحمد نجم حتى رحيل السادات.
وفي عصر مبارك اختار نجم الوقوف ضد سياسات الخصخصة والتوريث وهاجم مبارك في أكثر من قصيدة أبرزها «الشكارة»، و«كانك مافيش».
يقول في قصيدة «فى عيد ميلادك الكام وسبعين»:
فى عيد ميلادك الكام وسبعين، كل سنة وأنت طيب وإحنا مش طيبين.
كل سنة وأنت حاكم وإحنا محكومين، وإحنا مظلومين، وإحنا متهانين.
ويا ترى يا حبيب الملايين، فاكرنا ولا إحنا خلاص منسيين.
فاكر المعتقلين، فاكر الجعانين، فاكر المشردين، فاكر اللى ماتو محروقين، فاكر الغرقانين.
الله يكون فى عونك، ها تفتكر مين ولا مين.
اختار نجم الغناء للوطن لا لشخص حاكم أو مسؤول في أغنيته الشهيرة مصر يا أمة يا بهيمة يقول:
مصر يا أما يا بهية / يا أم طرحة وجلابية/ جاية فوق الصعب ماشية/ واحتمالك هو هو/ وابتسامتك هي هي.
لذلك حين قامت ثورة 25 يناير 2011 كانت قصائد نجم حاضرة في الميدان وصوته مجلجلاً، ولم لا وهو الذي كتب قبل عشرات السنين: «كل ما تهل البشاير/ من يناير كل عام/ يدخل النور الزنازن/ يطرد الخوف الظلام»، وكأنه يتبنأ بالثورة وبموعدها.
حتى أن أشهر مانشيتات الثورة كان مقتبسًا من قصيدة لنجم يقول فيها: «صباح الخير علي الورد اللى فتح فى جناين مصر».
كان نجم أحد آباء الثورة، يستقبل النشطاء والثوار في بيته ينصحهم ويستمع لهم، ورغم ذلك لم يكتب عن ثورة يناير وهو ما فسره بأنه يحتاج إلى وقت كي يكتب عن حدث عظيم مثل 25 يناير، وهو نفس الأمر الذي جعله يعتذر للشهداء ويعدهم بالكتابة لكن القدر لم يمهله حتى يحقق أمنيته.
عارض نجم الرئيس المعزل محمد مرسي، وتوقع سقوطه سريعًا بسبب سياساته وهاجمه بقصيدة قال فيها: «ملعون جنابك، ملعون كمان اللى جابك، ملعون قطيعك، على اللى فكر فيوم يطيعك، على اللى سابـك تنشر كـلابك».
وفي 3 ديسمبر 2013 رحل نجم عن عمر يناهز 84 عاما، بعد عودته مباشرة من العاصمة الأردنية عمان، التي أحيى فيها آخر أمسياته الشعرية برفقة فرقة الحنونة بمناسبة ذكرى اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وقد تم تشيع الجثمان من مسجد الحسين بمدينة القاهرة.
لكن نجم سيعيش طويلاً بإبداعه وبسيرته الطيبة وشعره الذي سخره لقضايا أمته وأحلام وطنه فلم تكف الذاكرة الشعبية عن استدعاء كلماته في كل مناسبة تخص الوطن والبسطاء من أبناء الشعب.
ويبقى شعر نجم: