في ذكرى رحيل أمل دنقل| كلمات الجنوبي التي جسدت الأحلام: موتوا وقوفًا لا تموتوا تحت أقدام الطغاة
كتب – أحمد سلامة
ولتحفروا قبري عميقًا
وادفنوني واقفًا
حتى أظل أصيح بين الناس: لا تحنوا الجباه
موتوا وقوفًا.. لا تموتوا تحت أقدام الطغاة
أمل دنقل، ابن الجنوب الذي حمل داخل جسده الواهن آلام مصر من شرقها إلى غربها ومن شمالها حتى آخر حدودها جنوبًا، جسدها بأبيات وقصائد عبقرية عاشت وستعيش بوجدان كل المهمومين بهذا الوطن.
بقرية القلعة التابعة لمركز قفط جنوبي قنا، ولد محمد أمل فهيم أبو القاسم محارب دنقل، في عام 1940، وبعد حياة قصيرة رحل الشاعر الفذ في 21 مايو عام 1983 بعد صراع مرير مع مرض السرطان عن عمر ناهز 43 عاما.
كان والده عالماً من علماء الأزهر الشريف مما أثر في شخصية أمل وقصائده بشكل واضح، وقد سمى أمل دنقل بهذا الاسم، حيث ولد بنفس السنة التي حصل فيها والده على إجازة العالمية فسماه باسم أمل تيمنا بالنجاح الذي حققه، وورث عنه أمل دنقل موهبة الشعر وكانت لديه مكتبة ضخمة انكب عليها.
توجه دنقل القاهرة بعد أن أنهى دراسته الثانوية في قنا، وفى القاهرة التحق بكلية الآداب ولكنه انقطع عن الدراسة منذ العام الأول لكى يعمل موظفاً بمحكمة قنا وجمارك السويس والإسكندرية، ثم بعد ذلك عمل موظفًا في منظمة التضامن الأفرو آسيوى، لكنه الشعر دومًا ما كان يجذبه بعيدا عن الوظائف، وقد استوحى دنقل قصائده من رموز التراث العربى، وقد كان السائد في هذا الوقت التأثر بالأسطورة الغربية واليونانية خاصة.
عاصر أمل دنقل عصر أحلام العروبة والثورة المصرية مما ساهم في تشكيل قناعاته السياسية، وقد صدم في نكسة ١٩٦٧ وعبر عن صدمته في رائعته «البكاء بين يدى زرقاء اليمامة» ومجموعته «تعليق على ما حدث»، كما عاصر نصر أكتوبر، ووقف ضد المصالحة في رائعته «لا تصالح» وكانت مواقفه السياسية سبباً في اصطدامه المتكرر بالسلطات، خاصة أن أشعاره كانت تقال في المظاهرات على ألسن الآلاف.
“شاعر الرفض”، هكذا لُقب دنقل بعد مواقفه من رفض التصالح مع إسرائيل، ورغم سنوات عمره القصيرة، نجح في أن يسجل اسمه بحروف من نور وسط أساطير القصيدة العربية، بأعمال استثنائية ارتبطت بضمير ووجدان الأمة المصرية، وصاحبت أمجادها وانكساراتها طوال ما يزيد عن أربع عقود عاشها في دنيانا.
أصيب أمل دنقل بالسرطان وعانى منه كثيرا وتتضح معاناته مع المرض في مجموعته “أوراق الغرفة 8” وهو رقم غرفته في المعهد القومي للأورام والذي قضى فيه ما يقارب الأربع سنوات، وقد عبرت قصيدته عن آخر لحظاته ومعاناته، وهناك أيضًا قصيدته “ضد من” التي تتناول هذا الجانب، وكان آخر قصيدة كتبها دنقل هي “الجنوبي”.
بعد وفاته أخرج شقيقه أنس دنقل عددًا من الأعمال الأدبية التي تركها شقيقه ولم تخرج للنشر، وأشار إلى أن الأعمال التي لم تنشر هي مسرحية شعرية بعنوان “الخطأ” و20 قصيدة غالبيتها قصائد غزلية، ما زالت تبحث عن فرصة للطباعة تناسب القيمة الشعرية للراحل، علماً أن أرملته تحتفظ بمسرحية لم تنشر أيضاً بعنوان “الحاكم بأمر الله”.
وأكد أنس أن أمل دنقل لم يسع إلى التكريم طيلة حياته، كما كرم رفيق دربه الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي الذي أطلق اسمه على أحد ميادين مدينة الإسماعيلية التي كان يسكنها مع أسرته، إلا أن أسرته ترى أن التكريم الأكبر الذي حاز عليه هو حب جماهير الشعر في العالم وتقديرهم له، فسنوياً يزور قبره، أدباء وشعراء ونقاد من دول العالم الغربي والعربي، كتونس والجزائر والمغرب ولندن وأميركا وسويسرا، تعظيماً لإنتاج يستدعي الفخر.
وأعلن فرع هيئة قصور الثقافة في جنوب مصر في بيان رسمي، عن تنظيم عدد من الاحتفالات والأمسيات الأدبية تزامناً مع ذكرى وفاته، في إطار الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة المصرية لمواجهة انتشار فيروس كورونا.
وأضاف البيان أن الأمسيات سيشارك فيها عدد من الشعراء والأدباء المعاصرين للشاعر الراحل، تتناول عدداً من الدراسات النقدية الغربية لشعره ونظرية النص البيئي في نتاجه ومواقف المعاصرين منه.
وربما تحمل الكثير من قصائد الشعراء النصائح للمستمعين، لكن كلمات دنقل كانت أكثر رسوخا وثباتًا وبقاءً في أذهان القراء والمتابعين.. كلمات قوية بقيت أوتادًا في العقول وعززت المبادئ والأفكار والأحلام.