في ذكرى رحيله.. أحمد نبيل الهلالي «قديس اليسار» الذي هجر ثروة عائلته ليدافع عن العمال والفقراء والمظلومين (بروفايل)
«اخترت الإشتراكية لأني شاهدت مطبخ المجتمع الرأسمالي واكتشفت وجهه القبيح.. وطالما هناك رأسمالية ستظل الاشتراكية هي الحل»، بهذه الكلمات لخص أحمد نبيل الهلالي، قديس اليسار، تجربته وفلسفته في الحياة بعدما اختار طواعية أن يتخلى عن عيشة الترف والثراء، وأن يناضال من أجل البسطاء والمظلومين، فصارًا قديسًا لليسار ورمزًا وطنيًا وأبًا وأستاذًا لكثيرين ممن ساروا على دربه بعدما مهد الطريق بنضال وصبر بعدما وزرع ميراث العائلة على الفقراء، إيماناً منه باشتراكيته.
ولد الهلالي في ٧ أغسطس ١٩٢٢، حصل على ليسانس الحقوق عام ١٩٤٩، واشتغل بالمحاماة منذ هذا التاريخ وانتخب عضوا في مجلس نقابة المحامين في الدورات المتتالية منذ عام ١٩٦٨ حتى ١٩٩٢.
رغم أن والده تولى رئاسة الوزراء في عهد الملك فاروق وكان من الأثرياء إلا أن الهلالي انضم الهلالى للحركة الشيوعية المصرية منذ ١٩٤٨وكان أحد كوادرالحركة الديمقراطية للتحررالوطنى «حدتو»، اعتقل مرتين خلال عهد الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر، الأولى عام ١٩٥٩ واستمر سجنه خمس سنوات، ثم اعتقل مرة أخرى عام ١٩٦٥لمدة أربع سنوات ولمدة عام بعد مظاهرات الطلبة عام 1972، وكانت آخر مرة ضمن اعتقالات سبتمبر 1981.
ومن أهم مؤلفاته كتاب «اليسار الشيوعى المفترى عليه.. ولعبة خلط الأوراق» وهو عبارة عن ردود على الأكاذيب التي استخدمتها الرجعية المصرية في حربها ضد الشيوعيين المصريين.
كان مكتب الهلالى مقصداً لكل العمال والمقهورين، بعدما وهب حياته للدفاع عن حقوق الفلاحين والعمال والحريات.
ومن أبرز القضايا التي ترافع فيها قضية إضراب السكة الحديد في ١٩٨٦ وقضية حريق قطارالصعيد، ومرافعته في قضية المستشارين هشام البسطاويسى وأحمد مكى وغيرها من القضايا العامة.
وفي قضية الاشتراكيين الثوريين في 2006، رسخ الهلالي لحرية التعبير قائلاً: «التعبير عن الرأي مش حدود الإباحة فيه اللي على مزاج الحاكم أبدًا، بل بالعكس، أنا من حقي أن أخالف الحاكم وأخطّئ الحاكم وأهاجم الحاكم»، وفي ١٨ يونيو ٢٠٠٦ رحل قديس اليسار عن ٨٤ سنة وخلفه سيرة حافلة بالنضال والعطاء.
الزاهد يتحدث عن كواليس مرافعة الهلالي في إضراب عمال السكة الحديد
يقول مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي: فى ذكرى رحيل القديس أتذكر أنه بعد ساعتين من مرافعة محامى الحريات القديس أحمد نبيل الهلالى قرر المستشار الجليل محمد أمين الرافعى، رئيس محكمة أمن الدولة العليا طوارئ التى نظرت قضية إضراب عمال السكة الحديد، رفع الجلسة لمدة نصف ساعة فقط حتى يستريح الاستاذ، ولم يشأ تأجيلها لليوم التالى حتى لا تنقطع هذه التحفة القانونية والسياسية التى كان القديس يترنم بها من منصة الدفاع.
وأضاف: «بعد الاستراحة واصل الهلالى مرافعته لأكثر من ساعتين مؤسسا دفاعه على مشروعية حق الإضراب بعد توقيع مصر على العهدين الدوليين للحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ونشرهما فى الجريدة الرسمية، واشتبك الهلالى فى مرافعته مع المواد التى كانت تجرم هذا الحق واعتبرها والعدم سواء، وكانت مرافعة الهلالى الأساس فى حيثيات الحكم ببراءة العمال، وباحكام البراءة التى تلاحقت بعدها فى قضايا الإضرابات، وكان اساس المرافعة قد تم الاتفاق عليه بين الهلالى وشباب المحامين وقتها واذكر منهم الصديق العزيز الراحل، أحمد شرف وأحمد سيف، والأصدقاء أمير سالم وعباس حجر والسيدان عبد الغنى وشعبان وعبد الله خليل وغيرهم من شيوخ وشباب المحامين».
وتابع أنه قبل مرافعته فى هذه القضية وفى قضية ثورة مصر كان الهلالى يعتذر عن أي لقاء لأنه يدرس ويجهز .. وكنت من جانبى اندهش من انشغال الاستاذ الكبير إلى هذا الحد، ولكنى مع الهلالى ادركت ان الاستاذ يصبح استاذا بقدر استعداده لأن يكون تلميذ! وبالفعل كانت مرافعته فى ثورة مصر أيضا، تحفة أخرى، كرس لها وقته وجهده .. وتكاملت هذه المرافعة مع مرافعة الصديق القدير سيد شعبان فى تقديم صورة حقيقية لكل ماجرى، ولهذا قصة أخرى.
خالد علي: الهلالي دافع عن العمال والفقراء
ويقول المحامي خالد علي، مرشح الرئاسة الأسبق، إن مكتب الهلالي كان مقصدًا لكل العمال والمقهورين، فدافع عن حقوق الفلاحين والعمال والحريات، بالإضافة إلى دفاعه عن الخصوم السياسيين للسلطة أو لأفكاره مثل مرافعته في قضية «الدكتورعمرعبدالرحمن».
وتابع: بالإضافة لمرافعاته في القضايا العامة مثل قضية إضراب السكة الحديد عام 1986 وقضية حريق قطار الصعيد ومرافعته في قضية المستشارين «هشام البسطاويسى» و«أحمد مكى» وغيرها من القضايا العامة إلى أن توفى «زي النهارده» في 18 يونيو 2006 عن 84 سنة.
العوضي: الهلالي أول من دافع عني
وقال المحامي طارق العوضي: لروحك وتعاليمك ومبادئك السلام والرحمة والمغفرة، أستاذي ومعلمي وقدوتي وأول من دافع عني.
الميرغني: في ذكري رحيل القديس أشعر بالفقد الكبير الذي لا يعوض
ويقول إلهامي الميرغني، نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي: «الاستاذ كان نموذج للشيوعي الحقيقي، هجر ثروة والده وسلطانه ووهب حياته للطبقة العاملة المصرية والدفاع عن الحريات. وكان مكتبه قبلة لكل العمال الباحثين عن حقوقهم وللمثقفين الراغبين في الحوار حول قضايا الساعة».
وأضاف: «الأستاذ من أيام تنظيم مشمش وحتى حزب الشعب كان قابضاً علي الجمر لم يبحث عن منصب أو ظهور فوجوده وكلامه وكتاباته كانت كلها دروس وحضور وتألق، وأذكر مرة كنا في احتفال في نقابة الصحفيين ووجدته يخرج ورقة يقرأ منها وسألته بعدها معقولة حضرتك المحامي والخطيب المفوه تقري من ورقة، فرد قائلاً لكي لا أشتت أفكاري والمستمعين ولكي لا يجذبني الحديث فأخرج عن جوهر الموضوع الذي أريده ومنذ سنوات عودت نفسي أن أكتب أي كلمة سالقيها كما افعل في مرافعاتي في مختلف القضايا .هكذا كان الاستاذ».
وتابع الميرغني: «الأستاذ نبيل أبن رئيس وزراء مصر كان مثقف عضوي بكل معني الكلمة ولم يكن يملك سيارة ويستخدم المواصلات العامة ويمكن أن تشاهده في أي شارع من شوارع القاهرة ماشي ممسكاً بشنطته المليئة بالأورق .وكان كل الشيوعين في مختلف التنظيمات يقدرونه ويحبونه وهو كان حريص علي حبال الود الدائم مع الجميع رغم الاختلاف، كان لما يقابلني مثلا في ميدان طلعت حرب ممكن يقف يتكلم ساعتين في حوار شيق واذا طلبت منه الجلوس في مكان يرد بابتسامته الرائعة انا مش عايز اعطلك والخبط مواعيدك.كان نبيل من النبلاء بحق».
وأضاف: «عندما رشح العلالي نفسه لانتخابات مجلس الشعب في حلوان دعي كل اطياف الحركة الشيوعية وقال هذه معركة الجميع وبالفعل تجمعت عناصر من مختلف الاحزاب والحلقات ومن مختلف الاجيال من الاربعينات وحتى السبعينات فمن يتأخر عن دعوة الأستاذ ومن يملك هذا القدر من الديمقراطية واعطاء الجميع حقه في عرض أفكاره والاستماع لكل ما يقال بإنصات شديد وتركيز وابتسامة محبة كانت بلسم لكل محبيه وعارفي فضله».
واختتم: «في ذكري رحيل القديس أشعر بالفقد الكبير الذي لا يعوض . فقد كان وبحق أحد أعمدة اليسار المصري.. رحم الله الاستاذ وأعاننا على استكمال السير في نفس الطريق الوعر».
ويقول المحامي الحقوقي أحمد فوزي عن الهلالي: «علمنا قيم أصبحت متلازمة لكل تلامذته نحن ندافع عن حقوق الجميع فى الإنصاف والعدالة وضمان محاكمتهم العادلة أمام قاضيهم الطبيعى وعدم تعريض حياتهم لخطر وعدم إكراهم على الاعتراف، حتى لو اختلفنا عن من ندافع عن حقه، ولو كان رأيه فينا أننا لا نستحق هذا الإنصاف ولن يدافع عنا فى المستقبل، بل و ربما حاكمنا».
وأضاف: «ذكرى رحيل ابن الباشوات الذى تمرد على طبقته وقرر الدفاع عن العمال والفلاحين، من أعطى لنا صك الاحترام كان ورقة قيدنا فى نقابة المحامين وهى تحمل عنوان مكتبه 5 شارع صدقى مرور من الباب الواسع، لن أنسى يوم تسليمى ورق القيد أنت من ولاد الهلالى تبقى راجل محترم لن أنسى وقت حلف اليمين فى مجلس أغلبيته إخوان ويحاول أحد أعضائه الاستظراف والتنطع على زملائه الجدد وسألنى تعرف مين فى من المحامين اللى كانوا فى مجالس النقابات قولتله نبيل الهلالى وقبل ما أكمل سكت وعينه زاغت منى ومعرفش يثبتها فى خلقتى».