فاطمة البطاوي تكتب: التحرش بالسائقات في مصر.. سباب وشتائم ومطارادات تصل إلى الموت
لم تدري رفيدة، وهي تدور بعجلة القيادة وتتنقل بين شوارع مدينة بورسعيد الهادئة، معها طفلها صاحب الأعوام المعدودة، إلى أنها ستتعرض لقطع طريقها من قبل سيارة أجرة، وسائق يرغمها على النزول، ويكيل لها السباب.
رفيدة التي اختارت تعلم قيادة السيارة، واقتناء واحدة خاصة بها، هربا من حوادث التحرش في المواصلات العامة، وظلت تقود سياراتها يوميا لسنوات عديدة، ظنت أنها نجت من حوادث التحرش، ونأت بنفسها بعيدا عنها، وأن تدرجها في الطبقة الاجتماعية وإغلاق زجاج سياراتها يحميها من التحرش.
لكنها صُدمت كثيرًا حينما قام سائق الأجرة بقطع طريقها زاعمًا أنها “كسرت عليه”، فقطع طريقها وقام بسبها بأقذع الألفاظ، وقوله “بإنها لو محترمة مكنتش تسوق عربية بس هي واحدة سايبة وملهاش راجل!”.
خرجت الشابة العشيرينية تروي قصتها على وسائل التواصل الاجتماعي، مرفقة ذلك بصورة محضر ضد السائق عقب تصويرها لأرقام عربته وبدعم من الشهود في الشارع، وقامت بتناقل التجربة على مجموعات بورسعيد، ليرسل لها السائق تهديدات على صفحتها، ثم ما يلبث أن يعتذر بأنه كان “متوترًا” بسبب مرض ابنه، فقرر إخراج توتره وضغوطات الحياة في المرأة التي تقود السيارة!.
وفي وقت واصلت الحكومة اتخاذ خطوات لمنع التحرش الجنسي، وأدخلت التعديلات على قانون العقوبات إلى ترقية التحرش الجنسي إلى جريمة جنائية، وزيادة الحد الأدنى للعقوبات إلى السجن من سنتين إلى 7 سنوات (بعد أن كان من 6 أشهر إلى 5 سنوات)، وزيادة الحد الأدنى للغرامات، وإضافة مادة قد يواجه بسببها مرتكبو الجرائم المتكررة الحكم عليهم بقضاء ضعف مدة السجن، ما زالت النساء في مصر ضحايا للتحرش، وعليهن ابتكار وسائل كثيرة لحماية أنفسهن، ومحاولة تجنب التحرش ومنها اجتناب ركوب المواصلات العامة، وقيادة سيارتهن الخاصة.
لكن الحظ لم يبتسم لتلكم الظنات النجاة، فواجهن نوعا جديدا، وهو “التحرش بالسواقة”، عدته فتيات ونساء في نقاط، تمثلت في “أكيد اللي سايقة واحدة ست”، و”تضييق بالسيارة”، و”تحرش لفظي”، و”سب وشتائم”، و”إلحاح من الباعة الجائلين”.
واختارات العديد من النساء مواقع التواصل الاجتماعي لبث تجاربهن، وما يتعرضن له من مضايقات وملاحقات أثناء القيادة، مؤكدين تعرضهن للتمييز لكونهن نساء، حتى أن إحداهن قالت بأسى “بحس إن أي حد متضايق من أي ظرف من حياته ما بيصدق يشوف ست بتسوق علشان يطلع فيها كل همه”.
وخرجت في مصر العديد من المبادرات لحماية المرأة في المواصلات العامة مثل مبادرة “تاكسي بينك”، ومبادرات تمكن المرأة من الركوب في مواصلة تقودها امرأة مثلها.. لكن من يحمي المرأة السائقة؟.
ويتم تعريف التحرش بأنه مُضايقة، أو فعل غير مرحب به من النوع النفسي أو الجنسي أو اللفظي أو الجسدي، ويتضمن مجموعة من الأفعال من الانتهاكات البسيطة إلى المضايقات الجادة، التي من الممكن أن تتضمن التلفظ بتلميحات مسيئة من منطلقات عدة.
والتحرش يعتبر شكل من أشكال التفرقة العنصرية، والتمييز غير الشرعية بحق الأفراد، وقد يتجلى كشكل من أشكال الإيذاء الجسدي أو الجنسي أو النفسي والاستئساد على الغير.
مطاردة حد الموت
ورصدت دراسات عديدة، أن لذة التحرش لدى الشخص المتحرش تكمن في كسر المرأة والتلذذ بحالة الهلع التي تصيبها، لذا فالمرأة التي تقود السيارة ليست في منأى عن محاولات “الكسر” المتعددة، التي تبدأ بمعاكسات بألفاظ “سكسي موت” لدعوات من شباك السيارة لها، والأمر الذي يرقى إلى مطارادات حد الموت لمجرد “الغيظ” من كونها امرأة تمتلك سيارة.
روت لنا إحدي القريبات الناجية من حادث توفيت فيه صديقتها التي كانت تقود السيارة، أن سائق سيارة أجرة ظل يطاردهما، الأمر الذي أصابها بالهلع والقيادة بتوتر، حتى انقلبت السيارة بهما، لتتوفى سائقة السيارة، وتنجو الأخرى بكم من الآلام النفسية.
وتبعا للإحصائيات، فإن عدد النساء التي حصلن على رخصة القيادة وصل إلى أكثر من 10 ملايين سيدة مصرية، ولكن يظل الإنكار المجتمعي قائما، ومحاولة التشكيك في صلاحية المرأة لقيادة السيارة و”الكسر عليها”، وإصدار أحكام مسبقة بخطئها لأنها “واحدة ست”، تماما كتبرير التحرش بها لأنها “غير محجبة أو هي اللي سمحت بكده”.
بين المرأة السعودية والمصرية
منذ 26 سبتمبر 2017، حين أصدر العاهل السعودي قرارا بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، وهي تُطارد ويتم حرق سياراتها في بعض الأماكن، لأن المجتمع السعودي لا يزال يعتقد بـ”حرمانية قيادة المرأة للسيارة”، فأخذوا على عاتقهم وقف هذا الفعل “الحرام شرعا” من وجهة نظرهم.
ورغم أن مصر سبقت السعودية بـ97 عاما من السماح للمرأة بقيادة السيارة منذ عام 1920، منذ أن حصلت “عباسية أحمد فرغلي” على رخصة قيادة في الوطن العربي، وذلك في 24 يوليو 1920، حيث كتبت باللغة الفرنسية، وتم تسجيل الرخصة برقم 217 من مصلحة الأمن العام لوزارة الداخلية، إلا أن المرأة المصرية لازالت تقف في خندق مقارب مع المرأة السعودية، في الرفض المجتمعي والملاحقات المضايقات.
10m