عيد ميلاده في السجن| عن الصحفي المنحاز للحق حسام مؤنس.. عدو اليأس المتهم بـ”الأمل” (بروفايل)
كتب- محمود هاشم:
“رغم كل مشاعر الإحباط أو القلق أو حتى الغضب لدى بعض القطاعات بالذات فى الأجيال الأكثر حداثة وشبابا، وبالذات المرتبط منها بفعل وقيم ثورة 25 يناير، إلا أن هناك رسائل واقعية مهمة لا يمكن تجاهلها تؤسس للأمل وتستدعى التأمل وتؤسس لفرص الحركة والعمل فى المستقبل”.
هكذا كتب الصحفي الجسور حسام مؤنس في وقت سابق، متحدثا عن الأمل الذي اقترن بالتهمة المحبوس احتياطيا بسببها لأكثر من عامين حتى الآن، بينما يقضي عيد ميلاد جديد له في محبسه، محروما من قلمه وحقه في الحرية.
يمر اليوم، 7 يوليو، عيد ميلاد الصحفي والسياسي البارز حسام مؤنس، الذي أتم في 24 يونيو الماضي، سنتين في الحبس الاحتياطي، لا لشيء سوى معارضته السلمية للسلطة وبحثه عن المسار الديمقراطي للتعبير عن رأيه وخوض الانتخابات البرلمانية.
“تبقى شايف كل أحلامك بتمشى، فوق إيقاع القلب تسكن ع الشفايف، يا اللي انت مجنون أمنيات”، تتذكر الصحفية منى سليم حسام مؤنس كلما طرقت آذانها كلمات الشاعر أمين حداد في الأغنية التي تحمل اسم “مجنون أمنيات”، بعدما كان مؤنس أول من يعرفها بها، لتبقى بالنسبة لها ذكرى تستدعيها كلما تذكرت “أوعى وأنقى الشباب”.
انقضى عامان منذ القبض على مؤنس وآخرين في القضية المعروفة إعلاميًا بقضية الأمل، ورغم المناشدات بسرعة الإفراج عنه وعن جميع المحبوسين على ذمة قضايا إلا أن هذا المطلب لم يتحقق حتى الآن في ظل انتشار وباء كورونا.
“كنا، ومازلنا، وسنبقى ضد الإرهاب، وكنا، ومازلنا، وسنبقى مع حرية الرأي والتعبير السلمي، دونما أي تناقض بينهما في الموقف”، هكذا تحدث حسام مؤنس ليلخص رؤيته لتطورات الأحداث بعد فترة حكم الإخوان، ليؤكد أن جيل يناير لن يستبدل استبدادًا بآخر، وأن المبادئ لا تتغير مع رحيل نظام وقدوم آخر.
لكن المفارقة أن الشاب الجدع يقبع الآن في السجن رهن الحبس الاحتياطي على ذمة قضية الأمل، ومشاركة نفس الجماعة – التي ناضل ضدها- في تحقيق أهدافها، وهكذا صار الصحفي الذي قال في أحد مقالاته إن سلطة مرسى لم تحقق الحد الأدنى من طموح المصريين، ووضعت نفسها فى مواجهة الثورة وإرادة الشعب المصرى، وأعادت إنتاج ذات سياسات الاستبداد والقمع والإفقار والتبعية” شريكا لهم بحسب الاتهامات الرسمية في تحقيق أهداف طالما عارضها بكل قوة ووقف أمامها بالهتاف والمقالات الجريئة.
“منذ يوم 25 يونيو 2019 الدنيا واقفة يا حسام، حياتي ضلمة عشان نور حياتي بعيد عنى، إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، والحاجة الوحيدة الا بتسعدني دلوقتي لما أسمع حد يقول لى يا أم حسام بأحس إنى طايرة وراسى مرفوعة للسما ربنا يجعلك دايما مصدر فخرى واعتزازى وقوتى”، بهذه الكلمات عبرت والدة حسام في رسالة سابقة لـ(درب) عن حزنها لسجن ابنها.
مؤنس، الصحفي الشجاع الذي ولد في 7 يوليو سنة 1982 بميت غمر بمحافظة الداقهلية، وعمل بالصحافة بعد تخرجه من الجامعة، وانخرط في العمل العام مبكرًا وأعلن رفض توريث الحكم لجمال مبارك، وأنضجته تجربة ثورة 25 يناير، وكان عضوا في ائتلاف شباب الثورة بعدها، كان من أوائل الداعين لرحيل الرئيس الأسبق محمد مرسي، ووصف استمرار الإخوان في الحكم بالجريمة، وكتب في “المصري اليوم” قبل شهور من رحيل مرسي مقالا بعنوان: (إسقاط النظام فريضة وطنية): “مبارك قبل خلعه يهدد الشعب المصرى بالفوضى بديلا له، وهو نفس ما يلوح به تقريبا الإخوان المسلمون، لكن كما كان الشعب المصرى مبدعا فى ثورته ومصرا على مطلبه بخلع مبارك، فإنه قادر على أن يعيد تقديم الدرس لمن لم يستوعبوه فى 25 يناير 2011”.
عمل حسام مديرا لحملة الصحفي الكبير والمناضل الناصري حمدين صباحي أثناء ترشحه لرئاسة الجمهورية ومتحدثًا باسم حملة، كما عمل متحدثًا باسم التيار الشعبي وأحد وكلاء مؤسسيه.
في فجر 25 يونيو، ألقت قوات الأمن القبض على حسام مؤنس، من منزله بالقاهرة بعد اقتحام المنزل، وتم اقتياده إلى جهة غير معلومة وظهر بعدها بساعات في نيابة أمن الدولة العليا على ذمة القضية 930 لسنة 2019 والمعروفة إعلاميا باسم “معتقلي الأمل” وصدر قرار بحبسه احتياطيا لمدة 15 يومً على ذمة التحقيق، ومن يومها وهو رهن الحبس الاحتياطي.
حسام مؤنس الصحفي المنحاز دائما للحق، بالرغم من صغر سنه تم القبض عليه هو وزميله هشام فؤاد، لتخسر نقابة الصحفيين نقابيين بالفطرة طالما دافعا عن حرية الصحافة واستقلال النقابة وزملائهما حتى المختلفين معهما فالإيمان بالحرية جزء من تركيبتهما.
تقول والدة حسام: “رغم قسوة ما نحن فيه من سنة ونصف أشهر، إلا أنني فخورة وسعيدة أني أم حسام مؤنس، هذا الشاب الجميل البار بأهله والسند والضهر ومصدر الطبطبة لكل من يعرفه من الأهل والأصدقاء”.
وتضيف: “ثقتى وأملى كبير فى ان الله سبحانه و تعالى سيفرج عنا ما نحن فيه من الهم والكرب ويردك لنا يا نور العين سالم غانم معافى عاجلا وليس آجلا تنور لنا حياتنا والدنيا كلها اللهم استجب يارب العالمين.. أم حسام”.
لم يتأخر حسام مؤنس عن أي قضية تخص النقابة مهتما بإبداء رأيه، كما يقول الصحفي خالد البلشي عضو مجلس نقابة الصحفين السابق عنه: “الإنسان بحق الهادي الرزين، قدرنا أنا وحسام أننا نتشارك كل المواقف الصعبة.. لكن طول عمره الهادي الصادق عمر ما حجته فارقته وعمره ما خذل زميل ولا تخلى عن حد محتاج يدافع عنه”.
جاءت كلمات البلشي بعد القبض عليه، مضيفا: “حسام الصامت ابن الناس اللي كلمته لما تطلع بتبقى دايما هي الحاسمة، رفيق المظاهرات والمنحاز دايما للحق، حسام إللي لما يحضر تبقى مطمن إن فيه عقل هادي هيسندك، واللي عمري ما انتظرته في موقف إلا وكان موجود فيه، واللي دايما مع الحق حتى ولو في الضفة التانية وإللي دايما عنده أمل”.
واستطرد البلشي: “حسام عدو اليأس إللي عمرها ما بتضيق إلا إما بيبقى موجود بفكرة جديدة وبحماس هو نفس حماسه في كل موقف قابلته فيه”. وأكد أن حسام يعلم طريق الحق والعدل ومهما اختلف أحد معه لا يمكن أن يخون، متابعا: ” حسام من الناس إللي ممكن تمشي وراهم وأنت مغمض لإنه عمره ما يبيعك ولا يديلك ضهره، عمره مافقد قدرته على الحلم ومهما اختلفت طرقكم هتلاقيه ساعة الحق والأمل معاك وجنبك وبيشيل شيلتك”.
وواصل: “حكايات جدعنة حسام ومواقفه الواضحة ووقوفه مع الحق تحتاج كتير عشان نلخصها بس يكفيه أن عمره ما اختار نفسه ولا انحاز لمصلحة إلا مصلحة الناس”.
هكذا جاءت تهمته المعلنة لتتناسب مع حلمه، لكن حقيقة التهمه الرسمية فندها مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، في شهادته عما حدث في “تحالف الأمل” قائلا إن التحالف عقد اجتماعاته التمهيدية بهدف بناء ائتلاف سياسي جديد، يضم صوتا برلمانيا ممثلا في تكتل ٢٥-٣٠، وأحزاب الحركة المدنية الديمقراطية ونادى الأحزاب الدستورية والمجموعات الشبابية التي شاركت في الاستفتاء بشعار (لا للتعديلات) بعد طول مقاطعة وقبلت المشاركة في المجال السياسى، رغم كل ميول الاقصائية التي تنكر الحق في التعددية والتنوع على أمل إحداث تغيير سلمى ديمقراطي.
وأكد أن هذه المشاورات جرت على خلفية قناعة مشتركة بأن إغلاق المجال العام وإدارة المجتمع بطريقة الصوت الواحد سوف تفضى لانفجار، لأن طاقات الاحتجاج إن لم تجد متنفسا يجذبها لمسارات سلمية ديمقراطية تفتح أبواب الأمل، لابد أن تبحث لنفسها عن متنفس وفى غياب بدائل ديمقراطية قد تنفجر في وجه الجميع.
وقال الزاهد إن ما يخلق التوازن ليس فتح كل الأبواب للمولاة واصطناع معارضة من الموالين واقصاء أي معارضة حقيقية مهما تلتزم بالدستور والقانون.
وأضاف الزاهد: “بما أنى كنت حاضرا وشاهدا على هذه المشاورات كان زياد العليمى وحسام مؤنس، من أكثر المؤمنين بهذه المبادئ، ولم يكونا أبدا لسان حال لاحد غير صوت الحرية والعدالة والكرامة ومبدأ الدولة المدنية الديمقراطية التي لا تقبل الاستبداد في مظهر سواء كان سياسيا أو دينيا”.
وأعاد حمدين صباحي، مرشح الرئاسة الأسبق، نشر شهادة الزاهد، وأكد أنه “شارك في الاجتماعات ويشهد أنها شهادة حق”، وطالب بالإفراج عن حسام ورفاقه.
“بتماسككم وقوتكم تجددون الثقة واليقين لدى كثير من المحبطين، الغصة فى الحلق من تقصيرنا وعجزنا تجاهكم، لكنكم تعلمون دون شك أن ضمائرنا تهفو إليكم، وتثقون بأننا نؤمن بأن حريتكم هى تحرير الوطن”، كتب حسام هذه الكلمات لرفقائه المحبوسين قبل أن يلحق بهم، وهي تصلح الآن على أن تكون رسالة موجهة له ولكل القابضين معه على جمر المبادئ، وحلم العدالة والكرامة، والحلم بمستقبل أفضل لنا.
ويقضي حسام مؤنس، فترة الحبس الاحتياطي على ذمة القضية رقم 930 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، منذ إلقاء القبض عليه من منزله فجر 25 يونيو 2019.
ويواجه جميع المتهمين في القضية اتهامات ببث ونشر أخبار وبيانات كاذبة، إساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم والترويج لأغراضها.
وصباحي، أحيا ذكرى عيد ميلاد الزميل الصحفي حسام مؤنس المحبوس على ذمة قضية الأمل التي تضم صحفيين وسياسيين ومحامين، بنشر قصائد عبر حسابه على «فيسبوك» تتطرق إلى الوطن والسجن والأمل في فجر جديد.
ونشر صباحي قصيدة محمود درويش «آخر الليل» للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، التي كتبها في العام 1967، ويقول فيها: «وطني يعلمني حديدُ سلاسلي.. عنفَ النسورِ، ورقةَ المتفائلِ.. ما كنتُ أعرف أن تحت جلودنا، ميلاد عاصفةٍ ..وعرس جداولِ.. سدوا عليّ النورَ في زنزانةٍ، فتوهجت في القلب شمسُ مشاعلي»
أيضا أهدى صباحي لمؤنس الذي يقضي عيد ميلاده الثالث في الحبس قصيدة «ضحكة المساجين» للشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي، والتي كتبها «الخال» في أكتوبر 2011يقول فيها: «طوبَى لكل المسجونين باطل، فى زمن بيخدعنا وبيماطل.. يا شموس بتبرُق فى غُرَف عِتْمين».
كما طالبت 26 منظمة حقوقية مصرية وعربية ودولية، في بيان سابق، بالإفراج الفوري عن مؤنس وزميله الصحفي هشام فؤاد، المحتجزين دون محاكمة منذ 25 يونيو 2019.
وأدانت المنظمات الحقوقية الموقعة على البيان والتي جاء من بينها اللجنة الدولية لحماية الصحفيين والمادة 19 والاتحاد الدولي للصحفيين ومركز القاهرة ومنظمة حرية الفكر والتعبير استمرار اعتقال فؤاد ومؤنس ، لأكثر من عامين دون محاكمة، ودعت السلطات المصرية إلى الإفراج عنهما على الفور.
وشددت المنظمات، على أن فؤاد ومؤنس وآخرين يواجهون اتهامات لا أساس لها. وتابعت أن هذه ممارسة شائعة في ظل النظام الحالي ، الذي استهدف بانتظام المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين والصحفيين الناقدين من مختلف الانتماءات باتهامات ثابتة، ومكررة، أبرزها المشاركة في جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف إثارة الفتنة وإسقاط النظام.
“لا أخاف عليك فقط من استمرار هذه الظروف الصعبة، فهي ستمر، ولكن مما قد ينال من روحك بعدها، أخاف على هذه الروح الطيبة القوية من اليأس، بهذه الكلمات وجهت الزميلة منى سليم رسالتها لحسام مؤنس”.
وتضيف: “ستخرج عما قريب وتطمئن روحك وتنفض عنها ـ آجلاً أم عاجلاً ـ الوحدة والحسرة والحيرة والقلق، وتهتدي روحك داخل جسدك للشروق المتأنق من جديد، عندها تهل عليناً في صورةٍ أجمل وأبهى وأقوى، وتبقى لأسرتك وأحبائك ولنا نحن أصدقائك ولكل من في هذه البلد ـ كما إسمك ـ سيفاً وونساً للأبد”.
يومًا سيخرج حسام مؤنس وكل رفقائه من السجون، وسينتصر جيل يناير ولو طال الزمن، بعدما يتحقق حلمهم في العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا.