عن السجن والمراقبة و10 سنوات فارقة.. أهداف سويف توجه رسالة لـ علاء عبد الفتاح في ذكرى ميلادة الـ39: وحشتنا قوي (نص كامل)

أهداف لابن شقيقتها: تقريبا يا علاء معظم الناس اللي تعرفهم من جيلك يا في السجن يا برة البلد

عمرك ما كنت عايز تبقى (أيقونة) وقاومت رمزيتك.. كل سنة وأنت أب وإبن وأخ وصديق وإنسان جميل وعجيب ومحبوب

عبد الرحمن بدر

نشرت الكاتبة أهداف سويف رسالة وجهتها إلى الناشط السياسي المعتقل علاء عبد الفتاح، بمناسبة عيد ميلاده الـ39 الذي يقضيه بالسجن للعام السابع على التوالي.  

وخاطبت أهداف علاء ابن شقيقتها قائلة: “يا حبيبي يا علاء ياللي عمرك ما كنت عايز تبقى (أيقونة). ياللي قاومت رمزيتك وحاولت تتمسك بالخفة – خفة الطائر مش خفة الريشة (كما قال الكاتب)، وأُجبرت عليها فحملتها بقلب متوجس ومُحِبّ ومسؤول. لا زالت تحاصرك، لا تملك أن تدفعها عنك، بس بتدفع ثمنها كل يوم”.

يذكر أنه يقضي علاء فترة الحبس الاحتياطي منذ اعتقاله في 28 سبتمبر 2019 بعد قضاء فترة المراقبة الشرطية المفروضة عليه، حيث ظهر في اليوم التالي لاعتقاله في نيابة أمن الدولة العليا.

ويواجه علاء في القضية رقم 1356 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، اتهامات ببث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، إساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها.

وكان علاء قضى فترة السجن 5 سنوات في الفترة من 2013 وحتى نهاية 2018، على خلفية حكم حبسه في القضية المعروفة إعلاميا باسم (أحداث مجلس الشورى).

وإلى نص رسالة أهداف سويف التي وجهتها إلى علاء عبد الفتاح:

صباح الخير يا علاء، وكل سنة وانت طيب عيد ميلادك.

قعدت بالليل متحيرة، أحط أنهي صورة لك؟ ماينفعش البوست ينزل حاف كده منغير صورة، بس كل صورة بتِظهِر جانب منك، وانت جوانبك كتير.

باحب صورتك التايهة لما كسرولك النضارة في أول مظاهرة نزلتها،

وصورتك على التورتة اللي اتلمينا حواليها في التحرير زي النهاردة من ٩ سنين، بنغنيلك وانت في السجن على ذمة (ماسبيرو)، وليلى ماأكلتش من التورتة لأنها كانت مضربة عن الطعام عشانك وعشان الواحد وتلاتين شاب المحبوسين معاك، وخالد كان مستني يتولد.

وباحب بعض البوسترات اللي اتعملت لك. الأحمر اللي عامل زي راسبوتين ده، وغيره. بس بتبعدك. فورمة البوستر بتكرس (الأيقونة).

يا حبيبي يا علاء ياللي عمرك ما كنت عايز تبقى (أيقونة). ياللي قاومت رمزيتك وحاولت تتمسك بالخفة – خفة الطائر مش خفة الريشة (كما قال الكاتب)، وأُجبرت عليها فحملتها بقلب متوجس ومُحِبّ ومسؤول. لا زالت تحاصرك، لا تملك أن تدفعها عنك، بس بتدفع ثمنها كل يوم.

أحداث يا علاء، أحداث. أحمد سيف يتوفى، وصورك في المدفن اللي أصبحت من الكلاسيكيات. جدك يتوفى، وآخر صور لكم مع بعض، في مناقشة جادة في الصالون بتاعه واحنا حواليكم لابسين إسود حداد على سيف. وسناء يا علاء، سناء أختك الصغيرة تدخل السجن وتطلع، وتدخل السجن تاني وتطلع، وتدخل تالت ولسه ماطلعتش.

هو تقريبا يا علاء معظم الناس اللي تعرفهم من جيلك يا في السجن يا برة البلد. انتو، أطفال النسور الصغيرة، والمغامرات في عربية سيف، ومعسكرات التكنولوجيا، وبعدين الأبوة والأمومة الشابة.

أنا ماليش حق اتكلم أو أنَظَّر عن السجن، ماحدش له الحق إلا أهل الخبرة، لكن العالم الموازي المحبوس ده عالم له وزنه قوي، وبالتالي، وبالذات في حالة الركود متعدد الأسباب اللي إحنا متثبتين فيها دي، ساعات بيبدو لي إن الوجود في السجن هو نفسه فعل.

مش باستسهل، ومش باقول “انتو اللي أحرار” والكلام البليغ ده، بس باقول إن فيه طاقة ناتجة عن حبستكم، وعن درجة الظلم وانعدام المنطق اللي فيها، والطاقة دي بتتعاظم وبتنتشر مع استمرار الحبس والتوسع فيه. بس.

ثلاث لحظات يا علاء، من الـ٦ شهور اللي قضيتهم معانا من مارس لسبتمبر السنة اللي فاتت، بيتزاحموا عليا لما باحاول اتكلم عنك.

١. لما سألتك – بعد ما طلعت من السجن بحاجة بسيطة – إزاى قادر تتعامل بالكرم والسماحة دي مع ناس – ناس من دوايرنا القريبة – أساؤوا لك إساءة بالغة قبل ما تطلع، وكانوا متوجسين من خروجك. سألتك “جبت منين الـzen ده كله؟” قلت لي انك كنت خارج غضبان جداً، وبعدين – وخلال ساعات تقريباً – حسيت إن “مش معقول ابقى اتحبست خمس سنين، واخرج من الحبسة أبقى مصدر رُعب لناس كانت قريبه مني”. أنت خرجت من الحبس، ودعيت الغضب يخرج هو كمان، ودعيت الحرية الجديدة تهاديك بحاجات جديدة.

٢. يوم ما كنت باوصّلك قسم الدقي – كان دايماً حد فينا بيوصلك، نسلمك لهم الساعة ٦ كل يوم ويمضوا على الاستلام – وجت شابة عربية، مش مصدقة نفسها إنها شايفة علاء عبد الفتاح، وفضلت تقول لك كلام كبير وأنت مبتسم بأدب ولطف ومش عارف تبص فين. عارفة إنك حيي عفيف، لكن كل مرة بيظهر عليك الحياء بوضوح كده بيفاجئني ويمس قلبي. ده أنت تقريباً كان دخول بوابة القسم بالنسبة لك مهرب من الاستماع إلى سيل الإطراء 🙂

(الصورة اللي نقيتها هنا بتقول كده بالظبط: أنا أهه، واقف وبابتسم. كفاية بقى؟)

٣. يوم السبت ٢٧ سبتمبر لما كان جزء كبير من العيلة، وكل شبابها، متجمع عندي، والدنيا دافية والكلام مابيقفش، ووصلنا (طبعا) لسؤال “طيب هو إيه المُتاح؟ كل واحد يقدر يعمل إيه دلوقتي (للصالح العام)؟” وكان فيه حيرة عامة، وانت رحت تاخد دش وتغيَّر هدومك وتعمل طقوس العودة إلى الحبس في قسم الدقي، ورجعت لنا راكضاً – بجد – عشان تعلن إن إحنا كلنا دلوقتي مفروض نشتغل على نفسنا عشان كل واحد يبقى مرتاح مع نفسه ومع مواقفه وبعدين يفهم اللي حواليه عشان أساسي إن الكل يعرف يتعامل مع بعض ويشتغل مع بعض و، و، و …

وراحوا جزء من الشباب وصلوك القسم وليلى كانت قلقانة فراحت تستلمك الصبح الساعة ٦ قالولها مانعرفش هو فين. وابتدت اللفة الجديدة.

بقى عندك ٣٩ سنة يا غالي؟

هنكمل أهه العشر سنين من يوم ما وصلت من جنوب أفريقيا على الميدان ووشك منَوَّر ومشمَّر كمامك وجاهز للشغل. ماضاعوش يا علاء. هيفرقوا كتير في حياتك اللي جايه ان شاء الله. كل سنة وانت طيب، وكل سنة وانت أب وإبن وأخ وصديق وإنسان جميل وعجيب ومحبوب. وحشتنا قوي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *