عمر عسر يكتب: “كليوباترا” تفضح الجمهورية الجديدة
سيل من الدعايات ينهال على رؤوس المصريين حول بناء الجمهورية الجديدة، هذا السيل لا يكشف تفاصيل هذه الجمهورية أو الفروق التي تميزها عن سابقاتها كما أن من يحركونه لا يعبؤون بتوضيح فكرة الجمهورية ذاتها سواء أكانت جديدة أو قديمة. كل المطلوب من المواطنين هو الابتهاج بالوعد وانتظار تحققه والصبر على التضحيات المطلوبة للانطلاق نحو الجمهورية الموعودة.
مظاهر الجمهورية الجديدة تتلخص في “عاصمة إدارية” كثرت الانتقادات الموجهة إلى حجم استثمارتها من المتخصصين والمتابعين، وكان رد رأس السلطة أن هذه الاستثمارات لم تمس الميزانية العامة للدولة، وأن فلسفة المشروع تتلخص في أن مصر حولت “التراب إلى ذهب” بأن باعت أرضا خالية بمئات الملايين، هذا الرد يأخذك من السياسة إلى علوم الخيمياء المندثرة وتعاويذ تحويل الرصاص أو (التراب في حالتنا) إلى ذهب.
ومن مظاهر الجمهورية الموعودة حديث متصل عن “الرقمنة” ورفع كفاءة الأداء الحكومي واستيراد أحدث آليات وبرامج الإدارة من الدول التي سبقتنا (وما أكثرها)، وبالطبع لا يخفى على من يتعاملون مع الجهات الحكومية أن هذه الأقاويل مجرد “كلام للاستهلاك اللحظي” لا يسنده واقع ولا يدعمه دليل، وشاركت الملكة البطلمية “كليوباترا” في إثبات زيف هذه الدعايات.
“كليوباترا” هو الاسم التجاري لأشهر سيجارة شعبية مصرية. صار العثور عليها وشراؤها حدثا يستحق التعب. السعر الرسمي المسجل على علبة “كليوباترا” 22 جنيها والسعر الذي فرضه التجار هو 45 جنيها بزيادة تقارب 105% من السعر الرسمي، ولم يقتصر ارتفاع الأسعار على “كليوباترا” وحدها فبقية الأصناف تبعتها في الزيادة.
لم يخجل مرددو دعايات الجمهورية الجديدة من هذا الانفلات في السوق وما تزال “حواراتهم” تملأ هواء الفضائيات ومقالاتهم (التي لا يقرأها أحد) تغرق الفضاء الألكتروني رغم أن المدخنين منهم يشترون السجائر بأسعار خارج رقابة السلطة التي يزعمون أنها تبني جمهورية جديدة. وبعيدا عن التدخل في “مشاعرهم الداخلية” والسؤال عن حمرة الخجل يحق لنا أن نسألهم عن توقعاتهم بشأن تصديق الناس لهم.
اشتكى رأس السلطة في أحد لقاءاته من عدم تصديق الناس لما “يتحقق من إنجازات” وتكذيبهم للتصريحات الحكومية، ولعل انفلات أسعار السجائر وتقاعس السلطات عن دورها الرقابي يحمل إجابة للأسئلة من هذا النوع. المواطن الذي يطارده الغلاء في يقظته وكوابيسه (الأحلام كما يقول علم النفس انعكاس أو استعادة للواقع) قد يقتنع بأن الظروف الدولية أثرت على الأسعار في مصر تحديدا بأكثر مما أثرت عليها في بقية دول العالم، لكن ما مبرر صمت السلطات عن رفع جنوني لأسعار سلعة هي التي حددتها كيف يمكنه تبرير هذا؟
نعتز جدا (على مستوى الهتاف والتفاخر الفارغ) بتاريخنا وها هي الملكة كليوباترا تفضح عجزنا عن ضبط حاضرنا وتكشف أننا لسنا على قدر مسؤولية تشكيل مستقبلنا، وأكثر ما أخشاه أن يوجه الاتهام للملكة الراحلة (توفيت قبل 2053 عاما) بإشاعة الإحباط أو بث شائعات كاذبة.