عمر خضر يكتب: طاقة نظيفة ولكن
أعلنت شركة ايني الايطالية في الخامس عشر من كانون الثاني الجاري، عن اكتشافها لبئر نرجس واحد، بالمياه الاقليمية التابعة للسيادة المصرية. (1)
ربما يمر مثل هذا الخبر مرور الكرام على مسامعنا، إلا أن عودة بالذاكرة لعشرين سنة مضت، قد تستدعي الصورة المتشائمة آن ذاك في شتى وسائل الإعلام عن اقتراب ميعاد نضوب البترول، واحتمالية أن يعود العالم إلى عهد ما قبل الثورة الصناعية بحلول العقد الثالث من القرن الحالي في بعض الروايات أو العقد السادس في روايات أخرى. (2)
وبينما كان نضوب النفط هو الدافع الرئيسي للبحث عن مصادر أخرى للطاقة، حل التغير المناخي كدافع بديل، تضج به وسائل الإعلام حتى عرفه القاصي والداني.
وبين نشطاء البيئة المتحمسين المتظاهرين أمام شركات البترول العملاقة متهمينهم بتوظيف لوبيات لدعم مواقفهم في أروقة السياسة)3)، مرورا بالتكنوقراط الباحثين عن حلول حقيقية لمعضلة التغير المناخي ومصادر الطاقة، وصولا إلى المتشككين أو غير الآبهين بالمناخ، يبدو أن الفريق الأول هو من بات يملك زمام الأمور.
وفي حين أصبح المجتمع العالمي بأسره، سواء من مواطني دول الشمال أو الجنوب، في معضلة حقيقية، تطورت مسألة التغير المناخي حتى أصبحت ضمن أجندة الصوابية السياسية، فلم يعد من الممكن مناقشتها بشكل عقلاني، تماما كغيرها من المسائل التي تفرضها الأجندة النيوليبرالية على العالم بأسره كمسألة تحرر السوق أو المثليين أو غيرهم.
وفي هذا الجو المشحون، لا عجب أن تبقى بعض النقاط المنطقية دون معالجة حقيقية، منها على سبيل المثال لا الحصر:
• فقراء المناخ:
في نوفمبر الماضي، استطاعت مصر، بحسب رويترز، أن تؤمن ما مقداره عشرة مليارات دولار على هيئة قروض لتمويل مشاريع التحول الأخضر. (4)
وسواء كانت تلك القروض ميسرة أم بفوائد معتبرة، إلا أن العجيب أن تقدم دولة ستين بالمئة من سكانها على حافة أو تحت خط الفقر(5)، للسعي لإنتاج طاقة خضراء بتكلفة مضاعفة لنفس كمية الطاقة التي يمكن تأمينها من الوقود الأحفوري.
والسؤال هنا لا بد من طرحه لأن تلك المشروعات هي حكومية بالأساس، أي أن القائم عليها ومنفذيها هم ممثلي هذا الشعب الجائع. هل إذا دعي الستين بالمئة الجوعى للاختيار بين طاقة نظيفة غير ملوثة لكن مكلفة وبين أخرى ملوثة لكن رخيصة، سيختارون الأولى على حساب طعام أو كسوة أطفالهم؟
وفي العقد الأخير قام بنك الاستثمار الأوروبي باقراض حول الخمسة ونصف مليار يورو لعدد من الدول الإفريقية بغرض إقامة مشاريع طاقة متجددة كالخلايا الشمسية، منها على سبيل المثال موريتانيا الذي يعد ثمان وخمسون بالمئة من سكانها تحت خط الفقر فعليا.(6) (7)
منظمة كيفا الخيرية ـ تفتخر على موقعها بتأمين قرض لسيدة يمنية لتركيب خلايا شمسية لإضاءة منزلها، والجدير بالذكر أن اليمن بلد تشهد مجاعة حاليا، فهل تم تخيير السيدة بين قرضا باهظا للخلايا الشمسية وآخر بسيط لمولد كهربائي يعمل بالديزل؟(8) (9)
على عكس ذلك لا تقوم حكومات دول الشمال بتنفيذ مشروعات تخص الطاقة المتجددة بنفسها، بل تسعى لذلك غالبا عبر السوق الخاص الذي يتولى مهمة الإنتاج في معظم تلك الدول. وبالتالي لا ينفق المواطن هناك من جيبه على التحول الطاقي بشكل مباشر، على عكس ما يفعل الفقراء!
ما يمكن استنتاجه من هذا كله، أن النظام المالي العالمي ماض في التحول المناخي، غير آبه بالظروف المختلفة لدول العالم، فيبدو أن دول الجنوب الفقيرة، ستعمل على توليد كهرباء لا يستطيع مواطنيها أنفسهم الاستفادة بها نظرا لارتفاع سعرها، فتقوم النظم الأوليجاركية الحاكمة بتصدير هذه الطاقة الفائضة لدول الشمال الغنية.
• خدعة التطور:
ليس سرّا أن أحد أكثر المتأثرين سواء بنضوب البترول أو استبداله بمصادر للطاقة المتجددة، هي دول الخليج التي تعتمد ميزانياتها بشكل أساسيّ على النفط. بالتالي من المنطقي أن تكون هذه الدول في مقدمة الباحثين عن حل حقيقي للمعضلة، سواء عبر تنويع مصادر دخلها وهو ما شرعت فيه بالفعل لكن دون جدوى حقيقية حتى الآن على الأقل، أو عبر تأمين مصادر طاقة أخرى لتظل متربعة على عرش مصادر الطاقة بالعالم.
هذا وقد شرعت المملكة العربية السعودية بإنشاء مصنع للهيدروجين الأخضر بتكلفة تصل إلى خمسة مليارات دولار حسب بلومبرج. (10)
عمان أيضا أعلنت عن نيتها في إنشاء مصنع لإنتاج مليون وربع المليون طن هيدروجين أخضر بالسنة بحلول عام 2030. (11)
جدير بالذكر، أن الحديث عن الهيدروجين الأخضر حديث نسبيا، ففي البداية كان الحماس موجه ناحية الطاقة الشمسية، ثم جاءت طاقة الرياح، تلتها طاقة الوقود الحيوي المستخرج من النباتات، وأخيرا جاء الهيدروجين.
يذكر أيضا، أن دول الخليج رغم امتلاكها أكبر شركات إنتاج البترول بالعالم، كشركة أرامكو التي تمتلك أكبر قيمة سوقية لشركة بالعالم(12)، لا تمتلك بنية جيدة للأبحاث والتطوير، ولا تستطيع أن تستمر في إنتاج الوقود الأحفوري العادي بدون التكنولوجيا الغربية. بل لم تقم بابتكارات تذكر كغيرها من الشركات الغربية كشل واكسكسون موبيل وغيرهم. ومثلها في ذلك كبقية دول الشرق الأوسط الحديثة نسبيا التي لا تمتلك بنية تعليمية جيدة من الأساس.
إذا كانت تلك الدول تخشى نضوب النفط وما يتبعه من انخفاض ميزانيتها، فكيف يكون إنتاجها لطاقة مكلفة هو الحل؟ من ناحية أخرى، ما الذي يضمن لتلك الدول، ألا يظهر حلا آخر يستبدل الهيدروجين كما حدث مع الخلايا الشمسية؟ وماذا سيحدث حينها لتلك الاستثمارات باهظة الكلفة؟
ما نراه بوضوح هو ذعر تلك الدول من أن يفوتها قطار التطور ومعها كل الحق في ذلك، لكن المسارعة في تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة باستثمارات حكومية بالأساس، هو مراهنة على بقاء تلك التكنولوجيا التي لم يحسم المجتمع العلمي رأيه بشأنها بعد. وربما كان الأفضل أن تركز دول الخليج طاقاتها وأموالها على تطوير البنية التعليمية ومراكز الأبحاث حتى تستطيع المشاركة بنفسها في عملية التحول من الوقود الأحفوري للمتجدد.
• تخريب الأسواق:
ناقشت العديد من الأعمال التليفزيونية والسينمائية، جريمة تجارة الأعضاء، إذ غالبا ما تظهر على أنها أحد أكثر التجارات المربحة في العالم إلا أنها ترتبط بشكل وثيق بعالم الجريمة، فتظهر مؤسسة يعمل بها أطباء أشرار تقوم بخطف الضحايا وبيع أعضائهم لزبائن أغنياء.
وسواء كانت هذه التجارة حقيقية أم من وقع خيال المؤلفين، إلا أن المنطقي أنها جريمة، وموقف الحكومة لمنع هذه الجريمة هو ببساطة تجريمها ووضع قوانين تعاقب من يعمل عليها.
وهذا هو الدور الحكومي المفترض، فالحكومة يقتصر دورها، في النظرية النيوليبرالية التي تتبعها دول الشمال على الأقل، على تنظيم السوق. فإذا كان استخدام الوقود الأحفوري، وما يترتب عليه من انبعاثات كربونية يضر بالبيئة والمناخ بشكل عام وبالتالي بالدولة نفسها، فيجب على الحكومة أن تقوم ببساطة بتجريم هذه الصناعة، ليس بمعنى القبض على أصحاب المصانع والعمال والزج بهم في السجن، ولكن على هيئة غرامات مالية تدفعها الشركات بحسب الانبعاثات الكربونية الناتجة من مصانعها.
اتباع مثل هذا النهج، يدفع بأصحاب رؤوس الأموال إلى البحث عن استثمارات أخرى تجنبهم تلك الغرامات التي تأكل أرباحهم السنوية وعوائد أسهمهم، هكذا يجب أن تعمل الحكومات كي تضمن التحول الأخضر، على تعبير النشطاء.
لكن المتأمل في الواقع الحالي، يجد أن حكومات أعتى الدول الرأسمالية كأميريكا وأنجلترا وغيرهما، يفاخرون على صفحاتهم الرسمية بدعمهم المباشر عبر قروض ميسرة للمستثمرين بالطاقة المتجددة، واستثمارات مباشرة أحيانا في مراكز البحث والتطوير لنفس الغرض. (13) (14)
قررت هذه الدول ببساطة أن الاعتماد على آليات السوق غير مجدي بما فيه الكفاية للوصول إلى حل حقيقي فيما يتعلق بالطاقة المتجددة. ونسيت عقودا من الإيمان أن السوق الحرة هي الدافع الرئيسي للابتكارات، أما تدخل الحكومة بأموالها الخاصة، لن يؤدي سوى إلى تخريب السوق.
كان من الأحرى أن تفرض الحكومات غرامات منطقية على الانبعاثات الكربونية وتكتفي بهذا، وتثق بمبدأ السوق الحرة التي ستدفع بشركات الوقود الأحفوري نفسها لتجد مصادر أخرى للطاقة، أو تقلل من الانبعاثات الكربونية على الأقل، فضلا عن الشركات الناشئة التي ستعمل بجد لخدمة الشركات الأحفورية العملاقة بتقديم حل بديل ينقذها من الغرامات الحكومية التي تأكل عوائد أسهم أصحابها.
الحديث عن الطاقة المتجددة من ناحية تقنية ربما لا ينتهي لأن الإجابة لم تظهر بعد، لكن يكفي القول أن العائق الأساسي الذي ربما كبح جماح الخلايا الشمسية والرياح هو عدم وصول العالم بعد إلى بطاريات تستطيع الحفاظ على الطاقة الكهربائية المخزنة بداخلها بكفاءة لمدة طويلة نسبيا، ثم جاء الهيدروجين لتولي تلك المهمة، لكن تحويل الطاقة من شكل لآخر لعدة مرات كما في حالة الهيدروجين يؤدي حتما إلى ضياع ما يجاوز ضعف هذه الطاقة المنتجة.
فتطور الأمر من مجرد طاقة شمسية مكلفة إلى طاقة شمسية مكلفة يضيع نصفها في إنتاج الهيدروجين بشكل مكلف ليتم ضغطه بشكل مكلف لوضعه في خزانات مكلفة.
كمواطن دولة جنوبية فقيرة، لا يفوتني سؤال يأخذني كل ما كتبته إليه:
هل كفرت دول الشمال بمبدأ السوق الحرة وراحت ترقص فوق قبر ميلتون فريدمان؟ أم أنها في الحقيقة تسعى ببساطة لبيع تكنولوجيا جديدة وتحقيق أرباح على حساب من لا يعلمون أنهم لا يعلمون؟
المصادر:
(1): https://www.masrawy.com/news/news_economy/details/2023/1/15/2355674/%D8%A5%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D8%AA%D8%A4%D9%83%D8%AF-%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D8%A8%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9-%D9%86%D8%B1%D8%AC%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D8%B4
(2):
https://www.bbc.com/arabic/scienceandtech/2013/07/130715_oil_peak_iea_us
(3):
https://www.nytimes.com/2022/08/10/climate/climate-protesters-paid-activists.html
(4):
https://www.reuters.com/business/cop/cop27-host-egypt-aims-share-climate-finance-model-2022-11-18/
(5):
https://www.worldbank.org/en/news/press-release/2019/04/30/world-bank-group-to-extend-current-strategy-in-egypt-to-maintain-momentum-on-reforms#:~:text=Some%2060%20percent%20of%20Egypt’s,as%20reported%20in%20the%20CPF.
(6):
https://www.futurenetzero.com/2022/06/24/mauritania-and-eu-bank-to-scale-up-renewables-and-hydrogen-investments/
(7):
https://www.macrotrends.net/countries/MRT/mauritania/poverty-rate
(8):
https://www.kiva.org/blog/clean-energy-provides-relief-and-hope-in-yemen
(9):
https://www.wfp.org/emergencies/yemen-emergency
(10):
https://www.bloomberg.com/news/articles/2022-03-17/saudi-arabia-to-start-building-green-hydrogen-plant-in-neom?leadSource=uverify%20wall
(11):
https://atalayar.com/en/content/oman-plans-produce-one-million-tonnes-green-hydrogen-year-2030
(12):
https://www.cnbc.com/2022/05/11/saudi-aramco-surpasses-apple-as-the-worlds-most-valuable-company.html#:~:text=Oil%20giant%20Saudi%20Aramco%20is%20now%20the%20world’s%20most%20valuable%20company.
)13):
https://www.whitehouse.gov/omb/briefing-room/2022/03/28/president-bidens-fy-2023-budget-reduces-energy-costs-combats-the-climate-crisis-and-advances-environmental-justice/#:~:text=The%20Budget%20invests%20over%20%2415,technologies%3B%20accelerating%20the%20deployment%20of
(14):
https://www.gov.uk/government/news/renewable-energy-innovation-boosted-by-37-million-government-funding-across-the-uk
40m