عصام رجب يكتب: رحلة بلا عنوان – (قصة قصيرة)
لم تكن المسافة بعيدة بين منزل سالم وموقف سيارات الأجرة, وقد بسط جسده النحيل مترجلا فى طريقه، وهو يحمل حقيبته الصغيرة (هاند باج) تتدل على كتفه الايمن, وبدا محملا على كاهله وزنا كبيرا وإن كان غير ملموس, حيث بدت فى مخيلته, متنقلا بين الأماكن والأزمنة, وكأنها تتبعثر امامه على الطرقات غير عابىء لكل مايجرى حوله من حركة سيارات وبعض المارة الذين يعبرون الطريق لأنه بدا واعيا لكل شىء أمامه وكأنه مبرمج على السير مزدوجا ما بين الواقع ومخيلته.
وما ان وصل لموقف سيارات الأجرة اخذ يحدق فيما بينها حتى وجد السيارة الاجرة التى تستقبل الركاب ولكنها امتلأت وينقصها فردا واحدا, وسرعان ما اتجه نحو السيارة وأخذ يحاول ان يستقلها, ولكنه ظل يسعى جاهدا فالمكان المتبقى لايكفى لعود قصب, وسرعان ما شعر بيدين غليظتين تدفعانه من الخلف لتساعده على الانزلاق داخلها وكأنه فى حالة ولادة متعثرة, واسترق نظره السيدة البدينة التى لا تستطيع ان تتحرك بسبب بدانتها المفرطة والتى حالت دون دخوله الى السيارة بسهولة, واستمرت اليدان الغليظتان تدفعانه للوصول الى المقعد الفارغ بين السيدة البدينة والرجل العجوز الذى ظل شاردا ويتمتم بكلمات غير مفهومة, ولا يكترث لعملية الانزلاق المستعصية التى يقوم بها سالم, مع صوت غليظ بدا متعجلا, وادرك انه صاحب اليدين الغليظتين وهو يصيح : هيلا هوب .. ( وتكاد اصابعه تخترق جسد سالم من شدة دفعه ) .
وما ان استقر بين السيدة البدينة والرجل العجوز حتى نظرت اليه السيدة بضيق وقد حركت حاجبيها لأعلى بغيظ, وما ان التفت الى الرجل العجوز حتى نظر اليه نظرة خاطفة بهدوء ولامبالاة وهو يتمتم بكلمات مبهمة .
ألقى السائق بجسده على مقعد القيادة وهو يدندن قليلا بصوته الأجش ويقبض بيديه الغليظتين على مقبض القيادة, وبمجرد ان تحركت السيارة عاود سالم شريط الذكريات والأحداث الأخيرة فى حياته والخلاف الكبير الذى وقع بينه وبين إبن عمه على الارث , ومحاولات ابن عمه لشراء ارضه بأى طريقة وانه يريد ان يلتهم كل الإرث بمفرده فى بداية الأمر , وما حدث بينهما من خلافات وخصام وفراق ,حتى عادت المياه الى مجاريها الطبيعية عندما تصالحا منذ أيام قليلة, بعد فترة من محاولات عديدة لابن عمه لاقناعه ببيع نصيبه فى الارض , وبرغم تأكيد سالم على عدم موافقته , الا أن خلافاتهما اخذت أشكالا وأبعادا كثيرة حتى استقر بينهما الصلح اخيرا , وأصبحا على صلح وود, لدرجة ان سالم متوجها الآن للمدينة المجاورة وفى جيبه الخطاب الذى أعطاه له ابن عمه بقصد ارساله لأحد أصدقائه, ومنها يريد سالم التأكيد على حسن نواياه لابن عمه .
قطع شروده صوت السائق بصوته الأجش : خلاص وصلنا .. حمد الله عالسلامة. وبعد دقائق قليلة كان سالم يسير فى الشارع الضيق الذى يقصده لتوصيل خطاب ابن عمه .
أخذ ينظر هنا وهناك وهو ممسكا بمظروف صغير مغلق.. ولفت انتباهه أحد المارة.. توقف ليسأله عن العنوان المكتوب على المظروف.. ولكن الشاب قبل أن يبدأ بالرد عليه.. حتى قام بعض الصبية الذين يلعبون بالشارع بالجرى حوله, وقام أحدهم بخطف المظروف منه وأسرع مهرولا بعيدا, اشتد غضب سالم وهرول خلفه مسرعا.. وما ان لحق به حتى القى الصبى بالمظروف ممزقا وأسرع هاربا..
– أخذ سالم يلملم أجزاء المظروف والرسالة.. وحاول أن يستجمع أجزائها.. وما ان لمح كلمات الرسالة.. حتى أصابته الدهشة كالصاعقة.. مكتوب عليها بخط واضح.. اقتل حامل هذه الرسالة …!!!