عشر سنوات على ثورة يناير.. نعيد نشر شهادة خالد البلشي صباح موقعة الجمل: حينما أمطرت السماء مولوتوف ورصاص “بشائر النصر”.. (ذكريات يناير)
“شباب التحرير” أن تكون طاهرا وبطلا وشهيدا وحالما للحياة.. عندما قالت مصر أنها موجودة
“معركة التحرير” ليلة أمس ربما ستكون التأريخ الحقيقي لانتصار الثورة المصرية هكذا كتب الزميل خالد البلشي صباح يوم 3 فبراير 2011 في توثيقه لموقعة الجمل عقب عودته من الميدان، هكذا حملت الشهادة التي جاءت صباح اليوم التالي للهجوم يقينا بانتصار الثورة، وهو يقين ربما حمله كل من في الميدان وقتها، ربما لم تكتمل النتائج كما أراد لها من خرجوا في يناير لكن ربما هذا اليقين هو من أوصل الجميع للحظة أجبرت النظام على مراجعة أوراقه والتضحية برأسه والتراجع أمام إرادة من خرجوا يطلبون الحرية ولو إلى حين.
تعيد «درب» نشر شهادة خالد البلشي عن موقعة الجمل، والتي سجلها بعد عودته من التحرير، صباح المعركة، التي راح ضحيتها 24 شهيدا بينما تكللت هامات الآلاف بالتحرير بالقطن والشاش وعلامات المعركة التي خرجوا فيها منتصرين، وكانت مقدمة لانتصار مرحلي، لكنها لم تكن كافية لاسترداد حقوقهم ممن قتلوا الحلم واستولوا عليه بعد ذلك.
وإلى نص المقال الشهادة الذي كتب صباح اليوم التالي للمعركة:
حينما أمطرت السماء مولوتوف ورصاص ..”شباب التحرير” أن تكون طاهرا وبطلا وشهيدا وحالما للحياة
“ربما الوقت ليس وقت الكتابة، لكنها حالة لابد من رصدها ولو بكلمات سريعة فالكلمات مهما كان طهرها لن تكفي حق هذا الشباب الصامد.. فمعركة التحرير ليلة أمس ربما ستكون التأريخ الحقيقي لانتصار الثورة المصرية.. كان المشهد عبر الفضائيات مرعبا.. وكان قلبي ينفطر مرتين لأنني لست بينهم أدعمهم وأدعم صمودهم ولو بكلمة، وثانيا على شباب ضحوا بحياتهم من أجلنا جميعا بينما تصر فضائيات الاستبداد والديكتاتورية المصرية على تشويه سمعتهم لكني كنت واثقا أن طهرهم هو الذي سينتصر ..
كان قرار النزول للتحرير حتميا رغم نصائح كل المقربين، كانت المعركة تشتعل بينما أحاول نقلها شبه منفرد على موقع البديل، قدر استطاعتي وإمكانياتي المحدودة .. في لحظة معينة أحسست أن الكلمة لم تعد كافية وأن المساندة بنقل ما يحدث ربما يفعلها الآلاف غيري.. كانت السماء قد بدأت تمطر قنابل حارقة على المتظاهرين من على أسطح العمارات وكان قراري أن أكون بينهم أنقل الصورة على حقيقتها وليكن ما يكون “ربما أكتب تفاصيلها فيما بعد ” ..
كان المشهد في التحرير مختلفا، كانت الساعة قد اقتربت من الثانية صباحا وكان أغلب من تقابلهم في التحرير يحملون أرواحهم على أكفهم، وكانت بشائر النصر بادية على الجميع، الإصابات تنتشر في أجساد ورؤوس وأقدام وأذرع المحتجين بينما ترفرف أرواحهم تنشد غد مختلف ..
كان صمودهم فاضحا وكاشفا لكل من حاولوا إيهام وإقناع البسطاء بترك مساحة للرئيس لاختبار نوايا طالما اختبرت فخدعت وضللت .. كان الرجل منذ اللحظة التالية لخطابه قد أعفى المعارضة “البين بين” من التفكير في خطابه لكنهم أصروا على النكوص.. فبمجرد انتهاء الخطاب نزلت جحافل البلطجية ترسم للجميع معالم المرحلة القادمة وتعفيني وتعفي الكثيرين منا من مناقشات لا جدوى منها حول ما قدمه من تنازلات .. لكن شباب التحرير بصمودهم كفونا لغو حديث لا طائل منه .. وأكدوا للجميع أن الوقت وقت العمل ومواصلة الطريق وكفانا 30 عاما من الديكتاتورية والفساد والاستبداد والقتل بالسرطان وعلى الطرق وفي العبارات وأقسام الشرطة ..
كان من تفرغ للدفاع عن نظام أوشك على التداعي، هم بلطجية ومستفيدون وأفراد شرطة حاولوا استعادة ما فقدوه بالانحياز للجلاد فهم لم يتعلموا إلا أن يكونوا جلادين، وبعض المخدوعين بمسكنة من يريد التمكن ثم العصف..
نزلت التحرير وكلي خوف على هذا الشباب فزادوني قوة وعزما، مع اقتراب الفجر كانت الهجمة الأخيرة بالرصاص الحي واجهها الشباب بصدورهم ليسقط ما يقرب من خمسة شهداء أما الجرحى فلم يعد أحد يعدهم فهم يذهبون للعلاج ثم لا يلبثون أن يعودوا يدافعون عن غد طالما حلموا به ، وحرية دفعوا ثمنها بدمائهم و أرواحهم ..
شباب طاهر هكذا قالها أحد الشيوخ في الميدان، قبل أيام مؤكدا أن الثورة ثورتهم فهم من صنعوها ودافعوا عنها لكن شباب ليلة الأمس صنعوا للطهر معنا جديدا .. صنعوا للفداء والبسالة معنا مختلفا .. لأول مرة أحس معنى كلمات طالما رددناها دون أن نعيها كاملة لكنهم قرروا أن يعلموننا قيمتها أن يذيقونا أية أن تكون طاهرا وان تكون بطلا وشهيدا ومعنى أن تكون صامدا حتى النهاية وان تحلم بالحرية فتكون علما لها.. هم آمنوا بحريتهم وبذلوا أرواحهم ودماءهم من أجلها فحق لهم أن ينالوها ..
مع الساعات الأولى للصباح كان الكل قد نال منه الإرهاق لكن نظرة فاحصة للوجوه تكشف كم هي مصرة على مواصلة المسيرة.. كان القطن يرسم علامات الحرية ويكلل رؤوس وأجساد الآلاف من المتواجدين في المكان وكان الجميع مصرون على المواصلة وكنت أنا أتقطع بين واجب مهني حريص على نقل ما يحدث وبين رغبة في احتضان أرواح غسلت كل معاني الخنوع عنا.. بين رغبة في غسل أبدان دفعت ثمن حريتنا بتصديها لجحافل بلطجية نظام مستبد فاشل بالدموع فهم أحق بالحياة من الجميع.. وفرحة بمصر جديدة مصرة على البقاء وإعلان الوجود بأرواح ودماء شباب حق لهم أن يحيوا ويرحل المهادنون والمخادعون والمخاتلون.. كان التحرير يرسم لنا طريق الحرية بينما يفضح كل دعاة الزيف في مصر .. كانت مصر تقول أنها موجودة بهؤلاء وأنها ستظل باقية بهم رغم قهر الديكتاتور وفساد الحاشية .. كان فجر “مصر مختلفة” يطل ببوادره بينما تتدفق على التحرير حشود المساندين الذين وعوا الدرس وأدركوا أنه لا أمان لديكتاتور ولا عهد له.
Pingback: عشر سنوات على ثورة يناير.. نعيد نشر شهادة خالد البلشي صباح موقعة الجمل: حينما أمطرت السماء مولوتوف ورصاص “بشائر النصر”.. (ذكريات يناير) – م