عشر سنوات على ثورة يناير.. عربي كمال يكتب: كنت هناك (ذكريات يناير)
رغم إن الوحش الأسطوري الرابض أعلى الجبل
كان يرسل علينا ألسنة نار ذات لهب
ورغم عدم اكتمال القمر
جئنا جميعا إلى قلب المدينة .. نسعى
حملنا معنا الأحجار والأخشاب والحبال المتينة
والابتسامات
ورفعنا سويًا بيتًا كبيرًا .. للصلاة
*********
الثلاثاء 25 يناير
ما أكثر الذكريات التي لن تمحى من ذاكرتي أبدا، ففي مساء يوم 25 يناير، كان ميدان التحرير يحتشد بالثوار من كل الاتجاهات والأعمار، وأذكر أنني كنت أجلس في منتصف ميدان التحرير، وبجانبي الدكتور جلال الشايب أستاذ الفنون الجميلة ، والصديقة ” لينا أبو زيد ” ، ننشد بفرحة طاغية أغاني الشيخ إمام، وفجأة انهمرت علينا القنابل المسيلة للدموع بشكل مكثف وعشوائي.
قنابل لا تعد ولا تحصى، فقدنا الرؤية تمامًا ، وكنا نهرول على غير هدى إلى الشوارع الجانبية المتفرعة من ميدان التحرير، وخلفنا كتائب الأمن المركزي التي تدهس كل من تقابله في وجهها، وعند ميدان رمسيس تبقى منا ثلاثة آلاف متظاهر، فاتجهنا إلى شبرا، وعند نفق أحمد حلمي تصدت لنا جحافل القوات الخاصة، فاقترح علينا أحد أبناء شبرا أن ندخل الحواري الضيقة حتى نشل قدرة الأمن في مهاجمتنا ونعجزه عن إطلاق قنابله المسيلة للدموع، التي كانت أشد علينا من الرصاص الحي. وفي الحواري كنا نهتف: “يسقط يسقط.. حسني مبارك”، “الشعب يريد.. إسقاط النظام”.
كانت عيون الناس المطلين من نوافذهم وشرفات منازلهم مندهشة من هؤلاء الشباب الذين يهتفون في هذا الليل والبرد الشديد وخلفهم جنود الأمن المركزي وعصيهم، هذا الاندهاش الذي تحول تلقائيًا إلى مشاركة في الهتاف معنا.
ومن شارع إلى شارع كنا نسعى ونهتف حتى الساعة الرابعة صباحا، وحين هدني التعب شاهدت الصديقة أسماء محفوظ ملتحفة ببطانية ثقيلة، لا أعرف من أين تحصلت عليها، وجسدها ينتفض من البرد، فضحكت بشدة من منظرها واشتعلت نشاطا وقوة.
كان الأمن قد أعد لنا كمينًا فأجبرنا على الخروج ناحية الكورنيش، بعد أن ألقى قنابله علينا وتفرقنا مرة أخرى، وعلى رصيف الكورنيش كان صديقي بركات قد أنهكه التعب فجلس ليستريح، وصديق آخر لمح عربة ملاكي قادمة فاتجه إليها مسرعا لتنقله بعيدا عن أيدي الأمن، لكن حظه التعس أوقعه في الشرك، فالسيارة كانت تابعة لأمن الدولة الذين كانوا يخطفون النشطاء، ساعتها هرولت مرة أخرى إلى أحد الشوارع الجانبية بعد أن جرى خلفي أحدهم للإمساك بي، وفي أحد العمارات الجانبية صعدت مهرولا، وعند أول شقة ضغطت الجرس فخرج لي مالكها وهو مذعور من هذا الزائر الذي يأتي في أوقات غير مناسبة، وازداد ذعره عندما رأى هيئتي، وفي سرعة وبصوت هده الهتاف، رويت له ما حدث وتعقب الأمن لي.
كان التردد والخوف يشكل جغرافيا وجهه، الذي تجاوز الخمسين ولكنه حسم الأمر وأدخلني، وأعدت زوجته لي مشروبا ساخنًا، وظل يتناقش معي مصرا على عدم جدوى ما نفعله، ومع صوت آذان الفجر نزلنا وراقب الطريق، ثم اتجه بي للصلاة في المسجد المقابل، وبعدها أحضر لي تاكسي، دفع أجرته كاملة، ساعتها شعرت أن الموت من أجل هذا الوطن وناسه ثمن بخس.
جمعة الغضب 28 يناير ..
_1 _
العاشرة صباحًا .. خرجت من منزلي , متوجهًا للقاء صديقي المحامى محمد عزوز المصري بمكتبنا الخاص في شارع الحرية ، بجوار محطة مترو المعادى ، أتلفت يمينًا , ويسارًا , خشية من مخبرين أمن الدولة ، بعد ما عرفت بحملة اعتقالات , شملت نشطاء سياسيين من حركة كفاية , و6 إبريل يومي الأربعاء والخميس، خرجنا من مكتبنا لتناول بعض ” الساندوتشات ” من أمام محطة المترو ، فجاءة وجدت محمد عزوز ينظر إلى شابين باهتمامٍ غريب ، لاحظا اهتمامنا فظهر الارتباك عليهم جليًا ، استغربت فسألته:
ــ في إيه .. ؟!
أجاب بثقة غريبة
ــ تراهني أنهم نازلين المظاهرة ومرعوبين ؟!
سريعًا وجدته يشير إليهم ، اقتربوا في وجل ، فابتسم قائلاً
ــ إحنا معاكم هتنزولوا فين .. ؟
ارتخت ملامح وجوههم المرتبكة وظهرت فرحة طاغية
ــ إحنا هنروح التحرير
قلت لهم
ــ بلاش التحرير هيكون متلغم أمن ومقفول
فقالوا “خلاص هننزل رمسيس”، تصافحنا واتجهنا إلى الجيزة ، لم أكن اعتقد أن هذا اليوم تحديدا هو يوم الحسم ، الذي سيزلزل بنيان دولة الديكتاتور، على عكس صديقي عزوز، كانت تملؤه ثقة غريبة، وجدته يتحدث مع أحد الركاب بتصميم ” النهاردة يوم ا لحسم يا ريس “
_2_
“خطبة الجمعة بمسجد الاستقامة المكتظ بالثوار”
وصلنا لميدان الجيزة ، كان الميدان ثكنة عسكرية ، محاصرا من كل الاتجاهات ، توجهنا إلى مسجد الاستقامة ، كان مكتظا بالثوار في الداخل والخارج، اتجه عزوز لمسجد آخر قريب، وظللت في مسجد الاستقامة.
كان الخطيب ممثل للجمعية الشرعية ، يخطب مناشدًا الثوار بالتروي، ويناشد ولي الأمر بتلبية المطالب الشرعية، بعد انتهاء الصلاة, اشتعل الهتاف “الشعب يريد إسقاط النظام” لم يكد الهتاف ينتهي حتى انهمرت علينا القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه، التففنا حول الدكتور محمد البرادعي كى نحميه، ثم اتجه به الشباب بعيدًا عن المياه والغاز، ارتطمت قذيفة غاز بوجه أحد الشباب بجانبي ، فأطاحت بأنفه, وانفجرت الدماء كشلال منهمر، مشهد الدم جعلني انتفض بعنف، لم نكن لنحتمل شيء كهذا، كنا سلميّين , لا نحمل إلا حناجرنا ، تهدر بالهتاف ” عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية “، كانت قنابل الأمن تعلن هيمنتها ، لكن ثباتنا وهتافاتنا ، كانت تزلزل بنيانهم، تقدمنا نحو قوات الأمن بخطى متسارعة ، وكانوا ينسحبون مهرولين، انقسمنا لمجموعتين، مجموعة إلى ميدان جامعة القاهرة ، وأخرى لم أتمكن من معرفة وجهتها، كانت قوات أمن مكثفة متمركزة أمام جامعة القاهرة، الكر والفر هو سيد الموقف، وقنابل الغاز ترقص رقصة سالومي “*” الأخيرة .
_3 _
” مواجهة أحد الشباب مدرعة الشرطة “
فجأة خرجت من خلف تشكيل الأمن المركزي “مدرعة” تخترق صفوف الشباب ، عندها تسمرت قدمي أمام مشهد لشاب بملابس مهندمة، وقف أمام المدرعة مباشرة ، واتجه إليها مسرعًا ، كان الاصطدام حتمي لا فرار منه، لكنه في لحظة خاطفة, قفز إلى أعلى ملقيًا نفسه على ” الشبك الحديدي ” الذي كان يغطى زجاج المصفحة ليتشبث به ، شملنا الذهول من فعلته الجريئة، ارتبك قائد المصفحة، وجن جنونه من تصفيقنا للشاب، فأخذ يتطوح بالعربة يمينا وشمالا ليسقطه، وبالفعل سقط الفتى أمامه على بعد مترين، بعد أن قام بفرملة عنيفة، ثم اتجه مباشرة إليه، فصرخنا في ذعر “حاسب .. حاسب “، لكنه لم يبالى , مر على رجله وفر بعيدًا ، حملنا الشاب إلى عربة الإسعاف ، ونحن مشحونون بالغضب.
_4 _
” سلمية شباب الثورة أمام أقسام الشرطة “
حاولنا اقتحام صفوف الجنود المتمركزة أمام جامعة القاهرة ففشلنا ، كانت قنابل الغاز سلاح مرعب , يحول دون تقدمنا ، رجعت وبعض الشباب مرة أخرى لميدان الجيزة ، اتجهنا إلى الشوارع الجانبية، كانت الأعداد تتزايد بشكل كبير ومبهج ، كان هتاف “عيش ..حرية .. عدالة اجتماعية” أيقونة المشاركة، لم أعرف أسماء الشوارع التي مررنا بها، صلينا العصر بإحدى المساجد، فوجئت أن المصليين خرجوا معنا يهتفون، وكانت النساء يلقين لنا المياه من النوافذ، مررنا بقسم شرطة، فوجدتنى أهتف مع بعض الشباب ” أعمل حائط .. أعمل حائط “، صف كامل من الثوار يحول بين المتظاهرين وقسم الشرطة ، كان الجنود بالداخل ، ورئيس القسم يقف أمام الباب صامتًا ، وحينما حاول البعض التعدي عليه بالألفاظ صرخنا “سلمية .. سلمية “، بعد مرور المسيرة الضخمة ، شكرنا رئيس القسم قائلا عاش شباب مصر، واتجهنا نحو المسيرة نكمل الطريق .
وصلنا إلى تمثال النهضة ، لم يكن هناك جنود أو شرطة نهائيًا، إلا أمام السفارة الإسرائيلية، كانوا يقيمون ثكنة عسكرية، مررنا أمامهم وظلوا هادئين، لم يقتربوا منا ولم نقترب منهم، كان الكوبري مغلق تمامًا، فاتجهنا إلى الشارع المؤدى للسفارة السعودية، كان على الجهة المقابلة قسم شرطة، وفى تلقائية تعاملنا بنفس الأسلوب السابق، صف طويل يحمى القسم من الاعتداء والتراشق، وكان الجنود والضباط صامتين، يترقبون المشهد، ويقدمون ابتسامة للشباب الذي قام بحماية القسم، فى الجهة المقابلة كانت هناك لافتة عريضة تحمل صورة الديكتاتور مبارك، فاتجه الشباب إليها يتبارزون فيما بينهم، أيهما ينال شرف الصعود وتمزيقها..؟.
_5 _
” كوبري قصر النيل .. يوم الحشر لا ريب “
وصلنا إلى كوبري قصر النيل، كانت أعداد المتظاهرين مهولة مرعبة، هو يوم الحشر لا ريب ، كان الكوبري مزدحم بشدة، والغاز شكل ملامح الهواء ، كتائب الأمن تتمركز في منتصف الكوبري، تتراجع حينًا وتتقدم حينًا، كانت الإصابات كبيرة بين المتظاهرين ، والاختناقات تُسقط الشباب، وجدتني مسحورًا ومنجذبًا للتقدم للأمام ، تسللت من بين الجموع ، حتى أصبحت وجهًا لوجه أمام الجنود ، الذين أصبحوا كآلة تلقي قنابل الغاز بتواصل، كان الشباب يتبارون فيما بينهم ، من يستطيع الإمساك بقنبلة الغاز وإلقائها في النيل.
في الحقيقة كنت مرعوبًا، لديّ رهاب من الأماكن المزدحمة والبحر، لم يكن يشغلني الرصاص، بقدر ما كان يشغلني الخوف من أن ينهار الكوبري، تراجعت للخلف من شدة آثار الغاز القاتل ، وأعود إلى أول الكوبري، كانت معركة بطولة وثبات من الشباب ، لا أعرف كم من الوقت مضى ، لكن فجأة تقدم الشباب بقوة مرة واحدة ، وتراجع الأمن للخلف، فاندفعنا إليهم كطوفان، ففروا داخل الميدان، كانت عرباتهم أمامنا فارغة، حاول البعض إحراقها فرفضنا، صرخنا هذه أموالنا وأموال الشعب ، تحت الكوبري وجدنا العساكر يخلعون ملابسهم الميري ويفرون .
_6_
” ميدان التحرير ومشاعر الفرحة والبكاء “
تقدمنا ناحية جامعة الدول العربية ، الظلام والغاز كانا يحيطان الأرض والسماء ، فجأة انهار كل شيء ، التحمت الجموع ، دخلنا التحرير، وما بين دموع الفرحة والدهشة والتعب ، انتابني البكاء كطفل، كان الأمن مرابطًا عند حدود الجامعة الأمريكية، وكانت حجارتنا سلاحنا الوحيد، والقنابل والرصاص يتوالى علينا، أحضر بعض الشباب ساترًا من الصفيح نحتمي خلفه.
سقوط أول قتيل بجانبي
دوت الطلقات النارية ، أصابني الذعر , فالمسافة كانت قريبة جدًا بيننا وبينهم ، كان أحد الشباب يقول لي ” نزل راسك تحت ” فخفضتها، وفى اللحظة التي نهضت فيها اخترقته رصاصة فسقط بجانبي، كانت المرة الأولى التي أبصر فيها رصاصًا حيًا يخترق جسد شخص يجلس بجانبي، حملته أنا والشباب إلى المستشفى الميداني خلف مطعم هارديز، فوجئت بجثث متراصة، جثث حقيقية، ومصابين في أقدامهم, وأفخاذهم ، جثث كانت تتوافد من شارع محمد محمود ، المؤدى إلى وزارة الداخلية، هناك كانت مجزرة حقيقية ..!
_7 _
” استيلاء أحد الثوار على عربة الشرطة ودهشة قوات الأمن “
عدت إلى التحرير ، كان الرعب يشل تفكيري ، الشباب ثائر, وجنود الأمن يعتلون مبنى الجامعة الأمريكية، هذه المرة لم تكن قنابل فقط ، بل أسلحة خرطوش وأسلحة نارية ، يعرف طبيعتها شخص مثلى من الجنوب، كانوا يظهرون ويختفون يظهرون ثم يختفون، فجأة وجدت الشباب يهللون ويصفقون، كانت هناك عربية أمن مركزي، استطاع أحد الشباب أن يديرها، ودخل بها وسط الحشود، واتجه مباشرة نحو الجنود الذين يغلقون شارع القصر العيني ، كان يقودها بسرعة ، ألجمتني الدهشة ، وقبل أن يفيق الأمن من دهشته ، كان الشاب قد قفز من السيارة ، وتركها تتجه بسرعة نحوهم ، ساعتها جن جنون الشرطة ، وانطلقت القنابل وطلقات الرصاص بغزارة.
_8 _
” حماية الثوار لقوات الأمن بعد نفاد ذخيرتهم “
كانت هناك عربتا أمن مركزي، بعد مبنى بنك التنمية الزراعية بقصر العيني، وأمامها مجموعة ضباط ــ حوالي ستة ــ وأكثر من عشرين عسكري، محاصرين من المتظاهرين من الأمام والخلف، استخدموا كل أسلحتهم، والغاز المسيل للدموع ، وبعد نصف ساعة من الكر والفر، نفدت كل ذخيرتهم، فاتصلوا بأحد لواءات الجيش ، الذي دخل علينا بعربته العسكرية، وترجل منها ، وحدثنا بأدب جم قائلًا ” بصوا أنتوا تقدروا الآن تفرموهم ، بعد ما سلاحهم نفد ، لكن أنا بطلب منكم ، وأنتم شباب أطهار، إنكم تتركوهم يدخلوا إلى شارع مجلس الشعب ــ كان تتحصن فيه كل قوات الشرطة ــ هم جنود وإخوانكم “.
واستجبنا بالفعل ، قمنا بعمل صفين يمينا وشمالا ، ــ بين الجماهير الغاضبة ــ ليعبر الجنود ونحميهم، وقد اشترط الشباب أن يقوم الجنود بتنكيس أسلحتهم، اعترض أحد الضباط على الشرط، وظللنا ربع ساعة نتفاوض، ورغم ثائرة الشباب إلا أننا اتفقنا على أن يحتفظوا بأسلحتهم مرفوعة، دخلوا بيننا في طابور، ونحن نحميهم، وحين أبصرت الخوف في وجوههم السمراء مع استسلامهم، شعرت بغصة أن أرى جنود مصر هكذا، فوجدتني حينما مر لواء منهم أمامي، أرفع له التحية العسكرية ،
مما أثار غضب الجماهير المحيطة حولي والسخرية منى، فقلت لهم “يكفيهم أنهم قاتلوا حتى نفاد ذخيرتهم”، كنت أشعر أنني فى حرب مقدسة ، يجب فيها أن نحترم المهزوم ، وبعد انضمام الجنود والضباط إلى الكتيبة ، التي تتمركز في شارع مجلس الشعب، بمرور نصف دقيقة على عودتهم للكتيبة، انطلقت علينا زخات القنابل المسيلة للدموع والرصاص منهم بشكل هيستري فبصق علىّ أحد الشباب وقال لى “مش قلتلك دول ولاد … مالهمش أمان”.
_9_
المتحف المصري
كان التعب يهدني تمامًا، اتجهت لأستريح بجوار المتحف المصري، فوجئت بالشباب يصرخون، ويقولون الجيش قبض على جنود وعساكر الداخلية، داخل المتحف وهى تسرقه، جرينا نحو المتحف، وجدت أمامي أشخاصًا يرتدون زيهم الميري، والجيش يحوطهم داخل حديقة المتحف، منهم من تم توثيقه بالحبال ، وآخرون يقوم جنود الجيش بصفعهم، والناس تهتف ” ياحرامية .. يا ولاد الوسخة “، كثير من الشباب صور المشهد، الغريب أني لم أجد تسجيلًا لهذه اللحظة أبدا، وشخصيًا صورت هذه الواقعة ، لكن هاتفي تم الاستيلاء عليه بالميدان فيما بعد, ولا أستطيع الجزم هل كانوا من جنود الشرطة فعلا أم لا ..
_10_
تلاحقت الأحداث عقب اشتعال النيران في مقر الحزب الوطني وملحقاته الحكومية، هتف الشباب “مركز حقوق الإنسان بيتسرق من البلطجية “، ركضنا إلى الكورنيش ، فشاهدنا أكثر من عربية نقل صغيرة، وأشخاص يخرجون من مراكب بالنيل، وينهبون مراكز حقوق الإنسان والشباب والرياضة وحقوق المرأة ، ويستولون على أجهزة كمبيوتر حديثة ، وأجهزة لاب توب، وكراسى أنتريه، كل شيء، كان المشهد مرعبًا ، أوجعني أن يتحول وجه الثورة إلى نهب وسلب ، كانت أعدادهم ضخمة ، يستخدمون الجنازير والعصي، بعض الشباب قال “سيبوهم دا حقهم وعرقهم “، والبعض الآخر قال “دى تخص الدولة ولازم نحميها ” استدعوا الجيش لكن رجال الجيش قالوا لنا نصًا “مهمتنا حماية المتحف فقط “، شعرت بالحسرة لكن انتفض بعض الشباب وقالوا “لا محدش ياخد حاجة على جثتنا كفاية نهب”، (بدأنا فى مناوشتهم)، حمل الشباب الأجهزة، واتجهوا للمتحف كي يسلموها للجيش وتم حماية وسط البلد بالكامل.
_11 _
كان يومًا فاصلًا فى سقوط بنيان الديكتاتور، لا أعرف تحديدًا أين نمت ؟
أو متى ؟ وكيف ؟ ، كل هذه الأسئلة لا أجد لها عندي أجوبة ، ربما افترشت الأرض بجانب المتحف ، وربما نمت بجوار مترو التحرير ، أو امتطيت السحابة التي تظلل ميدان الحرية، كي تطوف بي ميدان النصر، لا يهم، فما أتذكره جيدًا ، هو أنني في خضم الموت والرصاص نمت بعمق ، حالمًا بمستقبل أفضل ، سيجيء مهما حاولت الذئاب أن تمنع وصوله إلى “أم الدنيا” مصر.
عربي كمال
محام