عبد المجيد المهيلمي يكتب: نهاية التعليم المجاني
نسبة الأمية في مصر 25.8% وعندنا كثافات مرتفعة في الفصول وتسرب من التعليم وتعدد في الأنظمة التعليمية. ورغم معدلات الفقر التي تفخر الدولة انها أصبحت 29% من السكان ، أصبحت الرسوم في المدارس والجامعات الحكومية تفوق قدرات الطبقة الوسطي التي يلتهم الإنفاق على التعليم جزء كبير من دخولهم، ويضطر الأطفال الفقراء للخروج من التعليم إلى سوق العمل حيث يوجد أكثر من ثلاثة ملايين طفل عامل.
الدولة تقلص الإنفاق على التعليم ورغم الإعلان عن الحاجة الي 250 ألف فصل مدرسي لمواجهة مشكلة التكدس ورغم كل القروض اللي حصلت عليها مصر لتمويل التعليم أعلنت الحكومة انها ستبني 30 ألف فصل سنوياً يعني العدد المطلوب هيتغطي خلال 8 سنوات إضافة الي اننا نحتاج لأكثر من 17 ألف فصل سنوياً لتغطية الملتحقين الجدد وهو ما يعني انه لن يتوفر وفق المعلن سوي 13 ألف فصل وبالتالي نحتاج الي 19 سنة لتغطية عجز الفصول إضافة إلي وجود عجز في المعلمين يصل الي نصف مليون معلم بينما يعاني خريجي كليات التربية من البطالة وتطرح الوزارة الحل في التطوع للعمل كمعلمين وهي خطوة تقضي نهائيا علي أي أمل في اصلاح التعليم. بل وبصدور قانون التأمين الصحي الاجتماعي تخلت الدولة عن التأمين الصحي على الأطفال في السن المدرسي وما قبله وأصبح أولياء الأمور مسئولين عن سداد اشتراكات التأمين الصحي لأبنائهم.
ومع ارتفاع الرسوم المدرسية وعجز بعض الأسر عن سداد المصروفات يتم حجب نتيجة الامتحانات للعديد من تلاميذ المدراس في مختلف المراحل التعليمية الحكومية.
قال طه حسين منذ عقود أن التعليم كالماء والهواء ودستور 2014 أقر بأن التعليم إلزامي لنهاية المرحلة الثانوية. لكن منذ سنوات وبقروض تقدر بالمليارات يتم تجريف وتخريب التعليم الحكومي المجاني لكي يهجره أبناء الفقراء ولا يصبح لدينا فرص لتعليم جيد إلا في التعليم الخاص والدولي.
وإذا كانت المواثيق الدولية تتحدث على ان التعليم حق تكفله الدولة وهو نشاط غير ربحي فإن دخول القطاع الخاص وتغوله يحول التعليم الي مشروع ربحي وتجارة تجذب مستثمرين للتعليم ما قبل الجامعي والتعليم الجامعي. لكن الحكومة لا تتوقف عند هذا الحد وتخطو بخطوات سريعة على طريق الخصخصة.
خصخصة رسمية للتعليم
بدأت الخطة بصدور قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981 وبدأ التوسع في التعليم الخاص وتراجع حصة التعليم الحكومي وزيادة حصة التعليم الخاص، وفي عام 1985 صدر القانون رقم 94 لسنة 1985 في شأن المدراس التجريبية الرسمية للغات وبالتالي أصبحت لدينا مدارس حكومية بمصروفات أقرب للتعليم الخاص وينتقي لها أفضل المعلمات والمعلمين وتهتم بتدريس اللغات.
عام 2020/2021 أصبح التعليم الخاص يستقطب 10% من تلاميذ التعليم قبل الجامعي، ويملكون 15% من المدارس و30% من الفصول ورغم ذلك تعكس نتائج الشهادات العامة أن التعليم الحكومي المجاني لايزال يقدم المتفوقين في مختلف المراحل كمعجزة مصرية تستحق التأمل.
تبع ذلك إنشاء الهيئة القومية لضمان الجودة والاعتماد بالقانون رقم (82) لسنة 2006، وينص على أن هذه الهيئة تتمتع بالاستقلالية وتكون لها الشخصية الاعتبارية العامة.
كما أصدر رئيس الجمهورية قراراً برقم 25 لسنة 2007 بإصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون. تهدف الهيئة إلى إعادة هيكلة المؤسسات التعليمية وتحسين جودة عملياتها ومخرجاتها على النحو الذي يؤدى إلى كسب ثقة المجتمع فيها، وزيادة قدراتها التنافسية محلياً ودولياً، وخدمة أغراض التنمية المستدامة في مصر. ووقتها أثرنا سؤال ما هو الموقف من المدارس التي لن تحصل على شهادة الجودة والاعتماد؟!! وحذرنا من أن ذلك خطوة على طريق خصخصة التعليم الحكومي المجاني.
استمرت الخطوات ورأينا المدراس اليابانية الحكومية ومدارس النيل وتعددت أنظمة التعليم الحكومي بمصروفات ولم تتوقف الآمور عند هذه المرحلة ففي ديسمبر عام 2021 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3476 لسنة 2021 ” يرخص لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني بالمساهمة في ” شركة مصر للإدارة التعليمية ش.م.م ” بنسبة (30%) من إجمالي رأس مال الشركة، وفقاً لأحكام قانون الشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة وشركات الشخص الواحد المشار إليه، وذلك بما لا يتعارض مع أغراض الوزارة المشار إليها”. الجريدة الرسمية – العدد 52 – 30 ديسمبر عام 2021.
وبذلك تدخل وزارة التربية والتعليم في تأسيس شركة مساهمة ولا يوجد في القانون او الاقتصاد شركات مساهمة غير ربحية، إذا تحول التعليم من كونه خدمة إلى سلعة ووسيلة للربح ولينتهي بذلك عصر التعليم المجاني الذي بدأ في مصر قبل ثورة 1952. فمهمة الشركة الإدارة التعليمية وبالتالي انتقلنا من مرحلة الجودة الي مرحلة إدارة المدارس. لكن هل يتوقف قطار الخصخصة عند التعليم ما قبل الجامعي؟!
خصخصة التعليم الجامعي
عام 2009 صدر القانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٩ بإصدار قانون الجامعات الخاصة والأهلية وبتعديل نص المادة (١٨٩) من قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٢. وتوالي إنشاء الجامعات الخاصة والأهلية وبلغت 26جامعة حتى عام 2014 وتوالي إنشاء الجامعات الخاصة والأهلية. وكما عرفنا المدارس التجريبية واليابانية في التعليم الحكومي بدأت برامج تعليم بمصروفات في الجامعات الحكومية وصدرت عدة تعديلات على قانون تنظيم الجامعات وخلال الشهور الأخيرة حدثت عدة تعديلات على قانون تنظيم الجامعات ولائحته التنفيذية منها:
– القانون رقم 154 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام قانون الجامعات الخاصة والأهلية الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2009 بتشكيل مجلس للجامعات الخاصة ومجلس للجامعات الأهلية يتبعوا وزارة التعليم العالي – الجريدة الرسمية – العدد 50 مكرر أ في 18 ديسمبر سنة 2021.وذلك استجابة لزيادة عدد الجامعات والفروق بين هيكل وتمويل كل منها.
– القانون رقم 1 لسنة 2022 بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972. ويسمح التعديل لأساتذة الجامعات بالاستمرار في العمل بعد بلوغهم سن المعاش. الجريدة الرسمية العدد 3 مكرر (هـ) في 26 يناير سنة 2022.
– قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3596 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات بإضافة مادة برقم 80 مكرر وتنص على “بالنسبة للدراسة بنظام الساعات او النقاط المعتمدة فيعامل الطالب الذي لم يحصل على الحد الأدنى للمعدل التراكمي المطلوب لاجتياز المستوي معاملة الطالب الباق للإعادة وذلك على النحو الذي تبينه اللوائح الداخلية للكليات” – الجريدة الرسمية العدد 50 مكرر هـ في 20 ديسمبر 2021.
إضافة إلى ذلك فخلال الشهور الأخيرة تم إنشاء 5 جامعات جديدة وتعديل قانون إنشاء جامعة قائمة وذلك على النحو التالي:
– قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 634 لسنة 2021 بشأن إنشاء جامعة خاصة باسم “جامعة الابتكار” – الجريدة الرسمية – العدد 52 مكرر وفي 4 يناير 2022.
– قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 42 لسنة 2022 بإنشاء جامعة أهلية باسم ” جامعة المنصورة الأهلية” – الجريدة الرسمية – العدد 4 مكرر ج في 31 يناير 2022.
– قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 43 لسنة 2022 بإنشاء جامعة أهلية باسم “جامعة حلوان الأهلية” – الجريدة الرسمية – العدد 4 مكرر ج في 31 يناير 2022.
– قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 443 لسنة 2021 بإنشاء جامعة خاصة باسم ” جامعة رويال بمصر ” – الجريدة الرسمية – العدد 39 مكرر ب في 2 أكتوبر 2021.
– قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 444 لسنة 2021 بإنشاء جامعة خاصة باسم ” جامعة بدر بأسيوط ” – الجريدة الرسمية – العدد 39 مكرر ب في 2 أكتوبر 2021.
– قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 583 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 256 لسنة 2006 بإنشاء جامعة خاصة باسم ” الجامعة المصرية الروسية” – واضافة إلى كلية الإدارة والاقتصاد وتكنولوجيا الأعمال وهي الفنون الجميلة والفنون التطبيقية والألسن واللغات التقنية وكلية الذكاء الصناعي – الجريدة الرسمية – العدد 48 مكرر في 6 ديسمبر 2021.
يعد قرار تعديل الجامعة الروسية مثال لما يحدث في التعليم الجامعي الخاص فكلية الإدارة والاقتصاد وتكنولوجيا الأعمال تضم أقسام فنون جميلة وفنون تطبيقية وألسن ولا نعرف ما هي علاقة هذه التخصصات بالإدارة والاقتصاد؟!!! غير أنها مجرد تجارة في التعليم بموافقة ورعاية الحكومة.
لقد أصبح لدينا 27 جامعة حكومية مقابل 40 جامعة خاصة وأهلية ورغم ذلك لا تزال الجامعات الحكومية تستوعب النسبة الأكبر من الطلاب أما الجامعات الخاصة فتستقبل عدد أقل وتستقطب أفضل أساتذة الجامعات الحكومية. ولقد عايشنا خلال السنوات الأخيرة معركة نقابة الأطباء مع الجامعات الخاصة التي تضم كليات طب بعشرات الالاف من الجنيهات ولا يوجد بها مستشفي تعليمي، أو الجامعات التي روجت لكليات العلوم الصحية التي تخرج فنيين صحيين ويتم التسويق لها باعتبارها كليات لتخريج أطباء!!!! وهي تقدم نفس المناهج التي تقدمها كليات العلوم الصحية الحكومية التي تخرج فنيين ولكنه التسويق للتعليم الخاص.
لذلك تحول التعليم في ظل القطاع الخاص إلى تجارة ومشروع ربحي بل أن الدولة نفسها أنشأت شركة مساهمة للإدارة التعليمية وتشارك وزارة التعليم ب 30% من رأسمالها. نتيجة هذه السياسات يتلاشى التعليم المجاني ويصبح تعليم رديء لأبناء الفقراء رغم ارتفاع تكلفته المتوالية والتي تحمل الأسر بأعباء فوق الطاقة، وليصبح التعليم الخاص في جميع المراحل هو تعليم أبناء الطبقة التي تستطيع سداد رسوم بعشرات الالاف في الترم الواحد.
هذه السياسة التي دعمها البنك الدولي ومؤسسات التمويل الدولية هي التي قادت لتردي أوضاع المعلمين وأساتذة الجامعات الحكومية وتردي مستوي التعليم والمزيد من معاناة الأسر المصرية التي كانت تعتمد في عهود سابقة على التعليم كوسيلة للصعود الطبقي. والآن وفي ظل تعدد الأنظمة التعليمية يصبح لدينا تعليم حكومي وتعليم خاص متميز وبتكلفة لا يتحملها الا أبناء الشرائح العليا من الطبقة الرأسمالية ويتحول التعليم الي نشاط تجاري جاذب للمستثمرين ورجال الأعمال لتحقيق أعلي ربحية.