عبد المجيد المهيلمي يكتب: جمال حمدان ومأزق العاصمة
منذ منتصف عقد السبعينات، الذي تحدث عنه العالم الكبير جمال حمدان، وإلى الآن لم تنته مشكلات مصر، بل ربما تفاقمت تلك المشكلات وازدادت عقدتها، لكن وبالرغم من ذلك لم ينقطع تفكير “المسئولين”، على اختلافهم، في حلٍ سحري -من وجهة نظرهم- للمشكلات ويضمن لهم “الخلود التاريخي” في بلد اعتاد أن يحفظ تاريخه على الحجر.
“العاصمة الإدارية” شرقًا، والعلمين الجديدة أو “العاصمة الساحلية” غربًا، هما الحلان السحريان اللذان يبدو أن عقل النظام تفتق عنهما، وأفرزهما جهابذة الإدارة المصرية من أجل الخروج الجذري من مشكلات مصر في التعليم والصحة والزراعة والصناعة.
وإن كان ليس معلومًا أو مُحددًا حتى الآن ما هي قدرة “المُدن” على إنهاء مشكلات دولة، خاصة إذا ما كانت هذه المُدن بلا قواعد اقتصادية ترتكز عليها وتنطلق منها، إلا أن النظام الحاكم يُصر على أن العاصمة الجديدة ستكون انطلاقة جديدة لجمهورية جديدة.
وبينما يصر النظام على المضي قُدما في مشروعه “التاريخي” حسبما يرى، يرجح الخبراء أن يكون ذلك المشروع بلا عوائد اقتصادية ذات جدوى، ويرى آخرون أن تلك المشروعات ما هي إلا “مستنقع” للموارد و”مصيدة للديون”.. ومن يدفع الثمن، هم المصريون.
🛑 أخطاء الموقع الاستراتيجي
“درب” تحدثت مع مصدرين بالقطاع الهندسي للوقوف على الموقع الجغرافي للعاصمة الإدارية، وما إذا كان لذلك الموقع دلالة مُعينة، وما هي مميزات وعيوب الاقتراب من القاهرة الكبرى والسويس، حيث تقع العاصمة الإدارية على بُعد نحو 60 كيلومتر من قلب القاهرة و42 كيلومتر من مدينة العاشر من رمضان، و65 كيلو متر من السويس والعين السخنة.
أحد المصدرين قال إن “الغرض الأساسي من العاصمة الإدارية كان الاستفادة من القطاع العقاري في دعم الاقتصاد، عن طريق تقسيم الأراضي وبيعها فتدر دخلا وموارد للدولة، لذلك كان التركيز على الإسكان فقط، ووفقًا لهذا المنطق فإن المشكلة الأولى التي تعترض المشروع هي قُرب العاصمة من القاهرة، تلك مشكلة كبيرة”.
وأوضح المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه “(القاهرة الجديدة) أنشئت في الأساس لكي تكون (مدينة جديدة) لكن لأنها كانت قريبة من القاهرة الكبرى، وملاصقة لها، ولأنها ليس لها موارد اقتصادية مستقلة، فقد ظلت تعتمد على القاهرة الكبرى حتى أصبحت ضاحية من ضواحيها، وبهذا المنطق يمكن أن نتعبر أن هذا ربما يكون مستقبل العاصمة الإدارية، وهو أن تتحول إلى ضاحية من ضواحي القاهرة وليست مدينة مستقلة بذاتها وفقًا للمفاهيم الأكاديمية”.
وأضاف المهندس الاستشاري قائلا “من حيث الموقع الاستراتيجي، فإن مستقبل هذه المدينة سيكون مرهونًا بالقاهرة الكبرى”.. موضحًا “الاختيار تم بالقرب من القاهرة الكبرى لأن الأسعار ستكون مرتفعة على عكس الاتجاه غربًا على سبيل المثال الذي تنخفض فيه الأسعار كلما ابتعدنا عن القاهرة، ذلك يُعزز فكرة (الدولة المركزية) التي حتى في طرحها للمشروعات الجديدة تظل مرتبطة بالعاصمة الحقيقية وبأسعار الأراضي فيها وبتوفير فرص العمل فيها والخدمات والموارد البشرية”.
وحول استفادة العاصمة الإدارية من قناة السويس ومواردها، قال مصدر هندسي آخر، “نعم، من ضمن ما سيق من مبررات لاختيار الموقع الجغرافي للعاصمة، أنها ستقترب من قناة السويس، وحسب هذا فإنه من المنتظر أن تستفيد هذه العاصمة -وفق ما هو مُخطط لها- من حركة الملاحة في القناة ومن هيئة قناة السويس.. لكن ألم يكن من الأولى -إذا كان هذا هو الغرض- أن تقام العاصمة في السويس أو بورسعيد.. الاعتماد على موارد القناة كقاعدة اقتصادية للمدينة الجديدة هي حُجة ضعيفة للغاية، ربما كان هذا الكلام يُمكن أن يختلف في حال إنشاء المحور اللوجيستي لقناة السويس، لكن حتى هذا المشروع توقف تماما”.
وأضاف “هناك مُدن كاملة تقوم على المحاور الاستراتيجية، في السعودية على سبيل المثال هناك مُدن قامت فقط على “خط بترول” ممتد من الخليج إلى البحر المتوسط، هذا الخط توقف الآن لكن المُدن استمرت، لأن هذه المُدن أنشئت على هذه (القاعدة الاقتصادية)، لكن هذا ليس موجودًا في نموذج العاصمة الإدارية”.
أما عن الاستفادة من عملية إدارة الثروة العقارية في العاصمة الإدارية فقال “هذه الثروة إن حققت اليوم المرجو منها -وهذا مجرد افتراض- فإنه سيأتي عليها يومًا تنضب فيه، ببساطة الأراضي هتخلص وهتتحول لمشروعات عقارية نفترض أنها بيعت بالكامل، طيب الناس اللي كانت شغالة هتروح فين؟ هيروحوا للمدينة اللي بعدها؟ طيب واللي ساكنين في المدينة هيشتغلوا إيه؟ شوف.. مفيش مدينة بتقوم بدون قاعدة اقتصادية حقيقية، والقاعدة الاقتصادية تعني إدارة عملية إنتاجية”.
ولفت المصدر إلى أن ما نمر به الآن ليس “المدى القصير” الذي يمكن أن يُحسب على أساسه عوائد العاصمة الإدارية، موضحًا “المدى القصير يبدأ بالتقريب في حدود خمس سنوات.. في هذا المدى ستتحقق بعض العوائد المادية، وهذا هو ما تراهن عليه الحكومة، مع بداية نقل الإدارات الحكومية وتشغيل الجامعات وما إلى ذلك، لكن على المدى البعيد من الصعب بل يكاد يكون من المستحيل أن تحقق هذه العاصمة ما كان مستهدفًا لها، لأنه في النهاية كل الموارد التي قامت عليها العاصمة ستنضب كما ذكرنا”.