عبد الحفيظ طايل يكتب: التعليم وفقر التعلم في مصر
لا يعني التحاق الطفل بالمدرسة انه بالضرورة قد تعلم , فنسبة لا يستهان بها من الأطفال اللذين يذهبون الي المدارس لا يجيدون المهارات الأساسية للتعليم “القراءة – الكتابة – الحساب – استخدام الكمبيوتر ” وتصل هذه النسبة إلى ما يقارب ثلث الأطفال في المدارس المصرية في أفضل الأحوال بحسب بعض التقارير والدراسات.
http://moe.gov.eg/ccimd/pdf/strategic_plan.pd
http://www.oecd.org/education/skills-beyond-school/44913775.pdf
وتشكل الظاهرة بحسب البنك الدولي وغيره من المؤسسات المهتمة بالتعليم في العالم ظلما كبيرا للأطفال فضلا عن كونها إهدار كبير للفرص الخاصة بالتنمية في المستقبل . فالحكومات التي تفشل في كفالة حق الأفراد في تعليم جيد , شامل , عادل , منصف وديمقراطي ومجاني ،هي حكومات تضحي بالمستقبل . ولا يقل عن ذلك تلك الحكومات التي تفشل في وضع برامج ناجحة لعلاج فقر التعلم
وبالطبع هناك دلائل واضحة عن مؤشرات كثيرة تؤكد تقاعس الحكومات المصرية المتعاقبة منذ عقود عن كفالة الحق في التعليم للمصريين منها :-
البنية التشريعية :-
فرغم ان الدساتير المصرية المتعاقبة وتعديلاتها أقرت الحق في التعليم بالرغم أنها ربطت ذلك دوما بسبب اخر وكما أن التعليم ليس حقا في حد ذاته وزاد عليه دستور 2014 بان خصص نسبة من الناتج القومي الإجمالي للإنفاق علي التعليم , الا ان قانون التعليم العتيق الصادر عام 1981 وتعديلاته التي مر عليها اكثر من دستور مازال يحكم بكل مثالبة علي الحق في التعليم بالموت البطئ , ولنأخذ مثالا علي ذلك في المادة السادسة من قانون التعليم المزكور والتي كان هناك اصراراً عليها في التعديلات التي طرحت وقبرت للقانون.
وتنص المادة السادسة علي ان التربية الدينية مادة أساسية في جميع مراحل التعليم , ثم تضيف انه علي الدولة أن تعقد مسابقات لحفظه القرآن الكريم وتمنحهم جوائز بمقتضاها يقرها المجلس الاعلي للتعليم قبل الجامعي وتؤكد هذه المادة علي ان هناك تمييزا منهجياً ضد الأطفال غير المسلمين فضلا عن ضرب معيار عدالة التعليم في مقتل .
ومن جهة أخرى يعرف الجميع وتعترف الحكومة ان الإنفاق علي التعليم قبل الجامعي والذي كان يجب الا يقل عن 4٪ من الناتج القومي الإجمالي لا يكاد يجاوز نصف هذه النسبة حيث يدور ما بين 1,8٪ و2,3٪ من هذا الناتج (راجع ميزانيات السنوات السابقة)
وهناك مثال آخر هو كل قانون نقابة المهن التعليمية وهو الصادر عام 1969, ولقد انصبت كل التعديلات الخاصة به علي زيادة موارد النقابة ويكفي ان نقول أن هذا القانون مازال يلزم من يريد أن يترشح لاى منصب نقابي أن يكون عضوا عاملا بالاتحاد الاشتراكي العربي متمتعاً بجنسية الجمهورية العربية المتحدة , كما يكفي أن نعرف أن الباب المعنون بحقوق المعلم يحتوي علي مادتين فقط إما واجبات المعلم فقط جاءت في ثماني موارد وأما اللائحة التأديبية فقد جاءت في ستة عشر مادة ويكفي أخيرا القول أن اللائحة الداخلية للنقابة يصدر بشأنها قراراً من وزير التربية والتعليم وهي فضيحة نقابية بكل معني الكلمة
المؤشر الثاني هو الجانب التنفيذي فيما يتعلق بالحق في التعليم , فإذا علمنا ان آلاف القري والمناطق محرومة من كل أشكال المدارس وعددها (2367 قرية) وتحتاج إلى 32544فصلا دراسيا بواقع حوالي 2170 مدرسة تقريبا ، على حساب 15فصلا لكل مدرسة (رغم أن مايروج له من قبل الوزارة عن وجود 22فصلا لكل مدرسة إلا أن حساب عدد الفصول المدرسية الموجودة مقسوما على عدد المباني يجعل المتوسط 15 فصلا للمدرسة –راجع الجدول المرفق-) وان نسبة لا يستهان بها من القرى محرومة من المدارس الثانوية (ربع القري تقريباٌ) بحسب تقارير وتصريحات مسئولي هيئة الأبنية التعليمية ، ويمكن الرجوع الي ذلك عبر موقع هيئة الأبنية التعليمية فضلا عن المدارس التي تحتاج لاعمال الصيانة والمباني المدرسية التي لا تصلح للاستخدام سوف يظهر امامنا حجم الكارثة التي مهدت وتمهد الطريقة أمام المدارس الخاصة لاستغلال حاجة المصريين لتعليم ابنائهم حتي وصل الأمر ان بعض المدارس تفرض رسوما من اجل إجراء اختبارات لقبول الأطفال بها .
وفي تقرير أعده باحثوا المركز المصري للحق في التعليم حول التمييز في التعليم المصري , تأكد لنا ان التعليم في مصر يكاد يكون إدارة للتفرقة بين المصريين علي كل المستويات خاصة ما يرتبط بها بانتماء الأطفال للفئات الهشة في المجتمع كالفقراء وغير المسلمين والفتيات واللاجئين , فضلا عن التمييز ضد العاملين بالتعليم مقارنة بالمهن الإستراتيجية الأخرى ,فضلا عن كون كل معلم مصري , من مجموع 960الف معلم عامل يتحمل أعباء الثلث علي الأقل من جهد معلم أخر نتيجة العجز في أعداد المعلمين , وعن كون متوسط الأجر السنوي للمعلم المصري هو كل اقل من ثلث من اقل اجر مصنف دوليا وهو 6000 دولار سنوياً
إنفوغرافيك.. أعلى وأقل رواتب المعلمين في العالم
ومن المعروف أن كل برامج الخصخصة في مصر اشتملت علي مكونين أساسين اولهما هو هشاشة الوضع النقابي للعاملين وثانيهما هو الهزال الواضح في كل حقوقهم حتي ان بعض العمال في عدد من المجالات فرحوا بالمعاش المبكر ولو لحظات حين ساعدهم علي حل بعض الازمات المؤقتة كتزويج الابنه مثلا.
وما يلخصه الجدول التالي هو نتاج سياسات تسليع وخصخصة الحق في التعليم واستخدامه للتفرقة بين المصريين على أسس مختلفة بل ويمكن القول على كل أساس ممكن.
عدد الأماكن المحرومة من المدارس الثانوي | 10000قرية ومنطقة تقريبا |
عدد المناطق المحرومة من مدارس التعليم الأساسي | 2376 قرية ومنطقة تقريبا |
احتياج المناطق لمدارس التعليم الأساسي | 2170 مدرسة تقريبا ( 32544فصلا) |
عدد المباني المدرسية الحكومية | 25299مبني مدرسي (تستخدم ك 50000مدرسة بسبب تعدد الفترات ووجود أكثر من مدرسة في المبنى الواحد) |
عدد الفصول المدرسية الحكومية | 377654(بموتسط 15فصل لكل مدرسة تقريبا) |
الاحتياج المجتمعي من المباني المدرسية | 25000مبنى بواقع 275000فصل تقريبا |
معدل العجز في المعلمين وفقا للواقع الحالي | 320000معلم تقريبا |
معدل العجز في المعلمين وفقا لما يجب أن يكون | 750000معلم + 320000 =1070000معلم تقريبا |
وهناك تفسيران الأول منهما أن ضعف الاماكنيات والتأخر الاقتصادي ومعدلات فقر الدولة المصرية تقف وراء هذه الانتهاكات والآخر يؤكد أن الخلل في أولويات الإنفاق وسوء التخطيط والإدارة يقفان وراء هذه النتهاكات وهو ما يجعلها انتهاكات ممنهجة ضد الحق في التعليم أنتجت من الأميين أكثر مما أنتجت من المتعلمين.
وعلى الجانب الآخر تقف أزمة فقر التعلم التي أشرنا اليها في بداية هذه القراءة، وهو ما سأتناوله في الجزء الثاني منها.