صبرى الديب يكتب: “المتهمون بامتياز في انقلاب السودان”
للأسف، أن الحقيقة المرة التي يأبى الجميع الاعتراف بها، أن الخطر الذي يهدد السودان في الوقت الحالي يُعد نتيجة طبيعية لخطأ متكرر من أنظمة صنعت من ميليشيات مُسلحة كيانات مُوازية للجيش الوطني، لاستخدامها فى قمع احتجاجات واضطرابات وحركات الانفصالية مسلحة، مثلما حدث تحديد مع “ميليشيا الدعم السريع” التي قررت فجأة الانقلاب على النظام السوداني والاستئثار بالسُلطة.
فبالعودة إلى الوراء قليلًا، سنكتشف أنه عقب سقوط نظام الرئيس جعفر النميري في العام 1985 وتولي المشير عبد الرحمن سوار الذهب مقاليد الحكم، شرع النظام الجديد في تسليح القبائل ذات الأصول العربية في إقليم كردفان، لمعاونة الحكومة الانتقالية في حربها في مواجهة تمرد جنوب السودان، واستمر ذات الحال مع حكومة الصادق المهدي في عام 1986 حيث أصبح لتلك الميليشيات دور في مساندة القوات المسلحة في مواجهة الحركة الشعبية لتحرير السودان في مناطق بحر الغزال وأعالي النيل.
غير أن الغريب في الأمر، أن السُلطات السودانية لم تختر “محمد حمدان دقلو” الشهير بـ”حميدتي” كقائد لقوات الدعم السريع من فراغ، حيث كان قد انخرط منذ صغره في تجارة الإبل والقماش عبر الصحراء بين السودان ومصر وليبيا ومصر، ونحج من خلال تكوينة الثروة الضخمة التى جمعها في تكوين وقيادة ميليشيا شبابية تخصصت في حماية وتأمين القوافل من قطاع الطرق واللصوص، ومما دفع حكومة الخرطوم للاستعانه به لخدمة أغراضها. في قمع حركات التمرد.
واستمرارا لاخطاء أالانظمة المتعاقبة في السودان، فقد توسع نظام الرئيس الأسبق عمر البشير في استخدام “ميليشيا الدعم السريع” في معارك عديدة بالإنابة، مثل مواجهة حركة العدل والمساواة، والحركات المسلحة في دارفور.
ووصل فرط تمسك الأنظمة السودانية المتعاقبة بميليشيا الدعم، إلى إلحاقها بوحدة استخباراتية تابعة لقوات حرس الحدود، ثم نقل في عام 2013 إلى قيادة جهاز الأمن والمخابرات، ووصل الأمر إلى حد سعى الرئيس البشير شخصيا لخلق وضع دستوري وقانوني لها، وقام بالفعل بنقل تبعيتها لرئاسة الجمهورية بموجب قرار جمهوري حمل رقم 351 في أبريل عام 2016.
واستطيع القول أن خطورة البشير كانت بمثابه تحول نوعي في كيان ميليشيا الدعم، حيث باتت قوة مدججه بمختلف أنواع الأسلحة، وتضم نحو 40 الف مقاتل، غير أنها تعاظمت في وقت قياسى ليصل قوامه إلى نحو 100 ألف مقاتل، ينتشرون في كل أنحاء السودان.
غير أنه بعد هدوء الأوضاع في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، تم توجيه نشاط ميليشيا الدعم من قوة لسحق التمرد والجماعات المسلحة، إلى قوة لمكافحة الاتجار بالبشر والمخدرات والهجرة غير الشرعية، وهى الخطوة التي أكسبت “حميدتي” وقواته علاقات جيدة مع عدد من الدول الأوروبية والجهات الدولية.
ومع بداية “عاصفة الحزم” ضد الحوثيين في اليمن في عام 2015، قررت الحكومة السودانية إرسال بعض من ميليشيا الدعم السريع للاشتراك بالحرب إلى جانب القوات السعودية والإماراتية؛ مما فتح آفاقًا جديدة لـ”حميدتي” لإقامة علاقات وطيدة مع العديد من الدول الخليجية.
وفي 18 يناير2017 أقرّ البرلمان السوداني “قانون قوات الدعم السريع” الذي منح قوات “حميدتي” استقلالا كقوة عسكرية تتبع القوات المسلحة السودانية، غير أن القيادة فضلت في ذلك الوقت جعل تبعيتها المباشرة لرئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة.
ويمكن القول أن اسم قائد ميليشيا الدعم السريع قد برز بشكل أكبر على الأحداث في السودان مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد البشير في أبريل 2019، وتحديدا عندما قرر الرئيس استدعاء قوات الدعم للتدخل والسيطرة على التظاهرات، غير أن “حميدتي” انقلب على البشير ورفض مشاركة قواته في قمع السودانيين .
كما رفض “حميدتي” بعد سقوط البشير تولى الفريق عوض بن عوف قيادة المجلس العسكري الانتقالي، وتدخل فيما بعد لدعم الفريق عبد الفتاح البرهان لرئاسة المجلس العسكري الانتقالي، مما دفع البرهان بعد تولي رئاسة المجلس العسكري إلى ترقيته إلى رتبة فريق أول وتعيينه نائبًا له.
للأسف أن الواقع يقول إن كل الأنظمة السودانية منذ سقوط نظام جعفر النميري قد استعانت ودعمت صعود ميليشيا الدعم وقائدها، ومنحتهم فرصة تكوين علاقات دولية، إلى أن وصلت طموحاته حد الاستئثار بالحكم والانقلاب على الجميع.
غير أن الواقع الأهم الآن يقول، أن السودان يعيش بالفعل حرب أهلية نتيجتها الحتمية هزيمة وخراب ودمار للجميع، وإدخال البلاد في نفق مظلم لا مداه إلا الله أرض الواقع.. نسأل الله العافية للسودان والسودانيين.