شيماء سامي تكتب: رائحة العفن تفوح من ثورة الياسمين
في طريقي المفضل إلى البحر من بيتي أمر على شجرة ياسمين، دائما أزهارها على الأرض ساقطة، كلما مررت التقط زهرة ياسمين بيضاء مازالت من وسط باقيات زابلات صفراء أوراقهن. اتشممها وتعيد لي الهدوء مهما كانت حالتي.
اليوم أتشمم عطرها أجده مخالطا لعفن. هذا العفن لا يأتي من الزهرة بل ربما من حنايا قلبي. عفنت أحلامي بداخلي، وقليلا من الحزن غلف كثيرا من الفرح، حتى أضحت الذكرى كل المستقبل، والأمر كله يعطي انطباعا بالعفن.
كم من أمل وحلم وسعي وطريق؟ كم من حيلة ومحاولة؟ كم من صديق ورفيق؟ وكلها إلى زوال! لم أدفن أيا منها، خبأتها بحرص شديد داخل زوايا وأركان مختلفة بعضها في قلبي، بعضها في عقلي، وأخرى في زوايا روحي..
حتى أضحت رائحة الياسمين يخالطها العفن.
ثورة الياسمين ما الثمن الكافي ليتوقف الإنتقام ممن أشعلها وآمن بها؟ شجرة الياسمين لن تكف عن الإزهار مهما سقطت زهور. ألم يعي هذا الحذاء الداهس أن كل هذا العناء لن يوقفها عن الإزهار؟
أحزان ليست عادية ما يحدث، كيف نمر بأزمة مميزة من نوعها، وباء حقيقي يقتل شباب وأطفال وشيوخ، وأزمة اقتصادية تزيد تهديد أمننا رعبا، وفي نفس الوقت بعدما تعلقنا في أمل ساذج أن يكف النظام عن جلدنا، أن يستغل الحدث ويخفف من الخصومة، أن يفرج عن بعض من مسجونين الرأي حتى ولو أخرج غير المعروفين، عشرات ممن يقبعون لازالوا دون أي جريرة حتى أنهم ليسوا معارضين ولا ينشغلوا بالسياسة بأي شكل. إلا أنه ما حدث أنه سلب مزيدا من الحقوق، توقفت جلسات التقاضي، وأصبح بعضهم مسجون خارج إطار القانون مثل المحامي صديقي عمرو إمام الذي مر ميعاد جلسته ولا نعرف حتى اللحظة أمرا عنها وأصبح حبسه قانونا ساقط! وغيره عشرات، والأسوء من لا نعرفهم، هؤلاء المجهولين الذين ينزفون في صمت.
أمهات تبكي على بوابات السجون في حر نهار رمضان لإدخال أدوية ومنظفات لابنائها المحرومين من رؤيتهم.
ومعركة جديدة في ملاحم اصبح يصعب حصدها لعائلة د.ليلى وأ.سيف، بإضراب علاء عبد الفتاح عن الطعام لمنعه من حقوقه القانونية فلا هو يعرض على القضاء ولا يسمح له بإجراء مكالمات هاتفية وتبادل الجوابات مع أسرته بعد منع الزيارات.
وفوق كل هذا الأمن الوطني لازال يخطف من البيوت والشوارع! ألا يكتفي بوباء وحظر وخوف يحاصر البلد والعالم كله يترقب! اختطف أم في أواخر العشرينات من عمرها من حضن طفلتها الرضيعة في فجر يوم لتختفي ولا نعرف عنها خبر! مروة عرفة التي كانت تهتم فقط بالأطفال وبأعانات خيرية وانشغلت حتى عن هذا منذ ولادتها لطفلتها، اختفت لتفطر قلب أحبابها ولا نعرف عنها خبر!
وقبل أن يمر يومان تختطف فتاة أخرى باحثة في مكتبة الإسكندرية من الإسكندرية من بيتها وتختفي هي الأخرى، خلود سعيد طيبة القلب ذكية العقل، تمضي الليالي والأيام على أمها واخيها واحبائها وهم يكادون يفقدون عقولهم لإختفائها بعد اختطافها من قلب بيتهم!
تحدثوننا عن الإرهاب!؟ أي إرهاب؟ هذا الذي واجهناه ببسالة رغم التكفير والتحريض على قتلنا والخوض في أعراضنا! إنما هذا فقد واجهناه وانتهينا، أما إرهابكم فما حله؟ بل يعيد إشعال كافة الفتن والإرهاب فعلكم.
أخبرني صديقي أنه يرى أن جيلنا أفرغ ما في جعبته من حيل وأن دورنا انتهى، يرى صديقي أن نتنحى جانبا. سألني إلى متى؟
قلت له أرى جيدا الحائط وأعلم أن فيه فولاذ أكثر مما فيه من روث، إلا أني سأظل أخبط رأسي به، حتى ينكسر رأسي أو الحائط. لا خيار لدي أخر، حتى ينكسر الحائط أو رأسي.