شيماء حمدي تكتب: نحو أجر عادل ومنصف للصحفيين
مع كل جولة جديدة لانتخابات نقابة الصحفيين يبدأ المرشحون باستخدام عبارات رنانة عن حل أزمات أهل المهنة، وحتمية السعي لايجاد هذه الحلول، وبينما يتسابق المرشحون على مقعد أعضاء المجلس للحديث عن أجور الصحفيين ووضع حد لتدنيها في المؤسسات الصحفية، يسعى المرشحون على مقعد النقيب للحديث عن زيادة بدل التكنولوجيا والمعلومات، وكأن هناك ارتباط وثيق بين الانتخابات وزيادة البدل.
وتبدل الغرض الأساسي من البدل الذي يحصل عليه الصحفي شهريا من نقابته، فبعد أن كان الغرض منه هو تطوير أداء الصحفي ليواكب التطور التكنولوجي والمهني محليًا وعالميًا، أصبح جزء أصيل من دخله الشهري الذي يعتمد عليه بشكل أساسي لسد احتياجاته المعيشية.
إن أجور الصحفيين في مصر تعد من الأقل على مستوى العالم، وفقا لدراسات أجريت خلال السنوات القليلة الماضية، وكان لتحرير سعر الصرف منذ عام 2016 أثاره السلبية على الصحفيين الذين لازالوا يتقاضون نفس الأجور رغم الارتفاع الجنوني المتتالي للأسعار، ما جعلت الأعباء المعيشية تتوالى وتتزايد، الأمر ذاته الذي دفع بعض الصحفيين إلى ترك المهنة والبحث عن أخرى حتى يستطيعون من خلالها توفير حياة كريمة لهم ولأسرهم.
ومن الواضح أن هناك خلل كبير يحاط بأجور الصحفيين، بسبب المؤسسات الصحفية التي توقفت عند حد معين من الأجور واستغلت قلة الفرص أمام الصحفيين من ناحية، وعدم وجود دور نقابي لوضع معايير محددة وسقف واضح لدخول الصحفيين وأجورهم في المؤسسات الصحفية من ناحية أخرى.
وبمقارنة بسيطة بين الأجور التي يتقاضاها الموظفون بالمصالح الحكومية ، وبين التي يتقاضاها الصحفي الذي يعمل بالمؤسسات القومية، نجد أن هناك ظلم بين يقع على الصحفي في الجرائد القومية الذي يحمل نفس المؤهلات العلمية، لكنه لا يحصل على نفس الأجر.
أما المؤسسات الخاصة فهي مرتع لاستغلال الصحفيين، فمن جهة تبقى الرواتب متدنية، لا تتعدى 3000 جنيه، بعد ساعات عمل تتجاوز الـ 8 ساعات يوميا، ومن جهة أخرى يظل الصحفي المتدرب مادة خصبة لاستغلال لتلك المؤسسات التي تستخدم قدرتها على توفير فرصة عمل للصحفي المبتدأ حتى يتمكن من الحصول على كارنيه نقابة الصحفيين، فتقوم بتشعيله مقابل مئات الجنيهات أثناء فترة تدريبه، بل في بعض الأحيان قد لا يحصل الصحفي على اي مقابل.
أما من جهة النقابة فمازال عقد التعيين الذي تحرره المؤسسة الصحفية للصحفي والذي من خلاله يستطيع أن يحصل على كارنيه النقابة يتضمن قيمة الـ 900 جنيها راتب يتقاضاه الصحفي من المؤسسة الصحفية كشرط لقبول النقابة عقد التعيين، وهو مؤشر خطير، حيث أن النقابة نفسها تمنح فرصة عظيمة للمؤسسات الخاصة غير المقيدة بحد أدنى وأقصى للأجور أن تعبث برواتب الصحفيين وتجعلها آخر اهتماماتها، ولذلك من الطبيعي أن تظل رواتب الصحفيين في مثل هذه الأجواء في حالة من التدني.
أتذكر جيدا ما أشار إليه الأستاذ محمد خراجة وكيل نقابة الصحفيين للشؤون الاقتصادية خلال الأشهر الماضية والذي تحدث بجدية عن ضرورة تعديل أجور الصحفيين، في دراسة أعدها، ودعا خلالها لعقد مؤتمر عام للأجور لوضع زيادة الحد الأدنى الأساسي لأجر الصحفي عند تعيينه، وأشار في دراسته إلى ضرورة ربط هذا الحد بما أقرته الحكومة مؤخرا بـ2000 جنيه شهريا، مع العمل على تسوية مرتبات الصحفيين القدامى في ضوء هذه الزيادة، وإجراء التعديلات اللازمة في هيكل الأجور.
وطالب في دراسته أيضا، بضرورة عمل كادر خاص للصحفيين يتضمن الأجر الأساسي للصحفي عند التعيين 2000 جنيه، والصحفي الذي مرّ على تعيينه 3 سنوات يعدل أجره الأساسي بزيادة 20%، والذي مر عليه 5 سنوات 20% بزيادة وهكذا بقية الفترات الزمنية. وأرى أن هناك ضرورة للنظر لهذا المقترح ومناقشته بجدية، أو تقديم حلول بديلة لتعديل الأجور، خلال اجتماعات المجلس سواء الحالي أو القادم الذي سيشكل عقب انتخابات التجديد النصفي في مارس القادم.
كما أرى أنه من الضروري أن يكون هناك مقترح تشريعي يقدم للبرلمان الذي من المنتظر أن ينعقد في القريب يتضمن تعديل لأجور الصحفيين بما يتناسب مستوى المعيشة، من أجل وضع اجتماعي واقتصادي أفضل للصحفيين. فقد يكون تعديل أجور الصحفيين ووضع سقف محدد للحد الأدنى فرصة عظيمة لغلق باب استغلال المؤسسات الصحفية للصحفيين، بالإضافة إلى أنه يفتح باب لعودة الطيور المهاجرة من أبناء المهنة.
ومن خلال تلك السطور أدعو أعضاء مجلس النقابة سواء الحالي أو القادم، إلى ضرورة النظر بجدية إلى أزمات الصحفيين، وضرورة خروج تلك الأزمات من دائرة الشعارات الانتخابية إلى حيز الدراسة وتقديم الحلول.