شهر على الكارثة| عمال ينقبون عن ضحايا تحت ركام انفجار بيروت.. والجيش يعثر على نترات أمونيوم قرب المرفأ.. والأهالي يقاومون لاستعاد الحياة
نقب عمال الإنقاذ وسط أنقاض مبنى منهار في بيروت واستخدموا المجسات اليوم الجمعة، بعد رصد علامات على حياة تحت الركام، مع مرور شهر كامل على الانفجار المروع الذي ألحق دمارا واسعا بالعاصمة اللبنانية.
وقال شاهد من رويترز إن عمالا رفعوا كتلا خرسانية وغير ذلك من حطام المبنى في حي الجميزة السكني بعدما تحدث منقذون يوم الخميس عن رصد علامات على وجود نبض وأنفاس. رجال الانقاذ ينقبون في حطام بيروت بعد علامات على حياة.
وتسبب الانفجار المدمر الذي وقع في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس في وفاة حوالي 190 شخصا وإصابة 6 آلاف، ونجم الانفجار عن كميات هائلة من نترات الأمونيوم المخزنة دون مراعاة لإجراءات السلامة. وفاقم ذلك مشكلات البلاد التي تعاني بالفعل من أزمة اقتصادية طاحنة.
وقال منصور الأسمر وهو متطوع لبناني في أعمال الإنقاذ في موقع البحث “الآلة تقول إن في شخص حي.. رصدت نبضات قلب، والكلب يحس بوجود جثة في نفس النقطة. هذا هو الوضع ونبحث للتأكد”، وجرت الاستعانة برافعة يوم الجمعة للمساعدة في رفع عوارض الفولاذ وكتل الحطام الثقيلة الأخرى في منطقة البحث.
وتجمع سكان في منطقة قريبة على أمل العثور على ناجين بينما عبر بعضهم عن الشعور بالإحباط لعدم بذل جهود كافية من قبل للعثور على ناجين.
وقالت ستيفاني بوشديد وهي متطوعة في مجموعة تساعد ضحايا الانفجار “الحكومة لا مبالية بالكامل .. غائبة تماما”، وقال محمد خوري (65 عاما) قرب موقع البحث إنه يأمل في العثور على ناجين أو العثور حتى على جثث. وأضاف “مهم أنه تعثر أسرهم على السكينة”.
وخرب الانفجار قطاعات واسعة من العاصمة ودمر أحياء مثل الجميزة بمبانيه التقليدية الكثيرة التي تهدم بعضها بتأثير الهزة القوية، وضم فريق الإنقاذ متطوعين من تشيلي، إلى جانب متطوعين لبنانيين وأفرادا من الدفاع المدني.
وأظهرت لقطات بثتها محطة تلفزيون محلية المنقذين وهم يستخدمون معدات مسح لتشكيل صور ثلاثية الأبعاد للحطام في محاولة لتحديد موقع أي إنسان على قيد الحياة، وكان بالمبنى الذي تجري أعمال البحث بين أنقاضه حانة في الطابق الأرضي.
ودعا الجيش اللبناني إلى الوقوف دقيقة حداد في الساعة 6.07 مساء بالتوقيت المحلي (1507 بتوقيت جرينتش) يوم الجمعة في ذكرى مرور شهر على الانفجار.
وقال الجيش اللبناني أمس الخميس إنه عثر على 4.35 طن من نترات الأمونيوم قرب مدخل مرفأ بيروت الذي شهد انفجارا ضخما الشهر الماضي بسبب تخزين كمية كبيرة من هذه المادة.
ونقلت الوكالة الوطنية للإعلام بيانا للجيش جاء فيه أن وحدات من فوج الهندسة تعمل على “معالجة” الكمية التي تم الكشف عنها، وأضاف أنه تم العثور على المواد الكيماوية خارج المرفأ قرب المدخل رقم 9.
وتسبب انفجار المرفأ يوم 4 من أغسطس في مقتل حوالي 190 شخصا، وقالت السلطات إنه نجم عن تخزين نحو 2750 طنا من نترات الأمونيوم في ظروف غير آمنة في مستودع بالمرفأ لسنوات، وسوى الانفجار أحياء بأكملها بالأرض، وأدى إلى تدمير مبان وإصابة ستة آلاف شخص.
واستقالت الحكومة اللبنانية وسط غضب شعبي في بلد يرزح بالفعل تحت وطأة أزمة اقتصادية، ولا يزال الرأي العام قلقا من احتمال أن يكون المزيد من المواد الخطرة مخزنا بطريقة سيئة، ما يعرضهم للخطر.
وفي وقت سابق، أمر الرئيس ميشال عون بإجراء إصلاحات على البنية التحتية القديمة للتزود بالوقود في مطار بيروت ودعا إلى إجراء تحقيق في تقرير عن تسرب آلاف اللترات من الوقود من المنظومة.
وقال رئيس مطار بيروت فادي الحسن في مؤتمر صحفي إن 84 ألف لتر من الوقود تسربت في مارس 2019، وإن الإصلاحات اكتملت في شهرين.
وأضاف أن محققين دوليين وصفوا الإصلاحات بأنها “مرضية”، وزادت أنباء التسريب المخاوف بشأن السلامة العامة، وقال الحسن في المؤتمر الصحفي “لا انفجار بانتظارنا”.
ويحاول سكان العاصمة اللبنانية استئناف أنشطتهم المعتادة بعد انقضاء شهر على الانفجار، وبالرغم من الألم والفاجعة التي ألمت بهم، يقول البيروتيون إنهم مجبرون على “المقاومة” في معركة من أجل الحياة.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية، عن كلوديت (60 عاما) قولها من داخل محلها في شارع الجميزة المجاور لمار مخايل: “تدمّر كل شيء هنا، لكنني قررت البدء من جديد، لأنه ليس لدي خيار آخر”.
وتضيف: “زوجي لا يعمل، وابني طرد من عمله بسبب الأزمة الاقتصادية، لديه ولدان وإيجار منزل وأنا مضطرة لمساعدته” في خضم أسوأ انهيار اقتصادي تشهده البلاد منذ العام الماضي حرم عشرات الآلاف من وظائفهم أو جزءا من مداخيلهم.
وتمكنت بعض المحال من إعادة فتح أبوابها في الشارع الذي يعد بين الأكثر تضررا جراء انفجار المرفأ المواجه. وتكفلت منظمة غير حكومية باستبدال واجهة محل كلوديت المحطمة بأخرى جديدة، بينما تولّت هي كلفة إصلاح ماكينة الخياطة.
ومنذ الحادث المروع، يعمل أفراد منظمات ومتطوعون وعمال كخلية نحل في الأحياء التي لحقها الدمار، يحصون الأضرار ويوزعون المساعدات والمواد الغذائية التي تتدفق إلى لبنان من دول عدة ويساعدون السكان على استبدال أبواب منازلهم ونوافذها، وتخشى كلوديت أن تكون قد خسرت زبائنها، وتقول “غالبيتهم كانوا يعيشون هنا في الشارع، ومعظمهم غادروا. أخشى ألا يعودوا”.
وعلى بعد أمتار من محلها، تفوح رائحة شطائر الزعتر المخبوزة في فرن أعاد فتح أبوابه بعد تأهيله من الصفر جراء أضرار كبيرة لحقت به.
ويقول مالك الفرن حكمت قاعي “نحاول قدر المستطاع أن نستعيد الحياة لسبب واحد، وهو أنه يبقى لدينا أمل بهذا البلد وبالمستقبل بالرغم من كل شيء”، ويصف ما يقوم به بفعل “مقاومة”.
وقدر البنك الدولي قيمة الأضرار والخسائر الاقتصادية الناتجة عن الانفجار بأنها تتراوح بين 6,7 و8,1 مليارات دولار، بينما يحتاج لبنان بشكل عاجل إلى ما بين 605 و760 مليون دولار للنهوض مجددا.
وقبل الانفجار، كان شارع الجميزة المعروف بأبنيته ذات الطابع التراثي وبمقاهيه وحاناته، ينبض بالحياة وبزحمة لا تتوقف ليلا نهارا. واليوم، بالرغم من رفع الركام من بعض نواحيه وإزالة أطنان الزجاج الذي تطاير في كل ناحية وصوب، لا يزال يفتقد حيويته المعهودة.
ولم تسلم “قهوة إيمان” التي تقع في زقاق متفرع عن الشارع الرئيسي، من الانفجار الذي ألحق أضرارا كبيرة بها طالت تجهيزات المطبخ الرئيسية.
ويوضح محسن الذي يتولى إدارة المقهى أن القيمين على المكان، وبعد إجراء أعمال تأهيل طفيفة، يكتفون حاليا بتقديم السندويشات، إذ إن هناك وجبات لا يقدرون على إعدادها بعد. ويقول ههنا “يسير أعمالنا اليوم المتطوعون والجمعيات”، مضيفا “هم من يأتون إلينا لتناول الطعام”.
أما في شارع مار مخايل، فيقول شاب جلس مع أصدقاء في إحدى الحانات القليلة التي فتحت أبوابها، “هذه طريقتنا في المقاومة، سنواصل، الاحتفال بالحياة”.
وشرد الانفجار نحو 300 ألف من سكان بيروت بعد تضرر منازلهم أو دمارها وانقطاع الخدمات الأساسية عنها.
وفي حانة أخرى عُلقت على واجهتها صورة روان، وهي نادلة قضت في الانفجار وتصدرت قصتها وسائل الإعلام بعدما بكتها عائلتها وصديقاتها، يعاود بعض الزبائن التردّد إلى المكان بعد فتح أبوابه وإصلاح الأضرار.
ويوضح مالك الحانة إيلي خوري “لم نُعِد فتح أبوابنا من أجل جني المال، أعدنا فتحها لنظهر أن الحياة يجب أن تستمر، إنها رسالة حياة”.
وتابع إيلي “تعرضنا في تاريخنا لحرب وقصف وانفجارات. وفي كل مرة كنا ننهض من جديد وسنواصل فعل ذلك. إنها معركتنا، وهي معركة وجود”.