شمعة عيد ميلادها تنتظرها.. رسالة مؤلمة من إسراء عبدالفتاح في يوم ميلادها: أقصى طموحي ترجع الجلسات عشان أشوف ناس تانية
شقيقة إسراء: نعيش 9 أشهر من الكابوس بغيابك.. لن أفقد الأمل في انتظارك في كل مناسبة.. عزاؤنا في عدل السماء
شيماء: لم نر شقيقتي منذ 4 أشهر.. ووالدتي تقاوم حزنها بالصلاة والدعاء.. وطابور الـ4″ ساعات انتظار” أسوأ ما نعانيه في الزيارات
محمود هاشم
كعادتهم في مثل هذا اليوم من كل عام، تجمع أصدقاء وأسرة الصحفية والناشطة المدافعة عن حقوق الإنسان إسراء عبدالفتاح، في أجواء تسودها البهجة على طاولة الاحتفال بذكرى ميلادها، أعدوا الزينة وجهزوا الشموع وكعكة الاحتفال، وبدأوا في إغلاق الأنوار منتظرين عودتها لإطفاء شمعة سنة جديدة من عمرها، لكنها لن تستطيع الحضور هذه المرة، حيث تقضي ليلتها مستكملة حبسها الاحتياطي الذي تخطى 9 أشهر حتى الآن، خلف قضبان سجن القناطر، بعيدة عنهم وبعيدون عنها.
مشهد تخيلي، لكنه يبدو أقرب كثيرا إلى الواقع الذي تعيشه وتشعر به إسراء وأسرتها وأحباؤها في هذا اليوم، بعد القبض عليها في منتصف شهر أكتوبر من العام الماضي، وتجديد حبسها 10 مرات من هذا التاريخ، على ذمة القضية رقم 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، متهمة بـ”إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ونشر أخبار كاذبة ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها”.
في السابعة من مساء 12 أكتوبر، اختطف رجال أمن بزي مدني، يحملون أسلحة وأجهزة لاسلكية إسراء من سيارتها من أحد شوارع حي الدقي، وتم اقتيادها إلى مقر احتجاز غير قانوني، ولم تتمكن أسرتها وأصدقاؤها أو محاموها من التواصل معها، أو تلقي أي معلومات حول مكان احتجازها، إلا بعد مرور 24 ساعة، حين ظهرت في نيابة أمن الدولة العليا على ذمة القضية، وفقا لأسرتها.
وكشفت أسرة إسراء عن تعرضها للتعذيب لمدة ٢٠ ساعة، حيث تم الاعتداء عليها بالضرب المبرح وخنقها عدة مرات وتهديدها بالصعق الكهربائي، فضلا عن تركها لمدة 8 ساعات مقيدة إلى الحائط في وضع الوقوف (ربط يديها فوق رأسها وربط قدميها)، فقط للحصول على كلمة السر الخاصة بهاتفها المحمول
وبحسب شهادات، عرضت إسراء على النيابة وعلى جسدها آثار تعذيب في أماكن مختلفة، ما أثبتته في تحقيق النيابة، معلنة إضرابها عن الطعام بسبب ما تعرضت له من انتهاكات في مقر الاحتجاز غير القانوني، وقررت النيابة حبسها 15 يومًا على ذمة التحقيقات”، وبعد ظهورها في نيابة أمن الدولة في عصر اليوم التالي للاعتقال، أعلنت إضرابها عن الطعام، والذي استمر لمدة 40 يوما، للمطالبة بالتحقيق معها كمجني عليها والتحقيق مع الضباط المتهمين بتعذيبها.
وعن ذكرى ميلاد إسراء، تقول شقيقتها شيماء عبدالفتاح لـ”درب”: “الأمر لم يمر علينا سهلا هذه المرة، ففي مثل هذا اليوم من كل عام، كانت إسراء تحضر من القاهرة لكي نحتفل بعيد ميلادها، الذي يصادف عيد ميلاد ابني عمر، في أجواء عائلية مرحة، لكن ذلك لم يعد ممكنا هذه المرة، كما افتقدنا وجودها معنا في رمضان الماضي وفي عيد الفطر والمناسبات الأخرى، التي منعنا ومنعها السجن من الوجود بجانبنا فيها”.
وتضيف: “منذ 4 أشهر لم نر شقيقتي بعد تطبيق قرار منع زيارات المسجونين، على خلفية وباء فيروس كورونا، إلا أنه يسمح لنا بتلقي رسائل منها كل أسبوعين أو شهر، آخرها في أول يوليو الحالي”.
في 3 يوليو الحالي كان من المقرر نظر جلسة تجديد حبس الصحفية الزميلة، إلا أنه صدر القرار بتأجيل القضية حتى 19 من الشهر نفسه، من دون حضورها، لكن شيماء لا تجد تفسيرا لواقعة القبض على شقيقتها، أو طول مدة حبسها حتى الآن دون تهم واضحة أو جلسات قضائية أو وضع قانوني مفهوم، وفق حديثها.
وتابعت إسراء: “نعيش في 9 أشهر من الكابوس منذ القبض عليها، كانت والدتي منهارة في باديء الأمر، وتقاوم حزنها بالصلاة والدعاء، وأسوأ ما نعانيه في كل زيارة هو طول فترة الانتظار، والطوابير التي نقف فيها طوال 4 ساعات أو أكثر في كل مرة قبل دخولنا لإيصال الزيارات لها”.
وباتت الصحفية في جريدة التحرير والناشطة المدافعة عن حقوق الإنسان ممنوعة من السفر منذ 13 من يناير عام 2015 لاتهامها في قضية “التمويل الأجنبي” لمنظمات المجتمع المدني، حيث مُنعت من مغادرة البلاد عندما كانت تنهي إجراءات السفر إلى ألمانيا في مطار القاهرة الدولي، ورفضت السلطات القضائية أكثر من التماس تقدمت به إسراء للسماح لها بالسفر.
في رسالتيها في فبراير الماضي، كتبت إسراء من سجن القناطر، قائلة: “يولد الأمل من رحم الآلام، فاسترجعوا لحظات الأمل وافتخروا بها دوما، فالعدل والحق والحرية قادمين لا محالة”، وأضافت: بِحُبِكم تمر عليَّ ليالى السجن دعماً وسندًا وفخراً، كل عيد حب وأمى وأهلى وأصحابى وكل من وقف فى ظهرى بخير وسعادة، وإلى لقاء قريب مهما بَعُد”.
أما رسالتها الأخيرة، بحسب ما تروي شقيقتها، كانت مختلفة بعض الشيء عن سابقاتها وتحمل بعضا من المرارة، وقالت فيها: “أنا زهقت ويأست وفقدت الأمل في خروجي قريبا، مش عارفة هخرج إمتى، وأقصى طموحاتي الجلسات ترجع علشان أقدر أشوف ناس تانية غير اللي بشوفها كل يوم”، داعية أسرتها للتوقف عن زيارتها في الفترة الحالية إشفاقا عليهم من المسافة التي يقطعونها والمشقة التي يتحملونها لمحاولة رؤيتها، وعودتهم في كل مرة دون استطاعة الاطمئنان عليها.
واستكملت في رسالة لشقيقتها عبر “درب”: “كنت أتمنى أن تكوني معنا اليوم، لكنني لن أفقد الأمل في انتظارك في كل مناسبة، وآمل أن تخرجي لنا قريبا في عيد الأضحى المقبل أو في أقرب تاريخ، وعزاؤنا أن عدل السماء أكبر وأسرع من عدل الأرض”.
ومنذ 7 سنوات، فضلت إسراء الابتعاد عن العمل العام والتفرغ لوظيفتها الحالية كمسئولة عن قسم السوشيال ميديا بموقع “التحرير الإخباري”، وكان آخر منشور لها بشأن قضية سياسية أو حقوقية بتاريخ 5 أغسطس الماضي عبر حسابها على “فيسبوك”، وتحدثت فيه عن أزمة حجب المواقع الصحفي.
في تصريح سابق لموقع “بي بي سي” بعد يومين من الواقعة، قال الصحفي والناشط السياسي محمد صلاح، الذي كان موجودا مع إسراء في أثناء القبض عليها وألقي القبض عليه لاحقا في القضية نفسها، إنه لا يعلم سبب اعتقالها، لكنه يعتقد أن إسراء كأحد أبرز الناشطين الذين شاركوا في ثورة 25 يناير عام 2011 “محط مراقبة واهتمام من الأجهزة الأمنية”، وألقي القبض عليها لتقديمها “كبش فداء” إلى مسؤولي النظام بعد أن “فشلت هذه الأجهزة في منع التظاهرات المعارضة”، التي خرجت ضد الرئيس عبدالفتاح السيسي في 20 سبتمبر الماضي.
وأوضح صلاح أن إسراء انضمت لقائمة طويلة من الأسماء التي ألقي القبض عليها على “سبيل تخويف الشباب وقيادات المعارضة لعدم تكرار النزول في مظاهرات ضد النظام”، على حد قوله.
ومؤخرا، يتم تجديد حبس إسراء وزملائها دوريا من دون حضورهم أو محامييهم، بسبب قرار تعطيل الجلسات في النيابات والمحاكم ضمن إجراءات مواجهة فيروس كورونا.
وقالت شيماء، في تصريحات سابقة، إن النيابة لم تستجب لطلب المحامين بفتح تحقيق في واقعة تعذيب أختها، على الرغم من إضرابها لمدة تجاوزت الـ40 يوما، نقلت خلالها مرات عدة لمستشفى السجن.
وأضافت: “لم أتمكن من الانفراد بها منذ احتجازها، دائما ما يحضر الزيارة أكثر من فرد أمن، أحيانا يجلسوننا متواجهتين كلا منا على أريكة منفصلة، وأحيانا أخرى يضعون هاتفا محمولا لتسجيل حديثنا”، متمنية إخلاء سبيل شقيقتها والمحبوسين احتياطيا تجنبا لكارثة حقيقية ستودي بحياة الكثيرين، في حالة انتقال فيروس كورونا بكل كبير للسجون.
وفي نهاية مارس الماضي، دعت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين الحكومات لإطلاق سراح جميع الصحفيين المحتجزين في السجون، على الفور ، في ظل تخوفات من إصابتهم داخل أماكن احتجازهم بفيروس كورونا المستجد.
وأطلقت اللجنة عريضة لجمع توقيعات من الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، للمطالبة بإطلاق سراح أكثر من 250 صحفيا محتجزا في العالم كله.
وقالت المنظمة، في بيان لها، إن حرية الصحفيين المحبوسين، خاصة في البلدان المتضررة من الفيروس، أصبحت مسألة حياة أو موت، حيث لا يمكنهم التحكم في محيطهم، ولا يمكنهم اختيار العزل، وغالبا ما يحرمون من الرعاية الطبية.
وتأتي مطالبات اللجنة ضمن حملة مطالبات عالمية ومحلية بإطلاق سراح المحبوسين احتياطيا وسجناء الرأي والمسجونين من المرضى وكبار السن الأكثر عرضة لخطر الإصابة بكورونا.
وكانت عدة دول في العالم بينها إيران والبحرين وأمريكا والسودان وأفغانستان، أطلقت سراح عشرات الآلاف من السجناء كجزء من الإجراءات الاحترازية لمواجهة تفشي وباء كورونا.
كما دعا المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان روبرت كولفيل، في أبريل الماضي، الحكومة المصرية إلى أن تحذو حذو الدول الأخرى في مختلف أنحاء العالم ممن أطلقوا سراح المدانين بارتكاب جرائم غير عنيفة وأولئك الذين هم رهن الاعتقال السابق للمحاكمة، والذين يشكلون أقل من ثلث من هم في السجن.
وقال كولفيل “من بين الذين نوصي بالإفراج عنهم المعتقلين الإداريين وأولئك الذين يتم احتجازهم بشكل تعسفي بسبب عملهم السياسي أو في مجال حقوق الإنسان، كما أننا قلقون للغاية بشأن اكتظاظ السجون في مصر وخطر الانتشار السريع لفيروس كورونا بين أكثر من 114000 سجين في البلاد”.
وتابع: “عادة ما تكون السجون ومراكز الاعتقال في مصر مكتظة وغير صحية وتعاني من نقص الموارد. يُمنع المعتقلون بشكل روتيني من الحصول على رعاية طبية وعلاج ملائمين، كما يساورنا القلق من تقارير وصلتنا أن الحكومة تعمد إلى قمع الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي ، وإسكات عمل المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين”.