“سيرة القاهرة”.. مبادرة شبابية لإزالة آثار الإهمال من على وجه تراث المحروسة (صور)
تزخر القاهرة التاريخية بآثارها المعمارية الفريدة، التي ما تزال شاهدة على عراقتها الممتدة منذ مئات السنين، إلا أن هذا التراث المتنوع طالته أيدي الإهمال والتجاهل والنسيان، حتى بات مجرد أحجار ومبان متهالكة وكأنها تعبر عن الحال الذي وصلنا إليه في تقدير الجمال والقيمة الفنية.
في المعتاد، تتركز الأنشطة الأثرية على جولات للتعريف بالتراث أو عمليات ترميم، دون تركيز الاهتمام على طبيعة وحال الآثر نفسه بعد مرور كل هذه السنوات، إلا أن مجموعة من الشباب من عاشقي ودارسي التراث المصري والقاهرة التاريخية، قرروا السير في اتجاه آخر مكمل لهذه التحركات بتأسيسي مبادرة مجتمعية باسم “سيرة القاهرة” للحفاظ على تراث العاصمة وإعادة إحياء الأثر وحمايته وتوعية الأهالى المحيطين به.
بدأ الشباب نشاطهم بشكل تطوعي، وهم مستمرون في ذلك إلى الآن، كما تشجعوا لتأسيس صفحة للمبادرة على موقع “فيسبوك”، بعد أن رأوا أهمية وجود مساحة تجمع بين المتطوعين لخدمة تراثنا العريق والمتراكم فى أنحاء العاصمة، خاصة بعد تنظيف وحماية قبة الحصواتى (أثر فاطمى منذ ١١٥٠ م) بمنطقة الإمام الشافعى من القمامة والأتربة.
ووجد أعضاء المبادرة في الصفحة بادرة ووسيلة هامة للنشر والترتيب، لحماية وإنقاذ نماذج أخرى بشكل تطوعى ومجهودات ذاتية تحت اسم (مبادرة سيرة القاهرة للحفاظ على تراث العاصمة).
السبت الماضي، نفذ فريق مبادرة “سيرة القاهرة” أعمال تنظيف سبيل الأمير حسن أغا أرزنكلي الكائن بشارع تحت الربع -أحمد ماهر حالياً- في حي الدرب الأحمر بالقاهرة، بمساعدة عدد من أهالي المنطقة.
عمليات التنظيف بدأت بتقسيم المتطوعين لإزالة القمامة المتراكمة حول واجهة السبيل، وتنظيف الأرضية ذات البلاطات الحجرية وأماكن الإضاءة من الأتربة، كما تمت إزالة الأتربة المتراكمة على الأرضيات وعلى باب الدخول والضُلَف الخشبية بشبابيك التسبيل.
كما أزيلت الأتربة على اللوحات الكتابية الملونة خلفيّتُها والمذهبة كتاباتها بشكل دقيق باستخدام الفُرش الناعمة، لتظهر بألوانها الزاهية وتذهيب كلماتها باللغة التركية العثمانية، وعكف المتطوعون على تنظيف شبابيك التسبيل الثلاثة من الخارج عدة مرات ، فعاد للسبيل الكثير من بهائه القديم.
وفي هذه الأثناء، تم تقليم بعض الشجر والنخيل لإظهار السبيل من الشارع حيث كان يختفي وراءها، كما أزيلت الأتربة من على السور الحديدي الحديث الذي يحيط بالسبيل من واجهته المطلة على الشارع.
ويتواصل أعضاء المبادرة مع قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بالمجلس الأعلى للآثار لاستخراج التصاريح اللازمة لعمليات التنظيف والحماية لعدد من الآثار الإسلامية المُقترحة بالقاهرة التى تحتاج إلى عناية فورية، حيث امتلأت بالقمامة والرديم، وأيضاً لتوعية الأهالى من القاطنين بجوار الآثر وإشراكهم معنا سعياً لمفهوم الاستدامة، وحتى لا يصبح الأثر مأوى أو مكب للقمامة مرة أخرى.
كما تتم أعمال التنظيف والترميم التي ينفذها أعضاء المبادرة، في وجود مفتشي للآثار المختصين بالأماكن الأثرية نفسها، ضمن التعاون مع وزارة السياحة والآثار، لكن الأمر لا يقتصر على هذه المجهودات، حيث يتطوع شباب المبادرة بتقديم تقارير للجهات المسؤولة عن أوضاع هذه الأماكن الأثرية ومدى حاجتها للتطوير أو الترميم، فضلا عن استدامة نظافة الأثر.
كما لا يقتصر اهتمام المبادرة على الآثار الإسلامية فقط، بل يمتد إلى مثيلتيها القبطية واليهودية أيضا، بمجهودات ذاتية، ومشاركات من أهالي هذه المناطق، الذين أبدى عدد منهم رغبتهم في التطوع ضمن أنشطة “سيرة القاهرة” لإعادة العاصمة التاريخية إلى مكانتها التي تستحقها.