سناء سيف تكتب عن الكتب والسجن وعشوائية العقل وضابط الأمن الوطني: غداً سأنجو.. لبضع ساعات
نشرت صفحة “الحرية لعلاء عبدالفتاح”، مقالا للناشطة سناء سيف المحبوسة احتياطيا في سجن القناطر على ذمة القضية رقم 12499 لسنة 2020 جنح التجمع الأول، والمقيدة برقم 659 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، كشفت فيه عن تفاصيل أوضاعها داخل السجن.
وتطرقت سناء في مقالها إلى الأسئلة التي ما تزال تؤرق العالم خارج أسوار الزنزانة ومعاناتها للتأقلم – الإجباري – داخلها، وممارسات أحد ضباط الأمني الوطني في التأثير على معنوياتها، ومناوراته الكلامية للسماح بدخول كتبها تارة ومنعها تارة أخرى، وتفاوضها على مجرد ورقة وقلم للكتابة بهما.
لم يخل حوار الضابط مع سناء من الحديث عن “العمارة – السجن – التي لا أساس لها”، وتعاملها مع جارها – الضابط – جبرًا، وعن لافتة سيعلقها على بوابة السجن مكتوب عليها: “أمن الدولة مبيتلويش دراعه”، آملة أن تنتهي معاناتها اخل محبسها بالنجاة في يوم ما، ولو لبضع ساعات.
وإلى نص المقال:
جلست أتأمل الكتاب أمامي fantastic beasts and how to find them انتصاري الوحيد لذلك الأسبوع. لم أنجح في الدخول بسواه. رأيت كتاب Python كان بإمكاني أن أمد يدي وأنتشله. تصفحه ضابط الأمن الوطني لعدة ثوان ثم اتخذ قراره سريعا، لا يصلح للدخول مثل الجواب.
يستقر الكتاب الآن على مكتب رئيس المباحث ضمن كومة كتب أخرى على بعد أمتار مني. في كل مرة دخلت فيها ذلك المكتب كانت تراودني الفكرة ذاتها. ماذا لو انتشلت كتاباً وأصررت على الدخول به؟ ماذا لو هربت من التريض على المكتب وسرقت كتابين؟ أو ربما عند عودتي من إحدى جلسات استكمال التحقيق التي بدت كأنها لن تنتهي. ماذا سيحدث اذاً؟ سيوصمونني بالجنون، حرامية كتب؟! أم سيفتح لي قضية جديدة من الداخل؟ تروق لي تلك الفكرة، ربما ينبغي على سرقة كتبي منهم فعلاً، ستكون قضية تافهة تليق بوضعي الحالي.
أتوقف لحظة لأتأمل حبل أفكاري. متى أصبحت الحياة بهذا القدر من السفاهة؟ يتمحور يومي حول تفاصيل ساذجة، ينبغي لها أن تكون بسيطة، لكنها أبعد ما تكون عن البساطة. أخلق لنفسي أهدافاً من العدم تبقيني متطلعة لليوم التالي، متى تعلمت هذا الأسلوب في التأقلم؟ هل هذه هي الطريقة المثلى للتأقلم مع السجن؟ أم إنني أتبنى أساليب غير صحية ستدفعني رويداً إلى الجنون؟ ولماذا أشغل نفسي بما هو صحي وأنا هنا غارقة في العدم؟! وعلاء! هل يستمر في خلق حيل للتأقلم؟ أشعر كأن رأسي سينفجر من كثرة التفكير في اللا شيء وأحاول أن أتذكر: ما الذي كان ينشغل به عقلي قبل أن أصل هنا؟
كنا غارقين في أسئلة حول شكل العالم مع وباء كوفيد 19. أسئلة مثيرة ومؤرقة. هل نتطلع لعالم جديد تلعب فيه التكنولوجيا دوراً أكبر في التواصل والإنتاج المشترك؟ أم نخشى من عالم يزداد فيه تضاؤل مساحات الخصوصية مع كثرة مبررات الرصد والرقابة الحكومية؟ ونحن المؤمنون بالثقافة الحرة ولا مركزة الشبكات وإتاحة التكنولوجيا للجميع، ما هو دورنا في ذلك السياق الجديد؟ ومصر، ودول العالم الثالث، ماذا سيحدث لنا في ظل تلك التحديات؟ هل هذه الأسئلة مازالت تؤرقكم في الخارج؟ أم أنكم تجاوزتموها أثناء انشغالي هنا بالتفاوض على ورقة وقلم أكتب بهما حالياً؟
أعود لكتابي. إنه يتكون من 293 صفحة فقط. لن أجازف بقراءته اليوم، ولا زلنا في مطلع الأسبوع وربما لن يدخل لي غيره مع الزيارة القادمة. ربما لا، وربما نعم، لا أعلم.
قالها لي الضابط: “اعتبري نفسك في عمارة قاعدة فيها غصب عنك وأنا جارك هتتعاملي معايا بردو غصب عنك. أنت مشكلتك أنك فاكرة أن العمارة ليها أساس لكن مفيش أساس. المرة دي هدخل لك كتاب، ممكن المرة الجاية أمنع الكتب، ويمكن أسمح بجواب.”
أخذ يستطرد في صور وتشبيهات متفرقة. حدثني عن الحرب التي تظن أنك تتقدم فيها خطوات، لكنك في حقيقة الأمر ثابت في مكانك، وعن نصف الكوب الممتلئ الذي لا أراه، وعن لافتة سيعلقها على بوابة السجن مكتوب عليها: “أمن الدولة مبيتلويش دراعه”، حتى لا أنسى لأني كثيرة النسيان وغبية. وعن القانون الذي لا يسري علي ولا عليه، وعن لقائنا الذي لا شاهد عليه غير الله.
ولسبب ما بدأ حديثه بـ”لو صبر القاتل على المقتول” وانتظر مني أن أكمل المثل، أخذت الصور تتدافع في ذهني. بناية هشة، جار غير مرغوب فيه، حارس عقار لا حول له ولا قوة، كوب يبدو للبعض فارغا وللبعض نصف ممتلئ، قاتل لم يصبر ، شأن داخلي وشأن خارجي، لكل من الجار وحارس العقار اختصاصه.
تهت في محاولة البحث عن منطق لتسلسل تلك الصور. ثم راودتني فكرة مرعبة، مؤخراً، أصبح حبل أفكاري يتسم أيضاً بالعشوائية! هل هي طبيعة المكان؟ هل هذا مصير كل من يسكن تلك البناية التي تقع خارج حدود المنطق والزمن والوباء؟
أخيراً شعرت بالنعاس، أنهكت عقلي بالتأمل في اللاشئ ومر الوقت. سأخلد للنوم متطلعة لغد أقرأ فيه كتابي. غداً سأطرد تلك الصور الركيكة التي احتل بها خيالي. غداً سأنجو.. لبضع ساعات.
*ملحوظة: ضابط الأمن الوطني المعني ظهر في أول زيارة لسناء من أختها منى، لكن في الزيارة التالية لوالدتها حضرها ضابط مختلف.