سرت تدق طبول الحرب.. قوات حفتر والوفاق تحتشدان لمعركة “الخط الأحمر”.. وخبير: المعركة تنتظر ضغطة زر و”الهلال النفطي” الهدف الأكبر
كتب- محمود هاشم:
باتت الحرب في مدينة سرت بين قوات الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر من جهة وقوات حكومة الوفاق المدعومة من تركيا من جهة أخرى، أقرب من أي وقت مضى بعد حشد الطرفين قواتهما في محيط جبهة القتال، في الوقت الذي حذرت جهات عربية وأممية من خطورة الخطوة التي من شأنها زيادة تعقيد الأوضاع في الدولة التي تعاني انقساما وأعمالا إرهابية طوال سنوات.
ويرى الخبير في الشأن الليبي والكاتب الصحفي في جريدة الشرق الأوسط اللندنية جمال جوهر، أن الوضع الآن بات متأزما بشكل واضح، وينتظر ضغطة زر، خاصة أن الجبهات المتواجهة حشدت قواتها منذ ما يقارب شهر ونصف وهذا الحشد في تصاعد مستمر، وهناك أسلحة نوعية دخلت المعركة بشكل كبير، لكن حتى الآن يصعب الجزم باستطاعة أي فريق حسم الانتصار، لأنها معركة تكسير عظام ومن يستطيع السيطرة على منطقة الهلال النفطي في وسط ليبيا القريب من قاعدة الجفرة سيكون صاحب الكلمة الأولى، حيث تشكل المنطقة ما يقارب 60% من النفط الليبي، بالإضافة إلى 40% في الجنوب.
في تصريح له، أكد مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني الليبي، العميد خالد المحجوب، أن تركيا حشدت حوالي 10 آلاف مقاتل من المرتزقة في محيط سرت، وأنها قد تغامر في الهجوم على سرت والجفرة، لافتا إلى أن الجيش الوطني الليبي يرصد كل تحركات الميليشيات، مشيرا إلى أن أنقرة أرسلت عدة طائرات مسيرة لضرب خط إمداد مياه بعيدة عن سرت.
في المقابل، أشار الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق، اليوم الأربعاء، إلى وصول إمدادات عسكرية قادمة من مصر، إلى مدينة طبرق بشمال شرقي ليبيا.
ونشر المركز الإعلامي لعملية “بركان الغضب” للجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، صورة لسيارات نقل مخصصة لحمل الأسلحة والعتاد الحربي، يقف بمحاذاتها أشخاص يرتدون زيا عسكريا، دون ذكر أي تفاصيل أخرى.
وفي 8 أبريل الماضي، نشر المركز الإعلامي صورا تُظهر وصول سفينة من مصر إلى ميناء طبرق، على متنها 40 حاوية تحمل إمدادات عسكرية وذخائر لدعم قوات حفتر، كما نشر أيضا في 6 يوليو 2019، صورا تُظهر وصول إمدادات عسكرية وذخائر برا من مصر إلى حفتر، بحسب المصدر ذاته.
وكان البرلمان الليبي في مدينة طبرق طلب من مصر التدخل المباشر في الحرب الأهلية التي تعصف بالبلاد لمواجهة الدعم التركي لحكومة الوفاق الوطني.
وفي بيان صدر في وقت متأخر من مساء الاثنين، قال مجلس النواب الذي يعمل انطلاقا من مدينة طبرق الساحلية في الشرق إن الدعم المصري لازم لصد ما وصفه بالغزو والاحتلال التركي.
وجاء في البيان: “للقوات المسلحة المصرية التدخل لحماية الأمن القومي الليبي والمصري إذا رأت أن هناك خطرا داهما وشيكا يطاول أمن بلدينا”، ودعا إلى “تضافر الجهود بين الشقيقتين ليبيا ومصر بما يضمن دحر المحتل الغازي ويحفظ أمننا القومي المشترك ويحقق الأمن والاستقرار في بلادنا والمنطقة”.
وقال المتحدث باسم الجيش الليبي، اللواء أحمد المسماري، إن القوات المسلحة لن تبدأ بالهجوم، لكنها ستتصدى لأي محاولات من المليشيات أو القوات التركية للاقتراب من مواقعها، وأوضح أنه تم اتخاذ كافة التدابير اللازمة لحماية مناطق النفط من المليشيات المسلحة التي تهدر أموال الشعب الليبي وثرواته.
ويوضح جوهر لـ”درب” أنه بعد فقدان قوات حفتر السيطرة عليه طرابلس، حيث يوجد البنك المركزي الليبي ومعظم المنشآت الحيوية، سيسعى بكل قوته إلى تعويض ذلك بالسيطرة على منابع النفط، كما أن قوات الوفاق المدعومة من أنقرة ترى أن كل ما تحقق لها من مكاسب يساوي صفرا، حيث لا تسيطر إلا على مناطق صحراوية، هذا لا يمنع أنها منطقة نفوذ على الأرض لكنها بلا موارد، حيث تعد الموارد الرئيسية في الموانيء النفطية الكبرى في وسط ليبيا، كما تعد سرت تاريخيا هي الخط الفاصل في منطقة غرب ليبيا.
ويتابع: “هناك حالة من النفاق الدولي بخصوص تطورات الأوضاع في ليبيا، فما نراه من بيانات لا ينكعس بالضرورة على الواقع وعلى محاور القتال، ففي الوقت الذي تنفي روسيا وجود قوات لها على الأرض، كانت قوات فاجنر موجودة حتى قبل مطلع أبريل 2019 واندلاع الحرب في طرابلس، كما تغير الموقف الفرنسي الذي كان يشير إلى الوقوف على مسافة واحدة من طرفي الصراع، ليندد بشكل رسمي بالوجود التركي داخل الأراضي الليبية”.
كانت تركيا رفضت يوم الإثنين أي احتمال لوقف وشيك لإطلاق النار في ليبيا، قائلة إن أي اتفاق يشمل خطوط القتال القائمة حاليا لن يفيد حكومة الوفاق الوطني التي تدعمها أنقرة، وفقا لوكالة رويترز.
كما قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في مقابلة مع قناة “خبر ترك” التلفزيونية المملوكة للدولة إنه لا بد لحكومة الوفاق الوطني من السيطرة على مدينة سرت الساحلية والقاعدة الجوية في الجفرة قبل أن توافق على وقف لإطلاق النار.
وعن احتمالية تنفيذ عملية عسكرية وشيكة في سرت، قال: “هناك استعدادات لعملية لكننا نجرب طاولة المفاوضات، إذا لم يكن ثمة انسحاب فإن هناك عملية عسكرية بالفعل وسوف تُظهر (حكومة الوفاق الوطني) كل العزم في هذا الأمر”.
وكما أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، أن موقف الجامعة يرفض التدخلات التركية في الشؤون العربية وأطماعها في الثروات العربية.
وقال أبو الغيط في حوار مع وكالة أنباء “الشرق الأوسط”، إن مجلس جامعة الدول العربية سبق أن عبر عن هذا الموقف في قراراته المتعددة التي “ترفض وتدين هذه التدخلات التركية غير المشروعة في الشؤون الداخلية للدول العربية، وتحديدا في العراق وسوريا وليبيا”.
وحذر الأمين العام لجامعة الدول العربية من أن تصرفات أنقرة هذه “تمس وتستهدف الأمن القومي العربي ككل ولا يمكن للجامعة أن تقبل به، مثلما ترفض أي تدخل إقليمي يهدد أمن وسلامة واستقرار الدول العربية”.
وأوضح أبو الغيط أن لا أحد يرغب في تكرار السيناريو السوري في ليبيا، مؤكدا أن “هناك التزاما عربيا مطلقا بالحفاظ على سيادة واستقلال الدولة الليبية وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية، ولا يمكن للجامعة أن تقبل بتقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ بين هذه القوة أو تلك، أو بأن يكون هناك شرخ دائم في النسيج المجتمعي للشعب الليبي أو بين أطيافه ومكوناته”.
وقال في حواره إن “الجامعة العربية لا يمكن أن تقبل بأن يمثل الوضع في ليبيا تهديدا لأمن واستقرار دول الجوار العربية المباشرة، مصر والجزائر وتونس”.
وأضاف: “هناك في حقيقة الأمر إجماع عربي ودولي على أن المخرج من هذه الأزمة يكمن أولا في الإيقاف الكامل والفوري والدائم للقتال، ووقف كافة التدخلات العسكرية الأجنبية التي نشهدها، بما يتيح الفرصة ويهيئ الأجواء لاستئناف الحوار بين الأشقاء الليبيين، في إطار عملية سياسية وطنية خالصة وتحت رعاية الأمم المتحدة، تفضي إلى استكمال المرحلة الانتقالية وتتويجها بعقد انتخابات رئاسية وتشريعية يرتضي الجميع بنتائجها وتفرز سلطات ومؤسسات شرعية وموحدة ودائمة معبرة عن إرادة الشعب الليبي”.
ونفى وزير الخارجية سامح شكري، مساء أمس الأول، صحة ما جاء على لسان نظيره التركي، مولود تشاووش أوغلو، بشأن محادثات في الفترة الماضية بين تركيا ومصر في قضايا عدة.
وقال شكري، في تصريحات تليفزيونية، “أنا تابعت ما تم تداوله، في الحقيقة لم يكن هناك أي تواصل أو حوارات بين مصر وتركيا في الفترة الماضية”، وأضاف “الدليل على ذلك هو التصريحات المتكررة التي تخرج عن إطار العلاقات الطبيعية بين الدول على المستوى الدولي”.
واعتبر وزير الخارجية أن تصريحات أوغلو بشأن وجود تحضيرات لعملية عسكرية في سرت “أمر خطير وخرق لقرار مجلس الأمن وقواعد الشرعية والدولية وتطور بالغ الخطورة على الأوضاع في ليبيا”.
وشدد شكري أنه “لم يكن هناك احتمال بألا يتم التصدي لمثل هذا الاعتداء الذي يراه كثير من الأشقاء في ليبيا على أنه احتلال تركي عثماني”.
وأشار إلى أن الجيش الوطني الليبي تعهد بمواجهة مثل هذا الهجوم عسكريا وسيدافع عن أرضه، إضافة إلى إجراءات سيتم اتخاذها على المستوى الدولي ردا على هذا “الخرق”.
وسبق أن حدد الرئيس عبدالفتاح السيسي، سرت وقاعدة الجفرة كـ”خط أحمر” ضد تقدم ميليشيات طرابلس ومرتزقة أردوغان، وحذر السيسي، في خطاب من قاعدة سيدي براني العسكرية، من أن مصر أصبح لديها الشرعية الدولية للتدخل في ليبيا، مُعربًا عن استعداد بلاده لتقديم التدريب العسكري لأبناء القبائل الليبية، ودعا السيسي إلى التوقف عند خط سرت – الجفرة، والبدء في مفاوضات سياسية لإنهاء الأزمة.
وقال منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إن على تركيا احترام التزاماتها بموجب مخرجات مؤتمر برلين واحترام حظر السلاح إلى ليبيا.
وأكد بوريل، خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أن التحركات التركية في ليبيا يجب أن تتوقف، لأنها تتعارض مع مصلحة أوروبا.
وتحدث بوريل قائلا: “هناك اتفاق بين أعضاء الاتحاد الأوروبي على أن العلاقات التركية الأوروبية تعيش حالة من التوتر الآن، خاصة في شرق المتوسط بسبب ليبيا، مما يؤثر مباشرة على مصلحتنا”.
وأضاف: “نؤكد أن التحركات الأحادية التركية في شرق المتوسط التي تجري ضد مصلحة الاتحاد الأوروبي وأيضا سيادة الدول الأعضاء والقوانين الدولية، ينبغي أن تتوقف”.
وبيّن أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اتفقت على دعوة تركيا إلى المشارك بفاعلية في حل سياسي في ليبيا، واحترام الالتزامات التي وافقت عليها في مؤتمر برلين، ومن ضمنها حظر السلاح إلى ليبيا.
وطالبت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي تركيا، الثلاثاء، باحترام حظر توريد السلاح إلى ليبيا، مشيرة إلى أن استقرار ليبيا مهم لفرنسا لأنه يؤثر على الوضع الأمني في البحر المتوسط وبالتالي في أوروبا.
وفي مقابلة إذاعية، بمناسبة يوم الباستيل الوطني، أكدت وزيرة الجيوش الفرنسية، أن لا حل عسكريا في ليبيا، داعية الأطراف الليبية والقوى الدولية للعمل من أجل حل سياسي.
وطالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا، بوقف تدفق الأسلحة والمرتزقة إلى ليبيا، داعيا إلى استئناف الحوار بشكل فوري من أجل وقف إطلاق النار.
وذكر ماكرون: “أجدد تأكيدي على أن تحقيق الاستقرار في ليبيا ضروري جدا لضمان سلامة وأمن أوروبا ومنطقة الساحل. وعلى هذا الأساس، أدعو لاستئناف المفاوضات بشكل فوري وفتح أبواب الحوار السياسي من أجل التوصل لوقف إطلاق النار. أؤكد من جديد أن تحقيق السلم الدائم في منطقة البحر المتوسط يستدعي تحركنا ولن نسمح لقوات خارجية بتحديد مستقبلنا ومصيرنا.”
وقال وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، الثلاثاء، إن “طبول الحرب التي تقرع حول سرت في ليبيا الشقيقة تهدد بتطور جسيم وتبعات إنسانية وسياسية خطيرة”.
ودعا قرقاش في تغريدة له على حسابه الرسمي في تويتر إلى “الوقف الفوري للإطلاق النار وتغليب الحكمة، والدخول في حوار بين الأطراف الليبية”.
كما قال قرقاش إن بلاده تريد ”عودة إنتاج النفط في ليبيا في أقرب وقت ممكن، وتؤكد أهمية وجود ضمانات لمنع العائدات النفطية من إطالة وتأجيج الصراع“.
ورفض وزير الخارجيّة اليوناني نيكوس دندياس خلال زيارة إلى تونس الإثنين أيّ تدخّل أجنبي في ليبيا، لا سيّما من جانب تركيا.
وقال دندياس إثر لقائه نظيره التونسي نور الدين الري “يسرّني أن ألاحظ أنّ لدينا رؤية مشتركة” تتمثّل في “احترام القانون الدولي” وهو “عكس ما تفعله تركيا تماماً”.
وأضاف بحسب ما نقلت عنه السفارة اليونانية أنّ “هناك حاجة إلى حلّ ليبي بلا جهات أجنبية أو جيوش أجنبية” و”نحن نؤمن بشدّة بأن تونس قادرة على أداء دور إيجابية”، والتقى دندياس أيضاً الرئيس التونسي قيس سعيّد ورئيس وزرائه إلياس الفخفاخ.
وقال سعيّد الإثنين إنّ “الشرعيّة الدوليّة وقرار مجلس الأمن يُضفيان شرعيّة على حكومة فايز السرّاج، لكنّ هذه الشرعيّة الدوليّة لا يمكن أن تستمرّ ولابدّ من أن تحلّ محلّها شرعيّة شعبيّة”.