“زهرة الحرية”.. شيماء الصباغ وثورة الورد ضد الرصاص (بروفايل)
كتب- محمود هاشم:
المجد والخلود للشهداء، والعار كل العار لقتلة الشهداء حملة الرأي من لا يفرقون بين حملة الورد وحملة القنابل”، في يومٍ شتوي بارد، اجتمعت أمواج الحنين للثورة في ميدان التحرير، أيقونة احتجاجات التغيير والعدالة الاجتماعية، كانت السماء ملبدة بالغيوم، وكأنها تتنبأ بأحداث مؤثرة ستحدث في هذا اليوم، الذي كان يزامن الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير 2011.
وسط حشود هتافات المتظاهرين التي تتغنى بالحرية والكرامة وتنادي بالقصاص للشهداء، خرجت الشابة الثائرة والقيادية بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي شيماء الصباغ في مسيرة نحو ميدان التحرير للمطالبة بحقوق الشهداء، تحمل في يديها باقة من الورود، ترمز إلى الحياة والأمل في وجه الظلم والاضطهاد، والرغبة في تحقيق العدالة والقصاص للشهداء الذين ضحوا من أجل تحقيق حلم الحرية والكرامة.
بينما كانت شيماء ورفاقها يتحركون في المسيرة الجنائزية السلمية لتخليد شهداء الثورة، اغتالها ضابط شرطة أطلق عليها النار من مسافة ثلاثة أمتار بعد أمر مباشر من قائد القوة الميدانية، مما أدى إلى استشهادها في الحال بعد تهتك القلب والرئتين، وفشل محاولات الجميع إسعافها، سقطت الورود التي كانت تحملها من بين يديها، وهوى جسدها نحو الأرض، وسط صدمة وصرخات مؤلمة.
(علّي صوتك بالغنا.. كل الأماني ممكنة)، بحماس شديد وصوت رقيق وقفت الناشطة شيماء الصباغ تغنى في ميدان الرمل بالإسكندرية أثناء ثورة 25 يناير2011، وهي تشارك ملايين الثائرين ضد نظام حسني مبارك حلم التغيير، كانت وقتها حاملاً في طفلها بلال.
وفي الذكرى الرابعة للثورة رحلت شهيدة الورد عن عالمنا بعد استهدافها من ضابط شرطة بميدان طلعت حرب، إثر مشاركتها في وفد جنائزي سلمي لتخليد شهداء الثورة، فما كان منه إلا أن أغتالها واطلق عليها النار من مسافة ثلاثة أمتار بعد أمر مباشر من قائد القوة الميدانية، مما أدى إلى وفاتها بالحال بعد تهتك القلب والرئتين”.
كانت شيماء في صدارة المتضامنين مع العمال وأصحاب المظالم فتقدمت المسيرات والوقفات الاحتجاجية وهي تهتف بصوت جسور “عيش حرية عدالة اجتماعية”، شاركت شيماء صاحبة الـ33 عامًا في محطات الثورة المختلفة، وانضمت لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وشغلت منصب أمين العمل الجماهيري بالحزب في الإسكندرية، وصدر لها بعد رحيلها ديوان (على ضهر التذكرة) عن دار ابن رشد للنشر، وضم مقتطفات شعرية من صفحتها على (فيس بوك).
“البلد دي بقت بتوجع.. ومفهاش دفا.. يارب يكون ترابها براح.. وحضن أرضها..أوسع من سماها”، كانت هذه العبارة آخر ما كتبته شيماء الصباغ، قبل أن تصعد روحها في ميدان الثورة لتنضم لطابور الشهداء.
“كل أبناء وبنات مصر أولادي وبناتي، وهذه ابنتي ولا يمكن لأحد أن يشكك في ذلك” كانت تلك الكلمات جزء من تعليق الرئيس عبدالفتاح السيسي على الواقعة التي أثارت موجة انتقادات وإدانات من أحزاب ومنظمات وشخصيات عامة، وأحال النائب العام الراحل هشام بركات ضابط للمحاكمة شرطة بتهمة قتلها.
وفي 2017 قضت محكمة النقض فى حكم نهائي بات، بتخفيف حكم الجنايات الصادر بمعاقبة الضابط ياسين حاتم من السجن المشدد ١٠ سنوات إلى السجن ٧ سنوات، لإدانته بقتل شيماء الصباغ يوم 24 يناير 2015 في احتفالات الذكرى الرابعة لثورة يناير 25 يناير، وفي حكم نهائي منتصف 2023، قضت محكمة الاستئناف بتعويض قدره 300 ألف جنيه لأسرتها.
استشهاد شيماء لم يكن نهاية القصة، بل كان بداية لتجديد العهد وتكثيف النضال، فقد سالت دماءها الزكية في سبيل الحرية، وأضاءت شمعة جديدة في قلوب الجميع، أصبحت شهيدة الورد، تلك الفتاة الشجاعة التي ضحت من أجل إيمانها بالحق والعدالة، رمزًا للنضال والثورة، وكتبت شيماء بدمائها صفحة جديدة للنضال الشعبي، وورودها تتفتح في كل مكان تذكارًا بالحلم الذي لم يمت، وبالثورة التي لا تزال تتغنى بأغنية الحرية والكرامة.