ريهام الحكيم تكتب: عن الثورة العراقية.. وأبطال تشرين العراق
تدخل الإنتفاضة العراقية (انتفاضه تشرين / اكتوبر ) شهرها السادس، هذا الحراك الذى رسم فية الشعب العراقى ملحمة سينحنى أمامها اقلام التاريخ. ستة اشهر وقف فيها الشعب العراقى بصدور عارية أمام ميليشيات القتل والاختطاف تلك الميليشيات المسلحة المدعومة من بعض الساسه والأحزاب والتي حاولت إجهاض هذا الحراك العظيم عن طريق نشر القتل والترويع بين المتظاهرين السلميين.
بدأت تلك الانتفاضة فى 25 اكتوبر الماضى فى ميدان التحرير بالعاصمة بغداد وانضمت لها مدن ومحافظات جنوب العراق ذات الأغلبية الشيعية. رفع المتظاهرون السلميون شعارات تحمل معنى الاصطفاف الوطنى مثل “نريد وطن” و “الولاء للعراق” و “الوعى قائد” و “ثورة يقودها شهيد”، مطالبين بإنهاء الفساد الذى ضرب أركان الدولة مسبباً ازمات اقتصادية انهكت المواطن العراقى. ارتكزت مطالب الثورة فى البداية على إسقاط حكومة عادل عبد المهدى تلك الحكومة المتهمة بالخضوع للنفوذ الايرانى والمشاركة فى القتل والاعتداء على المتظاهرين السلميين. كما طالب المحتجون بتعديل الدستور واعداد قانون جديد للانتخابات ” وهو ما تحقق لاحقا ” وحصر السلاح بيد الدولة وانهاء كافة اشكال المحاصصة الطائفية فى البلاد.
العراق الذى يخضع لنظام حكم برلمانى منذ عام 2004. هذا النظام الذى اتسم بالمحاصصة الطائفية، فقد قسمت بين رئيس وزراء شيعى ذو صلاحيات واسعة ورئيس برلمان سنى ورئيس جمهورية شرفى كان من حصة أكراد العراق. وعقب سقوط نظام صدام حسين تشكلت قوى سياسية وحزبية اتسمت بالطائفية فى الخطاب والتمثيل البرلمانى. سيطرت فيها الاحزاب الدينية على المشهد السياسى و تبنت تلك الاحزاب خطابا طائفيا أوصل العراق إلى مشاكل معيشية لم يعد يتحملها المواطن العراقى. المواطن الذى اصبح يعانى من ارتفاع البطالة وضعف وانعدام الخدمات العامة من الصحة والتعليم و البنية التحتية فى عموم العراق وخاصة محافظات الجنوب. العراق الذى انهكته الحروب يعانى من انقطاعا مزمنا للتيار الكهربائى ومياه الشرب منذ سنوات. وقد احتل العراق المرتبة رقم 13 فى تصنيف الدول الهشة طبقا لمنظمة Fund for Peace , وفى لائحة الدول الأكثر فسادا فى العالم احتل ايضا رقم 13 بحسب منظمة الشفافية الدولية. و انتشار الفساد داخل الدولة تجسد بوضوح من خلال التلاعب فى ارقام الرواتب و النثريات و التحويلات العلنية التى بدءت منذ تأسيس مجلس الحكم عام 2003 برعاية الحاكم الامريكى بول بريمر.
وليس الفساد وحده ولكن تأتى الهيمنة والتوغل الايرانى داخل الأراضى العراقية أحد أهم أسباب هذا الغضب الشعبى . فإيران تحاول معالجة أزمتها ومواجهتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربى عبر تحويل العراق إلى ساحة حرب بالوكالة واستغلال موارد العراق ونهبها لمعالجة ازمة طهران الاقتصادية.
التغلغل الايرانى فى العراق بدأ منذ عام 2003 بعد الغزو الأمريكى حيث تحولت العراق إلى أرض مشاع للنظام الايرانى الذى سيطر على مفاصل الدولة. مظاهرات العراق الشعبية هاجمت مقرات الاحزاب والميلشيات الموالية لإيران ومنها منظمة “بدر” و”تيار الحكمة” و”عصائب أهل الحق”. حالة التذمر الشعبى ضد التدخل الايرانى السافر قابله صمت حكومي وحزبي مخزٍ.
ومن ايجابيات تلك الانتفاضة العظيمة والتى تعد امتداداً لثورات الربيع العربى ولكن مع مراعاة الطبيعة الخاصة التى اتسم بها السياق العراقى فقد اصطبغت تلك الاحتجاجات بصبغة وطنية بعيدة عن الطائفية رفع فيها الشباب شعارات الوحدة العراقية والسلمية والولاء للوطن وحده فى إشارة منهم للغضب الشعبى ضد الطبقة السياسية الحاكمة ككل وليس لطائفة معينة.
كما برز دور المرأة العراقية كشريك رئيسى يقود الاحتجاجات السلميه فى تحد واضح لخطابات التحريض العنصرية التي أطلقها بعض زعماء الكتل الحزبية ضد مشاركة النساء فى تلك التظاهرات والطبيعة المتحفظة للمجتمع العراقى خاصة فى مدن الجنوب.
كما تعامل النشطاء فى هذا الحراك بصورة اتسمت بالتوازن مع خطابات المرجعيات الدينية صاحبة التأثير الاكبر فى المجتمع الشيعى العراقى و بين مطالب الثورة فى اقامة دولة مدنية قائمة على العدل و القانون وانهاء كافة اشكال الطائفية التى انهكت البلاد.
عمد المتظاهرون فى بغداد ومدن جنوب العراق إلى إغلاق الطرق السريعة والجسور باطارات السيارات المشتعلة وكان للمد الطلابى لشباب الجامعات النصيب الأكبر في الضغط على الساسة العراقيين من خلال تنظيم اضراب طلابى امتد لعدة جامعات عراقية ومدارس. واستخدمت الشرطة العراقية القوة المفرطة والغاز المسيل للدموع والرصاص الحي فى محاولات عدة لتفريق المتظاهرين.
خلال تلك الشهور لقي أكثر من 800 شهيد عراقي حتفهم حسب تقارير غير رسمية. وقد اتخذ الثوار من محافظة “ذي قار” جنوب العراق ومدينتها “الناصرية ” رمزاً و محركاً للثورة العراقية , تلك المحافظة التى نجحت فى التنسيق مع باقى المحافظات المنتفضة وادارة خطة التصعيد التى حركت محافظات الجنوب باتجاه العاصمة بغداد بمسيرات ضخمة اقتربت من المنطقة الخضراء التى يسكنها البرلمان العراقى والحكومة التنفيذية. هذا التصعيد استطاع اسقاط حكومة محمد توفيق علاوى حيث قدم الأخير استقالتة بعد فشلة فى تمرير الكابينة الوزارية والرفض الشعبى لة.
لم يمتد الحراك الشعبى إلى محافظات غرب وشمال العراق خصوصا المناطق السنية التى قد دمرتها الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية ” داعش” واقليم كردستان الذى يتمتع بأغلبية كردية وحكم ذاتى منذ عهد صدام حسين.
هذا وقد أثار الزعيم الشيعى مقتدى الصدر زعيم كتلة سائرون داخل البرلمان العراقى موجة من الجدل والانتقادات داخل وخارج الوسط العراقى. مقتدى الصدر الذى دعم التظاهرات فى البداية ثم عاد وهاجم المتظاهرين ودعا أنصاره المعروفين باسم “القبعات الزرق” لمهاجمة الثوار والمساعدة فى فتح الطرق الرئيسية التي أغلقها المتظاهرون.
واخيرا, فإن تظاهرات العراق الشعبية هى ثورة ضد الفساد والنفوذ الإيرانى السافر داخل العراق وسينتصر الشعب العراقي وإن غداً لناظره لقريب.