ريهام الحكيم تكتب: عام على ثورة العراق.. تشرين الصمود تعود #نريد_وطن (ملف خاص)

الخميس الأول من أكتوبر، حلت الذكرى السنوية الأولى لإنتفاضة الشعب العراقي في أكتوبر 2019 ضد الفساد والبطالة وتردي الأوضاع الخدمية والصحية والتعليمية وغيرها، وشهد العراق العام الماضي موجة من التظاهرات غير مسبوقة خرج فيها الآلاف في العاصمة بغداد وعدد من المدن والمحافظات الجنوبية.


حراكٌ رَسم فية الشعب العراقى ملحمة ستنحنى امامها اقلام التاريخ، حين وقف الشعب الأعزل بصدور عارية امام عمليات القمع و القتل والاختطاف.

اندلعت تلك الاحتجاجات بصورة عفوية وبدون قيادة أو توجيه، رفع الشباب وطلاب الجامعات ، فئة عمرية من 15 لـ 30 سنة ، شعارات تحمل معنى الاصطفاف الوطنى مثل ” نريد وطن ” و ” ولائي للعراق” و ” الوعى قائد “و ” ثورة يقودها شهيد” و ” لا تراجع.. عيب من الشهداء” و ” بالروح بالدم نفديك يا عراق” و” إيران بره بره… بغداد تبقى حرة”.
ندد المتظاهرون بالطبقة السياسية التي حكمت العراق منذ 2005، متهمين أياها بالفساد وإهدار المال العام الذي تسبب في ازمات اقتصادية انهكت المواطن العراقى. ارتكزت مطالب الثورة فى البداية على إسقاط حكومة عادل عبد المهدى تلك الحكومة المتهمة بالخضوع للنفوذ الايرانى والمشاركة فى القتل والاعتداء على المتظاهرين السلميين.
كما طالب المحتجون بتعديل الدستور و إجراء انتخابات مبكرة بإشراف أممي ، وإعداد قانون جديد للانتخابات وحصر السلاح بيد الدولة وانهاء كافة اشكال المحاصصة الطائفية فى البلاد.
عمد المتظاهرين فى بغداد و محافظات الجنوب الباسلة في البصرة والناصرية وكربلاء والديوانية والنجف والمثنى وواسط الى اغلاق الطرق السريعة و الجسور باطارات السيارات المشتعلة ، كما كان للمد الطلابى لشباب الجامعات النصيب الاكبر فى الضغط على الساسة العراقيين من خلال تنظيم اضرابات طلابية امتدت لعدة جامعات عراقية ومدارس.
تزامنت الاحتجاجات مع مرور عام كامل على تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة عادل عبدالمهدي ( عراقي يحمل الجنسية الفرنسية) ، والذي اتسم بالتلكؤ في التعامل مع ملفات كان من المتوقع أن يعالجها، وخصوصا مكافحة الفساد.
فالمواطن العراقي يعيش حياته اليومية وسط استشراء الفساد الإداري والاقتصادي، بحسب وصف منظمة الشفافية الدولية التي صنفت العراق بإعتباره أحد أبرز دول العالم التي ينخرها الفساد.
 استشعرت السلطة في العراق والقوى السياسية الموالية لإيران مخاطر استمرار تلك الاحتجاجات التي تطالب بإنهاء نفوذ طهران في العراق، وعملت على إنهائها منذ اليوم الأول لانطلاقها، بداية من فرض حظر للتجوال وقطع الانترنت، ثم عمليات التغييب والاغتيالات وإستخدام الرصاص الحى من قبل القوات الأمنية والميليشيات.

                                                                رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي

تعمدت بعض المليشيات المسلحة – على رأسها “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق” و “سرايا السلام” – و القوى الأمنية بخلق حالة من الرعب بين المحتجين، بدءاً من القناصين ، مروراً بالاستخدام الرصاص الحي والقنابل الدخانية على رؤوس المحتجين، وليس انتهاءً بعمليات خطف واغتيالات ممنهجة نفذتها جهات تقول الحكومة العراقية إنها “أطراف ثالثة”، وصل مجموع أعداد الضحايا إلى حوالي 800 قتيل، وآلاف الجرحى والمعاقين.
وليس العنف وحده، بل شنت وسائل الاعلام التابعة للاحزاب العراقية حملة ممنهجة لتشويه المتظاهرين وقاموا بترويج اتهامات مثيرة للسخرية في محاولات يائسة للإجهاز على الانتفاضة، حيث وصفوا المحتجين بأنهم مجموعة من الشباب العاطلين والممولين من السفارات الأجنبية ” الجوكريين” وتمولهم أجهزة استخبارات أجنبية لإدارة “مؤامرة” على العراق من قبل “أميركا وإسرائيل والسعودية” ، لا يمتلكون وعيا سياسيا ومسيرين من قبل أجندات خارجية. وتم تسخّير آلاف الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم “الجيوش الإلكترونية” وعشرات القنوات الفضائية، لتشويه الاحتجاجات واتهامها بأنها محركة من استخبارات دول غربية وعربية غايتها “تخريب البلاد وإدارة مؤامرة خارجية فيها”.

السنة والأكراد
تتراوح أسباب عدم مساهمة السنة ، ساكني شمال وغرب العراق، وأكراد أقليم كردستان في هذه الانتفاضة بين الموقع الجغرافي لمناطقهم وطبيعة الأحداث التي مرت بها. ويعتقد على نطاق واسع أن انضمام سكان نينوى في الشمال والمحافظات الواقعة غربي البلاد (ذات الغالبية السنية) قد لا يعود بالنفع على انتفاضة بغداد (المختلطة بطوائف وعرقيات ) ومحافظات الجنوب (ذات الغالبية الشيعية).
ويعود ذلك إلى الظروف التي مرت بها تلك المحافظات إبان سيطرة ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية ” داعش”، فسكان محافظتي نينوى والأنبار متهمون بالأنضمام والتعاطف مع ” داعش” والولاء للنظام البعثي، وهى التصورات النمطية والاتهامات الجاهزة من قبيل الطبقة الحاكمة الشيعية التي همشت سكان الغرب وأفسدت مناطق الجنوب.
أما إقليم كردستان فله خصوصيته نظرا لتمتعه بحكم ذاتي واسع الصلاحيات، ولكن لم يمنع من بعض التظاهرات التي شهدها الأقليم تضامناً مع بغداد العاصمة والتي سرعان ما انتهت بالقمع من قبل السلطات الكردية.
قوات الأمن حاولت فضّ تلك المظاهرات باستخدام خراطيم المياه، والغاز المسيل للدموع، لكنها لجأت بعد تصاعدها إلى إطلاق الرصاص المطاطي .

                                                                       تظاهرات كردستان العراق لدعم تظاهرات بغداد

أبرز محطات الانتفاضة
اندلعت التظاهرات في الأول من أكتوبر مباشرة بعد التعامل الفظ مع المشاركين في اعتصامات ساحة التحرير في بغداد، خصوصا الجامعيين المطالبين بحقوق مهنية، إضافة إلى قرار نقل الفريق عبد الوهاب الساعدي ، القيادي في الجيش العراقي أبان حرب “داعش” 2017 و قائد عملية استعادة مدينة الموصل من قبضة التنظيم بعد حصار استمر 9 أشهر، من منصبه كقائد لقوات مكافحة الإرهاب إلى وزارة الدفاع وهو ما أُعتبر تقليلاً لرتبته العسكرية.

طريقة التعامل العنيفة مع المتظاهرين في بداية الحراك، تسببت في ازدياد الزخم وارتفاع مستوى التعاطف والتضامن معهم، خاصة بعدما  فتحت قوات الأمن العراقية النار على المحتجين وتم حجب الانترنت في البلاد.

مشاهد مروعة وصادمة ، تعرض لها المحتجون في بداية التظاهرات بسبب استخدام القوات الأمنية للرصاص الحي وقنابل تشبه القنابل المسيلة للدموع، اخترقت جماجم المتظاهرين بشكل لم يشاهد من قبل، تلك القنابل تم إطلاقها على المتظاهرين من أجل قتلهم وليس لتفريقهم.
نوفمبر 2019
دخلت الانتفاضة شهرها الثاني ليتحول الغضب الشعبي إلى نار تلهب من يقترب منها، ففي محافظة كربلاء الجنوبية، ذات الأغلبية الشيعية، أقدم الآلاف من المحتجين على إحراق القنصلية الإيرانية في المحافظة، ليهتفوا ضد تدخلات الحرس الثوري في العراق. اتهم المحتجون الإيرانيين بالسيطرة على مدينتهم التي تضم مرقدَيْ الحسين والعباس، ابنَيْ الإمام علي بن أبي طالب، اللّذين يقصدهما ملايين الزوار الشيعة سنوياً، من داخل البلاد وخارجها، لأداء مراسم زيارتهما.
وفي محافظة النجف تكرر الفعل ذاته، وأضرمت النيران في القنصلية الإيرانية و أتجه المتظاهرون إلى ضريح زعيم المجلس الإسلامي الأعلى الأسبق محمد باقر الحكيم، الموالي لإيران، وحاولوا احراقه وقتل حوالى 30 شخص من المتظاهرين برصاص حراس الضريح.

أما محافظة ذي قار، فشهدت مجزرة مروعة بسقوط 32 شاب عراقي من المتظاهرين وإصابة حوالي 230 اخرين حينما فتحت الشرطة الاتحادية النار عليهم. الحادثة تسببت في إحداث صدمة مجتمعية وعشائرية، فبين التنديد والشجب ، استقال عدد من المسؤلين داخل المحافظة كان على رأسهم محافظ ذى قار وتم استدعاء جميل الشمرى القائد العسكرى ،المتهم الاول بالوقوف وراء تلك الانتهاكات، من قبل حكومة عادل عبد المهدي لتحقيق فى الواقعة.
تدخل المرجع الشيعي علي السيستاني ودعا إلى سحب الثقة من الحكومة ، و أثر تدهور الأوضاع وفقدان الحكومة القدرة على السيطرة على الاحتجاجات، أعلن عادل عبد المهدي أستقالته في أواخر نوفمبر.
ديسمبر 2019
دخلت الانتفاضة شهرها الثالث، لم تتوقف المجازر ولكن تبدلت أدوار القتلة ، فحادثة “جسر السنك” والتي شن فيها مسلحي “كتائب حزب الله” ، أحد فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران، هجوماً على المتظاهرين في بغداد العاصمة وسيطروا لفترة وجيزة على مبنى يحتلوه المتظاهرين لمدة أسابيع قرب جسر السنك، ما أسفر عن مقتل 24 شخصاً على الأقل بينهم أربعة من القوات الأمنية، وإصابة أكثر من 120 بجروح.
 وبعد قطع الكهرباء، دخل المسلحون المبنى وأطلقوا النار منه في اتجاه جسر السنك حيث تتمركز القوات الأمنية وعددهم تراوح بين 300 و400 مسلح. ” بحسب تقرير الأنديبدنت نقلاً عن مصدر استخبارتي”
وأطلق المتظاهرون على الهجوم اسم “مجزرة السنك” نسبة إلى الجسر القريب من ساحة التحرير المركزية. وإثر الهجوم الدامي، انتشر ميليشيا “القبعات الزرق” العزل التابعين للتيار الصدري في محيط المنطقة لحماية المتظاهرين.
في الوقت ذاته كانت فصائل مسلحة موالية لإيران ، تشارك في الهجوم علي السفارة الأمريكية فى بغداد ، للتنديد بالضربات الجوية الأمريكية علي 4 مقرات لفصائل “الحشد الشعبي” , وبمشاركة كبار قادة الحشد بينهم هادي العامري وقيس الخزعلي وقيادات عسكرية وأمنية والمئات من قوات الحشد التي ترتدي اللباس العسكري.

يناير 2020:
وفي الشهر الرابع، شهدت ساحات الاحتجاج فتوراً دام لأيام بعد اغتيال رئيس هيئة “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس وقائد “فيلق القدس” الإيراني قاسم سليماني، وتصدر الصراع الأميركي – الإيراني المشهد العراقي ، هذا التصعيد ، الذي اقدمت علية الادارة الأمريكية ، حول الانظار عن ميادين التظاهر فى العراق.
أقدم معتصمين محافظة ذى قار على خطوة لإعادة إحياء الحراك الى صدارة المشهد مرة اخرى، حيث تبنى معتصمى الناصرية ، مركز محافظة ذي قار، مهلة للبرلمان العراقى قدرت بأسبوع لتنفيذ ثلاث مطالب على رأسها تشكيل حكومة مؤقتة ومحاسبة قتلة المتظاهرين وأطلق على تلك الخطوة أسم ” مهلة الناصرية “.
“مهلة الناصرية ” لاقت الدعم من كافة ميادين التظاهر فى العاصمة بغداد وباقى المحافظات ومع استمرار تعثر الكتل السياسية فى التوافق على مسمى لرئيس حكومة توافقى و شخصية مستقله بعيدا عن الهيمنة الإيرانية او الأمريكية. انتهت المهلة التى حددتها الناصرية و بدأت ذى قار وباقى المحافظات خطوات تصعيدية للضغط على الساسة داخل البرلمان . قام المتظاهرون بقطع الطريق الدولى السريع الرابط بين بغداد و محافظات الجنوب واستخدم المحتجون الاطارات المشتعلة وأقفلت ابواب الدوائر الحكومية فى وجه الموظفين و اغلق مطار النجف.
كما شهد شهر يناير ايضا حادثة حرق خيم اعتصام مدينة البصرة ومقتل 6 متظاهرين خلال عملية اقتحام لقوات الصدمة الأمنية وازالة خيم المعتصمين فى المدينة واضرام النار فيها, وازالة الحواجز والاطارات التى تعيق حركة السير. اتهم نشطاء محافظ البصرة أسعد العيدانى وعلي مشاري العضو فى ميليشيا “كتائب حزب الله” بالمسؤلية عن الهجوم.
فبراير 2020
عاشت العراق فراغاً دستورياً منذ أن انتهت المهلة أمام رئيس الجمهورية برهم صالح  لتكليف مرشح جديد لتولي رئاسة الحكومة ، بعد استقالة عادل عبد المهدي، جراء الخلافات العميقة بين القوى السياسية بشأن المرشح لرئاسة الحكومة.
كلف رئيس الجمهورية العراقي ، ذو الصلاحيات الشرفية ، برهم صالح وزير الاتصالات الأسبق محمد توفيق علاوي ( عراقي يحمل الجنسية البريطانية ) بتشكيل الحكومة.
وفي الساحات، تعرضت الانتفاضة لمنعطف جديد بعدما تدخل الزعيم الشيعى مقتدى الصدر زعيم كتلة “سائرون” داخل البرلمان والذى شن حملة هجوماً على المتظاهرين و دعا انصاره ” أصحاب القبعات الزرق” ، الى الصدام المباشر مع المتظاهرين و انهاء كافة اشكال الاحتجاج بحجة تنظيف ساحات التظاهر من المندسين.
وقد أثار مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، موجة من الجدل والانتقادات داخل وخارج الوسط العراقى. فهو سلييل عائلة الصدر التي تصدرت الزعامة لمجتمع الجنوب العراقي، وهو يملك 54 مقعداً في البرلمان، دعم التظاهرات فى البداية ودعا انصاره ( القبعات الزرق /ميليشيا سرايا السلام ) إلى حماية المتظاهرين في ساحات التظاهر من هجمات الميليشيات ، ثم عاد وانسحب من الساحات و هاجم المتظاهرين ودعا انصاره لمهاجمة الثوار و المساعدة فى فتح الطرق الرئيسية التى اغلقها المتظاهرن.
حاولت ” القبعات الزرق” فض اعتصام ساحة الصدريين بمحافظة النجف استجابة لدعوة الصدر بتنظيف الساحات من المندسين وقام انصاره بالإعتداء على المعتصمين وحرق الخيام، مما أسفر عن قتل 7 متظاهرين و 20 جريح.
اتهمت والدة الشهيد مهند القيسي ، الذي قُتل فى تلك الواقعة محافظ النجف بالتقصير المتعمد واتهمت ادارة الكهرباء فى المدينة بالتواطئ مع القتلة حيث تم قطع الكهرباء عن الساحة وقت الهجوم على المعتصمين.
ساهمت هجمات انصار التيار الصدري فى انحراف مسار الثورة و انهاك القوى الثورية فى حرب شوارع و تشتيت انتباهم حيث أُهملت بعض المطالب الرئيسية للحراك ، مثل تحديد موعد لإجراء انتخابات مبكرة تحت إشراف الامم المتحدة وصارت فى خانة المهملات .
تحرك متظاهري مدينة الناصرية امام هذا التصعيد الخطير المهدد لمسار الثورة و قام عدد من المتظاهرين برفض ترشيح محمد توفيق علاوي وطرح أسم الناشط علاء الركابى – القيادى بميدان الحبوبى الناصرية – لرئاسة الحكومة العراقية لفترة انتقالية .
طالب الركابى بتفويض شعبي من ميادين الاعتصام فى كافة المحافظات عبر استفتاء، وتحول الركابي لمرشح الثورة ومحمد توفيق علاوي مرشح البرلمان بعد أن تجاهل البرلمان مطالب الثوار.

                                                  الناشط علاء الركابي

تبنت الناصرية، مركز محافظة ذي قار، خطوة تصعيدية جديدة لرد على تجاهل مطالب الثورة بتكليف علاوي , دعى الركابى لمليونية زحف من محافظات وسط وجنوب العراق الى المنطقة الرئاسية ( الخضراء) المحصنة فى جانب الكرخ ببغداد وذلك لرفض تولى علاوى الحكومة وعدم مطابقته للمعايير التى حددها المتظاهرين فهو سياسى سابق ومتهم بالفساد ومزدوج الجنسية.
نجحت الناصرية فى توحيد الصف الثورى وانضم الى تلك التظاهرة جموع كبيرة من متظاهرى العاصمة بغداد و محافظات وسط وجنوب العراق ووصل الزحف الى منطقة الكرخ بالقرب من المنطقة الخضراء المحصنة، انتهت بإعتذار علاوي عن تشكيل الحكومة بسبب تعرضه لعدد من الضغوط والإملاءات من قبل التكتلات السياسية ، خاصة الشيعية ذات الأغلبية، في البرلمان و محاولة بعض الأحزاب العراقية فرض أسماء بعينها على الحكومة الجديدة وتكرار أسماء متهمة بالفساد.

مارس 2020
دخلت الإنتفاضة شهرها السادس ، وبداية انتشار وباء covid-19 وما تبعه من اعلان حظر تجول في انحاء البلاد و لا تزال حكومة عادل عبد المهدي المستقيل منذ ديسمبر، تقوم بتصريف الأعمال . رئيس الجمهورية برهم صالح كلف محافظ النجف السابق عدنان الزرفي (عراقي يحمل الجنسية الأمريكية) لتشكيل الحكومة.

الانشغال بالوباء الجديد ومخاوف انتشاره، ألقت بظلالها على الحراك السياسي العراقي، وعلى ساحات التظاهر لتنسيق موقفها من هذا التكليف وتداعياته على العملية السياسية، فخرج موقف متخبط من أسم الزرفي بين المؤيد والرافض في الساحات.
أما الأحزاب الشيعية المحسوبة على إيران داخل البرلمان ، فرفضت أسم الزرقي وعملت على توحيد صفوفها والاتفاق على موقف موحد من تكليفه والتعامل معه، اجتمع ممثلو القوى الشيعية الرئيسة في منزل زعيم “تيار الحكمة” عمار الحكيم، لبحث قضية تكليف الزرفي، حضره نوري المالكي وهادي العامري وحيدر العبادي، وفالح الفياض، وممثلون عن “عصائب أهل الحق”، ونصار الربيعي ممثل زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر. تركزت مخاوف التحالفات الشيعية من اقتران أسم الزرفي بالولايات المتحدة، وهو ما يحمل خطر على السلاح داخل فصائلهم واحتمالية أن يكوم بمواجهة محتملة مع تلك القوى، وتحديداً الفصائل المسلحة في المرحلة المقبلة.
أصدرت عدد من الفصائل المسلحة الموالية لإيران بياناً مشتركاً اتهمت فيه الزرفي بـ”العمالة” وهددت النواب الذي يدعمون ترشيحه، فيما توعدت بتصعيد عملياتها ضد القوات الأمريكية في العراق.
عمل هادي العامري زعيم تحالف “الفتح” ، بـ 47 مقعداً والملقب برجل إيران في العراق ، داخل البرلمان بقيادة حراك محموم لإجهاض مساعي إمرار الزرفي في البرلمان ، وإقناع بقية الأطراف الشيعية بالتخلي عن دعمها له.
بينما رحبت كلاً من الكتل السنية والكردية بأسم الزرفي، إلا أن بعض المخاوف الكردية كونه ينتمي لتيار رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، الذي استعاد الأراضي المتنازع عليها مع إقليم كردستان، ما تسبب بأزمة كبيرة بين بغداد وأربيل حينها.
و شهد شهر مارس حوادث اغتيالات عديدة، من بينها حادثة اغتيال الناشط السياسى عبد القدوس قاسم و المحامى كرار عادل فى مدينة العمارة محافظة ميسان جنوب العراق عقب اطلاق رصاص حى من قبل مسلحين مجهولين.

أبريل 2020
في مطلع أبريل، أعلن رئيس الوزراء العراقي المكلف عدنان الزرفي الاعتذار عن مهمة رئاسة الحكومة و كلف الرئيس العراقي برهم صالح، رئيس جهاز الاستخبارات مصطفى الكاظمي ( عراقي يحمل الجنسية السويدية) بتشكيلها.
وكان أسم الكاظمي قد طُرح للمنصب مرات عدة منذ استقالة عادل عبد المهدي نهاية نوفمبر 2019، لكن خلافات سياسية حادة حالت دون تكليفه للمنصب.
اتهمته عدد من الفصائل المسلحة الموالية لإيران، بأنه مقرّب من الولايات المتحدة، وضالع في عملية اغتيال قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس “هيئة الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس وقتما كان الكاظمي رئيساً لجهاز المخابرات.

مايو 2020
وافق البرلمان على تمرير حكومة الكاظمي بعد أن تدخلت إيران ، متمثلة في إسماعيل قاآني خليفة قاسم سليماني وقائد فيلق القدس، لاقناع التحالفات الشيعية داخل البرلمان بتمرير حكومة الكاظمي.
كافأت الولايات المتحدة إيران على دورها في تمرير حكومة الكاظمي بمنح استثناء من العقوبات الاقتصادية الأمريكية لمدة 120 يوما للعراق – فقط – لابرام عقود شراكة مع إيران ولإستيراد الطاقة الكهربائية.
تعهد الكاظمي عقب توليه رئاسة الحكومة بتحقيق مطالب الانتفاضة، بداية من محاسبة قتلة المتظاهرين وصولاً إلى انتخابات مبكرة بإشراف أممي، واتخذ قراراً بعودة الفريق عبد الوهاب الساعدي لرئاسة جهاز مكافحة الإرهاب.
وجّه الكاظمي عدداً من رسائل الطمأنة إلى المحتجين من خلال قرار إخلاء سبيل معتقلي الحركة الاحتجاجية، وأعلن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في الأحداث التي رافقت الاحتجاجات الشعبية وتعهدات أخرى لحسم ملف المغيبين والمختطفين.
ومن يونيو حتى ستمبر 2020، شهد العراق العديد من عمليات الإغتيال والاختفاء القسري للنشطاء السياسين، وعمل الكاظمي على تحريك ملف المنافذ الحدودية مع إيران و شنّ حملات واسعة لضبطها، كما حدد الكاظمي يوم السادس من يونيو من العام القادم 2021 موعداً لإجراء الانتخابات العامة البرلمانية المبكرة في العراق بحضور مراقبين دوليين.
لم تشهد ساحات التظاهر زخماً في تلك الفترة، بإستثناء بعض التظاهرات الفئوية وحملات لإقالة بعض المسئولين المحليين ، المتهمين بالفساد، كما هو الحال في الناصرية والتي أجبر فيها المتظاهرين مديري 7 دوائر حكومية ، متهمين بالفساد،على الاستقالة.

وهدم مقر لميليشيات “عصائب أهل الحق” في الناصرية أيضاً، تعبيراً عن غضبهم عقب انفجار استهدف إحدى خيام الاعتصام في ساحة الحبوبي وسط الناصرية.
الخميس 1 أكتوبر 2020، وبمرور الذكرى الأولى لإنتفاضة تشرين ( اكتوبر) ،تجمعت حشود كبيرة من المتظاهرين في ساحة التحرير وسط العاصمة ومحيطها لإحياء الذكرى السنوية للاحتجاجات، مستذكرين القمع والقتل اللذين مارستهما قوات الأمن وميليشيات في فترة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، مجددين مطالبتهم بمحاسبة قتلة المحتجين، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وفق قانون عادل، فضلاً عن ضرورة توفير مستلزماتها وحصر السلاح بيد الدولة.
أعاد مدونون عراقيون استذكار لحظات الحركة الاحتجاجية، من خلال إعادة نشر مقاطع فيديو وصور لفترات مختلفة منها، فيما أعادوا نشر مقاطع وثقت عمليات القمع التي مورست عليهم في الموجة الأولى للاحتجاجات، فيما ذيلت آلاف التغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي بوسم “تشرين الصمود تعود”
انتفاضة تشرين العظيمة ، هى امتداد لسلسة من الانتفاضات قام بها الشعب العراقي على مدار تاريخه الحديث، بداية من ثورة العشرين ( عام 1920) لرفض الانتداب البريطاني، وانتفاضة الوثبة ( عام 1948) لرفض معاهدة بورتسموث مع بريطانيا ، وانتفاضة 1956 لمناصرة الشعب المصري في أزمة العدوان الثلاثي والإنتفاضة الشعبانية (عام 1991) ضد الرئيس صدام حسين والتي وصفها البعض بأنها مقدمة الربيع العربي 2011.
الشعب العراقي الذي لم يقبل يوماً في تاريخه بالظلم والتخلف والقهر، وإن صَبر لبعض الوقت، وهو لم يتأثر بالطائفية والمذهبية السياسية والعنصرية.
والثورة التشرينية هى امتداد فكري ونضالي لسلسة الثورات التي خاضها العراقيين، فالروح الوطنية هى الحاضرة في الشخصية العراقية وهؤلاء الشباب الذين انتفضوا هم أبناء وأحفاد هؤلاء العراقيين الأصلاء الذين قاموا بالثورات والانتفاضات العراقية العظيمة.

نريد_وطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *