ريهام الحكيم تكتب : الإختفاء القسري في العراق
في 30 أغسطس من كل عام، تحيي الأمم المتحدة اليوم العالمي للإختفاء القسري، وهى محاولة من المنظمة الأممية لتسليط الضوء على معاناة ضحايا التغييب والإختفاء القسري في انحاء العالم، وممارسة ضغوط على الحكومات المتهمة بممارسة هذا السلوك الخارج عن القانون، وكذلك محاولة إيجاد وسائل لمساعدة الضحايا وأسرهم.
وقد تبنت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة عام 2006، اتفاقية دولية لحماية الأشخاص من الإختفاء القسري، وهي الاتفاقية التي وقعت عليها 93 دولة ، من بينها العراق، ودخلت حيز التنفيذ عام 2010.
تقول المنظمة الأممية: “يكثر استخدام الإختفاء القسري أسلوبا استراتيجيا لبث الرعب داخل المجتمع. فالشعور بغياب الأمن الذي يتولد عن هذه الممارسة لا يقتصر على أقارب المختفي، بل كذلك يصيب مجموعاتهم السكانية المحلية ومجتمعهم ككل“.
يُعرف الإختفاء القسري في القانون الدولي بـ ” كل شخص يختفي قسراً بفعل يقوم به دولة أو جهة سياسية أو طرف ثالث بدعم من الدولة أو جهة سياسية” والمقصود من تلك الجريمة هو تغييب الحق القانوني لهذا الشخص.
و يعد ملف الإختفاء القسري في العراق أحد أبرز الملفات الغامضة التي فشلت الحكومات المتعاقبة في إنهائه، بعد أن أصبح ظاهرة يعاني منها العراقيون ، بداية من الاحتلال الأمريكي في 2003 وما خلفه من فوضى أمنية لا يزال العراق يعاني منها حتى الان.
ممارسات التغييب الممنهج في العراق مرت بمراحل عدة، أخطرها فترة ( 2006 / 2008 ) وقت نشوب الحرب الأهلية، وأخرها فترة 2017 عقب انتهاء حرب “داعش” والتي استمرت قرابة الثلاث سنوات وتسببت في نزوح ملايين السكان من مناطق شمال وغرب العراق.
الاف العراقيين صارواً في عداد المفقودين وسط تقصير حكومي متعمد للكشف عن مرتكبي تلك الجرائم الممنهجة والتي استهدفت النازحيين من مناطق النزاع لتظل جرائم الاخفاء والاختطاف بلا عقاب أو رادع.
عمليات التغييب تركزت في المناطق المختلطة بين الشيعة والسنة ، خاصة أطراف بغداد وشمال بابل وديالى وبعض المحافظات الغربية، وهى المحافظات التي كانت مسرحاً للعمليات العسكرية ( 2014 – 2017 ) وسيطرت بعض الفصائل التابعة لـ” الحشد الشعبي” عليها.
الرزازة /الصقلوية / جرف الصخر
على رأس القائمة تأتي منطقة الرزازة والتي تم احتجاز نحو 1700 شخص، من قبل قوات في “الحشد الشعبي”، بالإضافة إلى 700 آخرين اعتقلوا بمنطقة الصقلاوية شمال غربي الفلوجة التابعة لمحافظة الأنبار.
كان معظمهم مجموعة من العوائل خرجوا هاربيين من بطش تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش” ، قادمين من محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى، ودخلوا إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة العراقية.
الرزازة منطقة مسيطر عليها من قبل أحد الفصائل المسلحة التابعة لهيئة ” الحشد الشعبي” وقد قاموا بإحتجاز النازحيين وعزل الرجال عن النساء والأطفال، ثم أخذوا الرجال بعدد 1700 وتم إقتيادهم إلى جهة غير معلومة.
كما تم اعتقال عدد كبير من أهالي مدينة الصقلاوية قبل إختفاءهم ، أثناء الدخول الفصائل المسلحة إلى المدينة وتحريرها من “داعش”، و منطقة جرف الصخرايضا تم أخذ مئات الأشخاص وأختفائهم بالإضافة إلى المهجرين قسراً.
أصابع الاتهام وجهت إلى فصائل شيعية مقربة من إيران، و كشفت مفوضية حقوق الإنسان في العراق أن أعداد المختطفين في العراق في الفترة التي تلت أحداث يوليو 2014 تجاوزت الـ 12 ألف شخص، فيما أوضحت أن عدد المختطفين في السنوات الثلاث الأخيرة تجاوز الآلاف في عمليات متفرقة في انحاء العراق.
نعيم الكعود ، رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة الأنبار، قال إن العديد من الذين فقدوا أو احتجزوا في سيطرة الرزازة أبرياء، كاشفاً عن عدم وجود أدلة تثبت ولاءهم أو انتماءهم لـ”داعش”.
انتقد الكعود ما يتعرض له أهالي المخطوفين من ابتزاز ونصب واستغلال لمعاناتهم، مقابل وعود كاذبة بإطلاق سراح ذويهم، مؤكداً استمرار الجهود لإنهاء معاناة هؤلاء الأهالي.
أنس العزاوي، عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق ، صرح أن أعداد العراقيين المختفين قسرياً وصلت لـ 7663 حالة اختفاء قسري خلال الأعوام 2017 و 2018 و2019.
العزاوي قال ان “المفوضية سجلت خلال عامي ( 2018 و 2019) حوالي 7663 حالة اختفاء قسري، مبيناً أن الذين تأكد وجودهم في المعتقلات والسجون يبلغ عددهم 652. و هذه الأرقام لا تشمل الذين اختفوا في فترة وجود تنظيم الدولة “داعش” كما لا تشمل محافظات كردستان العراق، مشيراً الى وجود عراقيل تمنع المفوضية من الوصول إلى المختفين قسريا” . وكالة الأنباء العراقية”
عائلات الضحايا لجئوا إلى منظمات دولية ووثقوا شهادتهم بعد حالة من التهميش والتجاهل من قبل الحكومة ويقول هؤلاء إن مقاتلي فصائل شيعية احتجزوا آلاف الشبان والرجال السنة عقب استعادة مناطق شمالي وغربي البلاد من “داعش”، واقتادوهم إلى جهة مجهولة، ومن ثم انقطعت أخبارهم حتى الآن.
تقارير دولية
الأسبوع الماضي صدر تقرير، بمناسبة اليوم العالمي لضحايا الإختفاء القسري،عن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان خلص إلى أنه خلال العمليات العسكرية التي جرت بمحافظة الأنبار عامي 2015 و2016، أخضعت القوات الموالية للحكومة ما لا يقل عن ألف رجل أغلبهم من العرب السنة للاختفاء القسري، وما يتصل بذلك من انتهاكات بما في ذلك الإعدام خارج نطاق القضاء والتعذيب.
وأضافت أن هذه الأحداث وقعت إبان العمليات العسكرية التي قامت بها قوات الأمن العراقية بما في ذلك “الحشد الشعبي” لاستعادة أجزاء من محافظة الأنبار من قبضة تنظيم “داعش” الإرهابي وبدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
أشار التقرير إلى وجود مزاعم ذات مصداقية حول حالات اختفاء قسري من عدة محافظات أخرى، بما في ذلك نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى وبابل وبغداد.
وفي 2019 كان تقرير منظمة العفو الدولية الذي أشار إلى تعرَّض عدد من النازحين العراقيين، الذين يُعتقد أنهم ينتمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، للاختفاء القسري عقب اعتقالهم على أيدي قوات الأمن العراقية المركزية عند نقاط التفتيش، وفي مخيمات النازحين داخلياً، وفي مناطقهم الأصلية التي عادوا إليها. ووقع كثير من عمليات القبض في المناطق التي كانت سابقاً تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية أو يُعتقد أنها كانت من معاقل ذلك التنظيم.
وأضاف التقرير: “ظل في طي المجهول مصير آلاف الرجال والصبية الذين قُبض عليهم ثم اختفوا قسرياً على أيدي قوات الأمن العراقية المركزية، بما في ذلك قوات” الحشد الشعبي”، أثناء فرارهم من مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في الفترة ما بين عامي 2014 و2018. وكان من شأن اختفاؤهم أن يجعل كثيراً من النساء معيلات للعائلات، وقد عانى أولئك النساء من وصمة افتراض انتمائهن إلى تنظيم الدولة الإسلامية.
وختمت المنظمة بالقول بأن “المفوضية العليا لحقوق الإنسان” في العراق قد دعت البرلمان إلى إقرار مشروع قانون قُدِّم أول الأمر في عام 2015 لإدراج أحكام “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الإختفاء القسري”، التي صادق عليها العراق في عام 2010، في التشريعات الوطنية. ولم يكن مشروع القانون قد أُقّر بحلول نهاية العام”.
في 2018 ، اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش الجيش العراقي وقوات الأمن بممارسة الإخفاء القسري لعشرات من الرجال والصبية، معظمهم من السنة.
اعتمد التقرير الذي كان عنوانه “حياة بلا أب لا معنى لها“، على “بحوث نشرتها حول الإخفاءات القسرية منذ 2014، ومقابلات إضافية، بين 2016 و2018، مع الأسر ومحامين وممثلين عن المجتمعات المحلية لـ78 شخصا يُعتبرون مختفين قسرا، إضافة إلى ثلاثة أشخاص كانوا مختفين قسرا ثم أُفرج عنهم، وراجع الباحثون وثائق المحاكم ووثائق رسمية أخرى متعلقة بالإخفاءات”.
وتقول المنظمة إنها وثقت عشرات الحالات ، اعتقلت القوات العراقية أصحابها فيما بين 2014 و 2017، في إطار عمليات مكافحة الإرهاب ولم يشاهد أي فرد منهم بعد ذلك، ولم تتلق عائلاتهم أي إجابة من الحكومة العراقية بشأن مصيرهم.
أما اللجنة الدولية للصليب الأحمر قالت إن بالعراق أعلى نسبة من المفقودين في العالم، ويقدر هؤلاء بما بين 250 ألفا ومليون شخص.
ونشر كثيرون صورا لأقاربهم الذين اختفوا خلال الحرب، وتحدثوا عن معاناة أمهات وزوجات اعتقل أزواجهن وأولادهن، ولا يعرفون مصيرهم منذ سنوات.
البرلمان العراقي وتدويل القضية
تصاعد ملف المغيبين من قبل بعض السياسيين الذين هددوا باللجوء الى المحاكم الدولية ومنظمات حقوق الإنسان ، باعتبار الأمر “جريمة ضد الإنسانية”، حال عدم استجابة الحكومة لمعالجة الأزمة والكشف عن مصيرهم.
كتل سنية وشيعية داخل البرلمان، على رأسهم حيدر العبادي زعيم ائتلاف “النصر”، هددت بتدويل قضايا الإخفاء القسري والخطف منذ الكشف عن جثث مجهولة الهُوية في محافظة بابل ، إذ تعتقد أن هذه الجثث تعود إلى “المكوّن السُّني” وتحديداً من منطقة جرف الصخر التي لم يتمكّن سكانها من العودة إلى منازلهم رغم تحريرها من “داعش” عام 2014 وهو ما رفضه محمد الحلبوسي رئيس البرلمان.
شَكل البرلمان لجنة برئاسة سليم الجبوري، “لجنة متابعة المغيبين والمختطفين” ، والتي خلصت أن غالبية هؤلاء “فُقدوا خلال هروبهم من المناطق التي كانت تحت سيطرة “داعش” في اتجاه المناطق الآمنة تحت سيطرة الحكومة، إذ اعتُقل الرجال وتُرك النساء والأطفال” ولوحت اللجنة إلى خيار التدويل.
صرح أحمد المساري القيادي في جبهة الإنقاذ والتنمية لقناة الشرقية ” أن ملف المغيبين يعد ملف خطير وحساس والأعداد التي وصلت إلى مفوضية حقوق الإنسان ، بعد دخول ” داعش ” 2014 ، وصلت إلى 12 ألف مغيب في مناطق متعددة. واتهم المساري الحكومات المتعاقبة بعدم القيام بدورها في الكشف عن مصير هؤلاء المغيبين لذويهم وعوائلهم.
طالب عدد كبير من النشطاء العراقيين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حكومة بلادهم بالكشف عن مصير الذين اختفوا خلال العمليات العسكرية ضد تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية بين عامي 2014 و 2017.
وأطلق ناشطون عراقيون حملة بأسم “وينهم” ، والتي تصدرت منصات مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، ناشدوا من خلاله حكومة الرئيس مصطفى الكاظمي الكشف عن مصير “المغيبين والمخفيين قسرا”.
وهى حملة وطنية شارك فيها المئات من الناشطين والإعلاميين من داخل وخارج العراق، لتسليط الضوء وللوقوف مع معاناة عشرات الآلاف من أهالي وعوائل المختطفين، الذين غيبوا قسراً ولا زال مصيرهم حتى اللحظة مجهولاً.
والخلاصة, أنه على مدار ست حكومات متعاقبة ، من 2005 وحتى 2020 ، أدى ضعف القانون والتدهور الأمني والصراعات التي مرت بالعراق ، إلى تفاقم جرائم الخطف والإخفاء القسري وهو احد مؤشرات ديمومة العنف الناجمة عن الصراع السياسي والطائفي، وتحكم جهات تمتلك وسائل القوّة من سلاح ونفوذ سياسي.
نمط الإنتهاكات التي مورست في عمليات الإختفاء القسري جريمة ، وذلك بوضع الضحايا خارج نطاق حماية القانون، وتعريض الأفراد إلى التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء.
يجب على حكومة مصطفى الكاظمي اتخاذ إجراءات فورية للكشف عن مصير الاف الضحايا، وإجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة وفعالة، ومحاكمة الأشخاص والفصائل ، المشتبه في مسؤوليتهم، في المحاكمات تخضع للقانون العراقي.
#نريد_وطن