ريهام الحكيم تكتب: إيران بره.. أمريكا بره… بغداد تبقي حرة
العراق دولة عربية تحمل ماضي العرب القدامى والمسلمين، هي أرض الشهداء والعظماء، موقع جغرافي مميز وأهمية استراتيجية كبرى، وهي الرقم الأهم فى معادلة التوازن الإقليمي.
فى 2003 عقب الغزو الأمريكي، خرج العراق من سباق القوى الإقليمية، تلك الهدية – غير المقصودة – مُنحت لإيران من قبل الولايات المتحدة، حيث ازداد التوسع والهيمنة الايرانية على العراق وسوريا وجنوب لبنان – ما سمي بالهلال الشيعي – وهو ما أُعتبر تهديدًا لإستقرار المنطقة حسب بعض الساسة فى البيت الأبيض ومن داخل أقليم الشرق الأوسط.
لم يؤد الغزو الأمريكي للعراق فقط إلى إسقاط نظام صدام حسين، بل أدّى إلى إسقاط الدولة العراقية ومؤسسات الحكم فيها بشكل كامل، وبالأخص المؤسسة العسكرية العراقية, هذا الإنهيار المؤسسي العراقي أعطى الفرصة لإيران بالتدخل ومحاولة التأثير في عملية إعادة البناء المؤسسي لدولة ما بعد صدام.
المشهد في العراق 2019 كشف عن حدة الرفض الشعبي للتدخل الإيراني فى الشأن العراقي, إذ أقدم المحتجون على حرق العلم الإيراني وحرق القنصلية الإيرانية فى محافظة النجف الأشرف – ذات الأغلبية الشيعية – جنوب العراق, ودوت صيحات الشباب العراقي فى بغداد ” إيران .. برا ..برا .. بغداد تبقي حرة ” مطالبين بإستعادة الهوية العراقية وإنهاء تبعية الحكومة والطبقة السياسية للنظام الإيراني.
ومنذ 2005 وحتى 2019 عمدت إيران لتحويل العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات بينها وبين واشنطن, واعتبر العراق الورقة الرابحة فى يد النظام الإيراني للضغط على الولايات المتحدة والاتحاد الأوربى بشأن التفاوض حول برنامجها النووي.
تحول العراق إلى مستودع للأسلحة الإيرانية ومنصة لنشاط وكلائها, والمحطة الرئيسية للتوسع الإيراني لدول الشرق الأوسط.
الجارتان إيران والعراق فرقتهما الحروب وجمعتهما المناسك الدينية, تاريخ طويل من التقارب والصراعات، وإن ظل الصراع هو السمة الغالبة في العلاقة حتى 2003.
كلا البلدين غني بالنفط – إيران الرابع والعراق الخامس في إحتياطي النفط عالمياً عام 2019 – و تسيطر عليهما حكومتين متهمتين بالفساد وترجيح المصالح الخاصة للنخبة السياسية وترك الفتات للشعب, ولكن العراق يمتلك ميزة نسبية وهو أنه لا يخضع لعقوبات دولية.
يعتبر العراق الآن هو الشريك الرئيسي و الداعم الاقتصادي لإيران, حيث يستورد العراق من إيران كلا من الكهرباء والغاز الطبيعي والسيارات والسجاد والمواد الغذائية.
وبالرغم من الترابط الاقتصادي والسياسي, إلا أن إيران تعمدت انتهاك سيادة العراق والطعن فى استقلالية قراره السياسي أمام الشعب العراقي والعالم.
لم تسلم الشئون الخارجية للعراق من التدخلات الإيرانية، فقد سبق واعترضت طهران على الإتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة (2008) المتعلقة بتحديد وضع القوات الأمريكية، وانسحابها من العراق، واضطر نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية، آنذاك للذهاب إلى طهران، في محاولة لطمأنة النظام بها، والتعهد بأن ينص الإتفاق النهائي على منع الولايات المتحدة من مهاجمة إيران انطلاقاً من الأراضي العراقية.
كما عمدت إيران تجاهل العلم العراقي فى لقاءات دبلوماسية مع مسؤولين عراقيين ووضعت العلم الإيراني فقط أثناء اللقاء.
وعلى الصعيد الداخلي، إيران متهمة بالتدخل فى السياسة العراقية والمشاركة فى اختيار رئيس الحكومة العراقية منذ 2005 بالتوافق مع الإدارة الأمريكية ( شاركت فى اختيار كلا من حكومة إبراهيم الجعفرى ونوري المالكي وحيدر العبادي). “تقرير الاندبندنت”
وفي انتخابات 2018 استطاعت إيران منفردة السيطرة على مسمي المرشح لرئاسة الحكومة العراقية وكان عادل عبد المهدى هو من وقع عليه الاختيار وخرج كل من الولايات المتحدة والمرجع الشيعي على السيستاني من ميزان التوافق وتسمية رئيس الحكومة. ” تقرير الاندبندنت ”
كما اشتهرالجنرال قاسم سليماني القيادي فى الحرس الثوري الإيراني – عرف برجل إيران الأول في العراق وسوريا – بنشاطه مع ساسة العراق فى الكواليس, فما من تصعيد لحكومة جديدة بالعراق إلا ويكون سليمانى حاضراً ويقوم بشرح المسار الذي يتوجب على ساسة العراق سلوكه. ” تقرير DW “
وعلي الصعيد الأمني, إيران متهمة بزرع مجموعة من الميليشات المسلحة تابعة لها في العراق والتي تحصل على أكثر تجهيزاتها وعتادها من إيران مثل ميليشيا “عصائب أهل الحق” و”فيلق بدر” و”كتائب حزب الله” وأهمها ميليشيا “الحشد الشعبي”، وتلك الميليشيات شاركت الجيش العراقي فى تحريرالمناطق المحتلة من تنظيم داعش ( 2014 – 2017 .(
وقد سببت الميليشيات العراقية حرجاً كبيراً لإيران كونها قامت بارتكاب جرائم بحق السكان السُنة في غرب العراق ابان تلك الحرب.
اما عن التواجد العسكري الإيرانى فقد أعلن موقع أوريكس العسكري الأمريكي عن رصده لدبابات وصواريخ إيرانية متجهة إلى معركة “تحرير تكريت” 2015 ضد داعش. “تقرير الجزيرة “
واثبتت الوقائع على الأرض قتل قيادات كبرى في الحرس الثوري الإيراني على جبهات القتال – حرب داعش 2014 – في العراق مثل الجنرال “حميد تقوي” و”صادق ياري” وظهور قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني على الجبهة.
كما استهدفت طهران قواعد أمريكية على الاراضي العراقية (2019) لتعلن للعالم أن أرض العراق هي ساحة الالتقاء بينها وبين القوات الأمريكية.
إيران – والميليشيات التابعة لها – متهمة بخلق كوارث وأزمات اقتصادية وبيئية للعراقيين, أشهرها واقعة تسمم مئات الأطنان من الأسماك فى نهر الفرات جنوب العراق (نوفمبر 2018 ), و حادثة إحراق مساحات شاسعة من محاصيل زراعية (القمح والشعير) فى مدن وسط وشمال وغرب العراق مسببة خسائر كبيرة للمزارعين (يونيو 2019 ) واعتبرت هاتان الحادثتان تهديداً للأمن الغذائي للعراق ومحاولة لمنع العراق من الوصول للاكتفاء الذاتي واللجوء للاستيراد من إيران. “لم يتم توجيه اي تهمة مباشرة لأي جهة في تلك الحوادث”
وعلي الصعيد الشعبي، فعصابات إيرانية متهمة بانتهاك القانون العراقي ونشر المخدرات في جنوب العراق وتهريب عملات خليجية بطرق غير مشروعة. “تصريح الرائد علي شباع المالكي ضابط في الشرطة العراقية”
الخاتمة
لعبت إيران دوراً واسعاً في العراق منذ الغزو الأمريكي، سواء في الساحة السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية، دعمت مليشيات شيعية عراقية وتدخلت في تشكيل الحكومات العراقية.
وتسببت فى مشاحنات طائفية واسعة بين مكونات الشعب العراقي وأدخلت البلاد في حالة من عدم الاستقراروغياب الأمن, حتى رسمت ثورة العراقيين (اكتوبر 2019 – مارس 2020 ) الشعبية تصحيحاً لكل المسارات الخاطئة التي انتهجت منذ 2003 ، فالشعب العراقي رفض إيران والولايات المتحدة والساسة العراقيين التابعين لهما، مطالبا بحكومة وطنية مستقلة ترفع شعار السيادة والاستقلال الوطني العراقي.
الثورة التي قادها شباب العراق رفضت إيران والميليشيات التابعة لها صراحة ورفعت شعارات الولاء للعراق وحده وانهاء فوضي السلاح والفساد والطائفية مواجهين تحديات القتل والاختطاف والترويع للثوار.
فهل سينجح شباب العراق فى تحقيق مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم..
#العراق_ينتفض
#نريد_وطن