رسوم انتقامية بنسبة 84%.. الصين تعلن بدء التنفيذ في تصعيد جديد ردًا على حرب تجارية بدأتها الولايات المتحدة

كتب – أحمد سلامة

أعلنت الصين، الخميس، دخول الرسوم الضريبية بنسبة 84% على السلع الأمريكية، حيز التنفيذ، في خطوة تُعد ردًا مباشرًا على التصعيد الأمريكي الأخير في الحرب التجارية المستمرة بين البلدين.

جاء هذا القرار بعد يوم واحد من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطة جديدة لزيادة الرسوم على الواردات الصينية بنسبة 125%، في محاولة للضغط على بكين لتغيير سياساتها التجارية.

وفي الوقت نفسه، أعلنت واشنطن عن تعليق مؤقت للرسوم المفروضة على بعض الدول الأخرى، مما يُظهر استراتيجية أمريكية لتكثيف الضغط على الصين بشكل خاص. ولم تُصدر بكين حتى الآن ردًا رسميًا على أحدث الإجراءات الأمريكية، لكن المسؤولين الصينيين أعربوا عن رفضهم القاطع للتوجه الأمريكي، متهمين واشنطن بممارسة “الابتزاز”، ومتعهدين بمواصلة المقاومة في هذا الخلاف التجاري المتصاعد.

تُعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين واحدة من أبرز الصراعات الاقتصادية في العقد الأخير، حيث بدأت شرارتها الأولى في عام 2018 خلال ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

في ذلك الوقت، فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية على سلع صينية بقيمة 250 مليار دولار، متهمة الصين بممارسات تجارية “غير عادلة”، بما في ذلك سرقة الملكية الفكرية، فرض قيود على الشركات الأجنبية، ودعم الشركات الصينية بشكل غير قانوني. ردت الصين بفرض رسوم مماثلة على سلع أمريكية بقيمة 110 مليارات دولار، مما أدى إلى سلسلة من الإجراءات الانتقامية التي أثرت على الاقتصاد العالمي.

هذا الصراع لم يقتصر على الرسوم الجمركية فقط، بل امتد ليشمل حظر الشركات التكنولوجية الصينية مثل “هواوي” من دخول السوق الأمريكية، وفرض عقوبات على مسؤولين صينيين بسبب قضايا مثل حقوق الإنسان في هونغ كونغ وشينجيانغ. على الجانب الآخر، اتهمت الصين الولايات المتحدة بمحاولة عرقلة صعودها الاقتصادي، معتبرة أن هذه الإجراءات تهدف إلى الحد من طموحاتها في أن تصبح القوة الاقتصادية الأولى عالميًا بحلول عام 2030.

التصعيد الأخير يأتي في سياق معقد، حيث يواجه الاقتصاد العالمي تحديات كبيرة، بما في ذلك ارتفاع معدلات التضخم، واضطرابات سلاسل التوريد، والتوترات الجيوسياسية المستمرة.

الولايات المتحدة، التي تُعد أكبر اقتصاد في العالم، تسعى من خلال هذه الرسوم إلى حماية صناعاتها المحلية، خاصة في قطاعات مثل التكنولوجيا والزراعة، التي تأثرت بشدة من المنافسة الصينية.

في المقابل، الصين، التي تُعتبر ثاني أكبر اقتصاد عالمي، تعتمد بشكل كبير على تصدير السلع إلى الأسواق الغربية، وبالتالي فإن أي زيادة في الرسوم الأمريكية تُشكل تهديدًا مباشرًا لصادراتها.

وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، فإن الحرب التجارية بين البلدين كلفت الاقتصاد العالمي حوالي 1.6 تريليون دولار منذ بدايتها، مع توقعات بمزيد من الخسائر إذا استمر التصعيد.

الرسوم الصينية الجديدة، التي تبلغ 84%، ستطال مجموعة واسعة من السلع الأمريكية، بما في ذلك المنتجات الزراعية مثل فول الصويا والذرة، والمنتجات الصناعية مثل السيارات وقطع الغيار.

هذه الخطوة تُعد بمثابة رسالة واضحة من بكين بأنها لن تتراجع أمام الضغوط الأمريكية، بل سترد بقوة لحماية مصالحها الاقتصادية.. المسؤولون الصينيون، في تصريحات سابقة، أكدوا أن بلادهم لن تُفاوض تحت الضغط، وأن أي حل للخلاف يجب أن يقوم على مبدأ المساواة والاحترام المتبادل.

في الوقت نفسه، يرى محللون أن هذه الرسوم قد تُفاقم الأزمة الاقتصادية داخل الصين، التي تعاني بالفعل من تباطؤ النمو الاقتصادي، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي الصيني نموًا بنسبة 4.5% فقط في عام 2024، وهو أدنى معدل منذ عقود.

من جانبها، تُبرر الولايات المتحدة قراراتها بأنها تهدف إلى تصحيح الاختلالات التجارية مع الصين، التي تُسجل عجزًا تجاريًا معها يصل إلى 375 مليار دولار سنويًا. الرئيس ترامب، الذي عاد إلى السلطة في انتخابات 2024، كان قد وعد خلال حملته الانتخابية بتشديد السياسات التجارية ضد الصين، مؤكدًا أن بلاده لن تسمح باستمرار “استغلال” السوق الأمريكية، ومع ذلك، فإن قرار تعليق الرسوم على دول أخرى، مثل كندا والاتحاد الأوروبي، يُظهر أن واشنطن تسعى إلى بناء تحالفات اقتصادية لمواجهة الصين، وهو ما قد يُعزز من عزلتها اقتصاديًا على المدى الطويل.

تأثير هذا التصعيد لن يقتصر على البلدين فقط، بل سينعكس على الاقتصاد العالمي بأكمله.. الشركات متعددة الجنسيات، التي تعتمد على سلاسل التوريد بين الصين والولايات المتحدة، ستضطر إلى إعادة تقييم استراتيجياتها، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، خاصة في مجالات مثل الإلكترونيات والملابس.. فعلى سبيل المثال، شركات مثل “آبل” و”نايكي”، التي تعتمد بشكل كبير على التصنيع في الصين، قد تواجه زيادة في تكاليف الإنتاج، مما سيؤثر على أسعار منتجاتها في الأسواق العالمية. كما أن الدول النامية، التي تعتمد على تصدير المواد الخام إلى الصين، قد تشهد انخفاضًا في الطلب، مما يُهدد اقتصاداتها الهشة.

في السياق السياسي، يُثير هذا التصعيد تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين البلدين، خاصة في ظل التوترات المستمرة بشأن قضايا مثل تايوان والبحر الصيني الجنوبي.

بعض المحللين يرون أن الحرب التجارية قد تتحول إلى صراع أوسع يشمل أبعادًا عسكرية وسياسية، خاصة مع تزايد الخطاب القومي في كلا البلدين. على الجانب الآخر، هناك دعوات دولية للتهدئة، حيث حثت منظمة التجارة العالمية الطرفين على العودة إلى طاولة المفاوضات لتجنب المزيد من التصعيد. في عام 2020، كانت الولايات المتحدة والصين قد وقّعتا “المرحلة الأولى” من اتفاق تجاري، لكن هذا الاتفاق لم يُحقق النتائج المرجوة، حيث فشلت الصين في الوفاء بالتزاماتها بشراء سلع أمريكية بقيمة 200 مليار دولار، مما أعاد التوتر إلى الواجهة.

السؤال الآن يبقى مفتوحًا حول الخطوة التالية في هذا الصراع، هل ستستمر الصين في سياسة الرد الانتقامي، أم ستسعى إلى خفض التصعيد من خلال مفاوضات جديدة؟ وكيف ستتعامل الولايات المتحدة مع هذه الرسوم الجديدة، خاصة في ظل الضغوط الداخلية التي تواجهها بسبب التضخم وارتفاع أسعار السلع؟ ما هو مؤكد أن هذه الحرب التجارية لن تنتهي قريبًا، وأن تداعياتها ستستمر في التأثير على الاقتصاد العالمي لسنوات قادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *