رسائل تركية للقاهرة قبل زيارة “تطبيع العلاقات”| وعود اقتصادية وإخماد للتوتر الدبلوماسي.. و”الأناضول” تتغزل في “الشراكة الاستراتيجية” بعد 30 يونيو
بعثت تركيا، اليوم الاثنين، رسالة إلى مصر، قبيل زيارة وفدها الرسمي إلى القاهرة هذا الأسبوع، ونقلت وكالة “رويترز” عن وزير التجارة التركي، محمد موش، تفاصيل رسالته إلى مصر، والتي قال فيها: “تركيا تحتاج حاليا إلى مصر”.
وأضاف: “نريد تحسين علاقاتنا الاقتصادية مع القاهرة، ونعمل على إصلاح العلاقات الدبلوماسية بين قوتين إقليميتين لا يستهان بهما على الإطلاق”.
وتعكف تركيا في الفترة الأخيرة على تحسين علاقاتها مع مصر ودولة عربية وخليجية عديدة، بعد توتر في العلاقات منذ عام 2013، عقب ثورة 30 يونيو والإطاحة بحكم الإخوان المسلمين من مصر.
ومن المقرر أن ترسل أنقرة وفدا رسميا برئاسة نائب وزير الخارجية، سادات أونال إلى القاهرة، هذا الأسبوع، لبحث تطبيع العلاقات بين البلدين.
كان وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، قد قال مؤخرا خلال مقابلة تلفزيونية على قناة “خبر تورك” التركية، إنه تقرر مواصلة العلاقات بين البلدين على مستوى وزارتي الخارجية، معلنا عن لقاء سيعقد على مستوى نواب وزيري الخارجية للبلدين مطلع شهر مايو المقبل.
ولفت تشاووش أوغلو، إلى أن “لقاء سيعقد على مستوى نواب وزيري الخارجية التركي والمصري في الأسبوع الأول من مايو المقبل”، موضحا أنه “سيلتقي لاحقا نظيره المصري سامح شكري، ليبحث معه تعيين السفراء وسبل الارتقاء بالعلاقات إلى نقطة أفضل في المستقبل”.
كما تحدث وزيري خارجية تركيا ومصر هاتفيا، في أول اتصال مباشر بينهما منذ أن بدأت تركيا مساعيها لتحسين العلاقات المتوترة بين البلدين، مضيفة أن الوزيرين تبادلا التهاني بمناسبة قرب حلول شهر رمضان، لكنها لم تذكر مزيدا من التفاصيل.
وفي سياق متصل، نشرت وكالة الأناضول التركية مقالا تحليليا بشأن العلاقات بين البلدين، حيث قالت إنها شهدت تراجعا ملحوظا بعد الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي في يوليو 2013، وكان للتوتر بين البلدين في المجال السياسي تأثير سلبي على العلاقات الاقتصادية، إلا أن جهود التطبيع التي بدأت بخطوات اتخذها الجانبان مؤخرا، عكست في الواقع وجود إرادة سياسية مطروحة في هذا الاتجاه، ستكتسب طابعا رسميا مع زيارة سيجريها وفد من وزارة الخارجية التركية إلى القاهرة الشهر الجاري.
وأوضحت أن بدء عملية التطبيع بين البلدين لن تكون بمفردها قادرة على إنعاش العلاقات الاقتصادية في وقت قصير، لذلك سيعمل المسؤولون في البلدين على اتخاذ خطوات مهمة لزيادة التجارة الثنائية والاستثمارات.
ولفتت إلى أنه رغم وجود مشاكل مثل الحواجز الجمركية واللوائح البيروقراطية، والإجراءات الطويلة للحصول على تأشيرة دخول بين تركيا ومصر في السنوات السبع الماضية، إلا أن عجلة العلاقات الاقتصادية لم تتوقف عن الدوران بين البلدين، بل على النقيض من ذلك، ظلت مصر أحد أهم الشركاء التجاريين لتركيا في شمال إفريقيا.
بحسب بيانات معهد الإحصاء ووزارة التجارة التركيين، بلغ حجم الصادرات التركية إلى مصر 21.9 مليار دولار بين عامي 2014-2020، بينما بلغت الواردات من مصر 12.1 مليار دولار في الفترة نفسها.
وبالنظر إلى فترة السبع سنوات المذكورة، يتبين أن تركيا التي تصدر ما قيمته 3 مليارات دولار سنويا إلى مصر، حرصت على المحافظة على علاقاتها الاقتصادية مع القاهرة.
كما أن منتجات الحديد والصلب والسيارات والبلاستيك والمنتجات والزيوت البترولية شكلت سمة الصادرات التركية إلى مصر خلال الفترة المذكورة، من ناحية أخرى، يعتبر البلاستيك ومنتجاته ومنتجات الصناعات الكيماوية ومشغولات الذهب والنسيج من أهم المنتجات المستوردة من مصر.
وتتمتع الشركات التركية باستثمارات مباشرة في العديد من المجالات في مصر، مثل السيارات والبنوك وصناعة الزجاج والبناء والطاقة، فيما تشير التوقعات إلى أن هذه الاستثمارات ستشهد زيادة ملحوظة في الفترة المقبلة، خاصة بالنسبة لمصر التي تعاني من مشكلة في التشغيل وفائض سكاني من الشباب.
توضح الوكالة التركية أن مصر تعد اليوم واحدة من أكثر الاقتصادات أهمية في المنطقة، ويتجاوز عدد سكانها 100 مليون نسمة، وتمر منها طرق التجارة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، فضلًا عن الفرص التي تحتويها البلاد في مجالات استثمارات الطاقة والسياحة.
ويعود تاريخ الشراكة الاستراتيجية بين مصر ومنطقة الأناضول إلى عصور قديمة؛ ففي الفترات الرومانية والبيزنطية والعثمانية، شكلت مصر دائما واحدة من أهم الأسواق لمنتجات الأناضول.
وتابعت: “لطالما حرصت تركيا على إقامة علاقات اقتصادية وثيقة مع مصر، التي أصبحت واحدة من أكثر الدول استقرارا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لقدرتها على استخدام إمكاناتها الجغرافية وشراكاتها الاقتصادية، كما أن موقع مصر الاستراتيجي وعلاقاتها التاريخية والاقتصادية والأهمية التي تشكلها بالنسبة لتركيا، جعل من هذا البلد أحد البلدان المهمة أيضا بالنسبة للتجارة العالمية الراهنة.
ولفتت إلى أن مصر تملك سوقا تجارية كبيرة في إفريقيا، إلى جانب النمو السكاني الكبير في هذا البلد، وامتلاكها أيضا بوابات جديدة للمصدرين الأتراك للانفتاح على إفريقيا والدول العربية الأخرى، وفي وقت تستطيع فيه القاهرة توفير المواد الخام والبضائع الوسيطة التي تحتاجها الصناعة المصرية عبر استيرادها من تركيا، يمكن أيضا استخدام القوة العاملة المؤهلة الموجودة في البلدين لتنفيذ مشاريع واستثمارات مشتركة.
وألمحت “الأناضول” إلى رغبة مقاولين أتراك في المساهمة في مشروعات شبكة النقل والسكك الحديدية والبنى التحتية والموانيء والمراكز اللوجستية، التي تخطط لها مصر لربط البلاد بـ9 دول إفريقية، فضلا عن رغبة أنقرة في الشراكة في بناء محطات للطاقة المتجددة والغاز الطبيعي، وبناء محطة للطاقة النووية في مدينة الضبعة على ساحل البحر المتوسط.