رجعو التلامذة| 50 عامًا على ذكرى الحركة الطلابية في 1972: قصص البطولات في مواجهة “اللا سلم واللا حرب”
كتب – أحمد سلامة
“أنا قلت إن عام 71 عام الحسم، وزي ما قلت لكم في مستهل حديثي دلوقت، أنا كنت اتخذت القرار فعلًا في المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحضوره كله… وتعليماتي للقائد العام الفريق أول صادق كانت جاهزة، واتنفذت إلى آخر مرحلة، وقفت زي ما حكيت لكم… الضباب اللي حصل، لأن الضباب ده ضباب يوم الأحد 9 يوليه سنة 67، هوه نفسه اللي حصل عندي، بس حصل في جنوب شرق آسيا هناك… والاتحاد السوفيتي صديقي اللي واقف معايا، كان في هذه المعركة، الموضوع عايز مراجعة”.
كان ذلك جانب من خطاب الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذي ألقاه في يناير 1972 والذي رأه الطلاب وقتها يقضي على طموحات استرداد الأراضي المصرية التي احتلتها إسرائيل عقب نكسة 1967، تبددت الآمال التي غرسها بنفسه حول “عام الحسم” الذي سيقضي على الاحتلال.. الأمل في قلوب الطلاب تحول إلى غضب أسفر عن حركة سيذكرها التاريخ طويلا.
الخطاب يشعل الأزمة
سرعان ما جاء الرد في مؤتمر للطلبة في 15 يناير، حيث نُشرت آلاف المنشورات وصحف الحائط التي تنتقد الخطاب،وترفض استمرار حالة اللا سلم واللا حرب، وتطالب بخوض حرب تحرير شعبية شاملة لاستعادة الأراضي المحتلة بالقوة.. لم تتوقف المطالب عند هذا الحد، بل تطرقت إلى الديمقراطية، وتشجيع حرية الصحافة، فضلًا عن قيام اقتصاد حرب، تقدم فيه كل طبقة اجتماعية تضحيات نسبية تُحدَّد على أساس قدرتها على المساهمة.
تصاعدت حدة الحركة الاحتجاجية، ونُظمت المسيرات، وقامت الاتحادات الطلابية لكليات الآداب والاقتصاد والهندسة بالمسيرات والاجتماعات الجماهيرية، ووصلت إلى بيت الرئيس نفسه، ولمقر الاتحاد الاشتراكي، وتحول الاحتجاج إلى اعتصام.
بقيادة طلاب كلية الهندسة انتفض الطلاب، مطالبين الدولة بالإعداد للحرب لاستعادة سيناء من أيدى العدو الصهيوني، انطلقت الحركة بزعامة عدد من الطلاب أبرزهم سهام صبري التي قادت هي وحلمي المصري مؤتمر كلية الهندسة يوم الاربعاء 19 يناير 1972 والذي أعلن فيه الاعتصام.. وتولت مع حلمي المصري مسئولية اللجنة السياسية (إحدى اللجان الثلاث التي شكلها المعتصمون اللجنة العسكرية-اللجنة السياسية-لجنة الاتصالات).. وتولت إملاء المعتصمين كتابة بياني المعتصمين رقم ا،2 لتوزيعهم على طلاب الكلية نظرًا لعدم وجود مطبعة تحت تصرف المعتصمين.
كان من بين الطلاب أيضًا القيادي احمد عبدالله رزه ومحمد ابو الوفا الذى قاد مع نبيل عتريس باعتبارهما من أبناء السويس المهجرين اللجنة العسكرية وكان أحد أعضاء اللجنة الوطنية لكلية الهندسة إضافة إلى أحمد عبدالله طالب الاقتصاد والعلوم السياسية قائد اعتصام طلبة جامعة القاهرة عام 1972.
– البداية من مقال بمجلة حائط
في شهادته على الأحداث بعد 50 عامًا، يروي أحمد هشام ما حدث في تلك الأثناء.. “السبت 15 يناير 1972.. اجتماع مصدري مجلات الحائط: كانت بداية الأحداث والشرارة التي أدت لاعتصام 1972 مقالة بمجلة المعركة التي يصدرها سامي البرنس طالب قسم كهرباء بعنوان (سيدى الرئيس ليتك لم تتكلم)، تناولت بالنقد كل ما قدمه السادات من تبرير فى خطابه والذي برر فيه سبب عدم الحسم، هو نشوب الحرب بين الهند وباكستان والتي وصفها بأنها الضباب الذي منعنا من قتال إسرائيل، بمجرد تعليق المقالة تزاحم حولها الطلبة، وبدأت المقالات ورسوم الكاريكاتير تتوالى عن عام الحسم والضباب والحرب، ولم يسلم الأمر من ظهور مقالة كتبها طالب محسوب على اتحاد الطلبة، تحدث فيهاعن الأسلوب الغوغائي في تناول عام الحسم، ودافع عن وجهة نظر السادات، وبدأ اتحاد الطلبة في محاولة لمنع استمرار وتصاعد حركة الانتقاد، تزايدات الأعداد حول مجلات الحائط، وبدأت ظاهرة عدم حضور المحاضرات، وانتظم الطلبة في حلقات عديدة للنقاش”.
يستكمل أحمد هشام شهادته ويقول “اجتمع مصدرو مجلات الحائط عصر يوم 15 يناير 1972 واتفقوا على عقد مؤتمر يوم الاثنين 17 يناير 1972 يتولى إدارته سامي البرنس ودعوا طلبة الكلية، في بيان تم تعليقه على مجلات الحائط التي حضر أصحابها الاجتماع، لمناقشة خطاب السادات والخطوات الواجب اتباعها للإعداد للحرب مع العدو الإسرائيلي”.
في 17 يناير 1972، عقد الاجتماع الذي دعا له مصدرو مجلات الحائط، ودارت المناقشات، وخرجت ببيان تمت صياغته يضم ما تم مناقشته، كتوصيات، كان من ضمنها: رفض المشاريع السلمية لحل الصراع مع إسرائيل واعتبارها حلول استسلامية. رفض قرار مجلس الأمن رقم 242 ومبادرة روجرز ومبادرة السادات. إعداد الدولة للحرب. تحديد النسبة بين الحد الأدنى والحد الأعلى للأجور بنسبة 10:1. حرية الصحافة مع إدانة لما يكتبه هيكل وموسى صبرى لترويجهما للحلول الاستسلامية. وتم الاتفاق على عقد اجتماع الأربعاء 19 يناير 1972 لمتابعة رد فعل المسئولين.. صدرت تلك البيانات وسط محاولات من جانب اتحاد الطلبة للدفاع عما جاء بخطاب السادات.
يستكمل هشام “توجه وفد من مصدري مجلات الحائط إلى إدارة الجامعة، لإعلامها بما حدث، صادف أن كان هناك اجتماع لعمداء كليات الجامعة، أبلغناهم بنتائج اجتماعنا وبمطالبنا، وفى المساء التقي عدد من أعضاء جماعة أنصار الثورة الفلسطينية لتقييم ما حدث، كان هناك اتفاق علي أن الأمور في سبيلها للتصعيد، وأن هناك احتمال أن يطالب الطلبة باعتصام لتنفيذ توصيات المؤتمر، وأثناء الاجتماع حضر محمد توفيق طالب قسم ميكانيكا الذي تطوع بطباعة البيان، أخذنا نسخ البيان، وقسمناها بيننا لتوزيعها على طلاب الكلية صباح اليوم التالي، وأيضاً لتعليقها على مجلات الحائط”.
تضيف الشهادة “الثلاثاء 18 يناير 1972: حاول اتحاد الطلبة احتواء نتائج المؤتمر، فاتهموا جماعة أنصار الثورة الفلسطينية بالسيطرة عليه، لدفع الطلبة للصدام مع السلطة، مما يؤثر سلبياً على تماسك الجبهة الداخلية، ودعوا إلى مؤتمر فوري تشارك فيه الجماعة، ويتم دعوة أحد المسئولين لمناقشته، والإجابة على تساؤلات الطلبة، بدا من العرض أنه غير جدي، بل محاولة لمنع عقد مؤتمر الاربعاء، واستمرت حلقات النقاش في الاتساع والسخونة، وتناولت ما جاء في البيان الذي وزع صباحًا”.
الحكومة من جانبها حاولت التهدئة بعدة إجراءات كان أولها إرسال «أحمد كمال أبو المجد» أمين الشباب بالاتحاد الاشتراكي العربي للحوار مع الطلبة والرد على أسئلتهم، إلا أنه لم يتمكن من الرد على هذا الكم من الأسئلة الجريئة، وأعلن أن الرئيس وحده هو الذي يستطيع الرد عليها، فما كان من الطلبة سوى أن قاموا بطرده.
حول ذلك يقول هشام “يوم الأربعاء 19 يناير 1972 عقد المؤتمر الذى اتفق على عقده يوم الاثنين 17 يناير 1972، كان على المنصة عدد من الطلبة مصدري مجلات الحائط، وسهام صبرى وحلمى المصرى من أعضاء جماعة أنصار الثورة الفلسطينية، كان الجو متوترا بسبب المحاولات المحمومة من الطلبة المحسوبين على الاتحاد الذي كان يسعى إلى عدم خروج المؤتمر بنتيجة مشابهة لمؤتمر الاثنين، وزاد من التوتر حضور الدكتور كمال أبو المجد أمين الشباب بالاتحاد الاشتراكي، بصحبة الدكتور حسن إسماعيل مدير الجامعة. فشل أبو المجد فى احتواء غضب الشباب، وتسبب في تصاعده، وقال إنه جاء ليسمع التساؤلات وينقلها للمسئولين، ثم يعود ويبلغنا بالإجابات، رد أحد الطلبة: يعنى ساعى بوسطة؟ أكد كمال أبو المجد على القول، وأدى ذلك إلى أن يرد طالب آخر”طيب احنا معتصمين هنا لغاية لما ييجى حد مسئول”، عندها هاج المدرج وتدخل الدكتور حسن إسماعيل محاولا التهدئة، وبالرغم من احترام الطلبة وتقديرهم له لم يتمكن من تهدئتهم، وانصرف الاثنان وسط هتافات عدائية لكمال أبو المجد”.
– لقاء مع سيد مرعي ومحاولات التهدئة
“فجأة اختفى كل من على المنصة، واعتلاها طالب ضخم بنظارات سوداء، تكلم ولكن وسط الهرج والمرج الذي تلى اعلان الاعتصام، لم يعد هناك من يستمع، ساعتها تجمعنا نحن أعضاء جماعة أنصار الثورة الذين شاركوا فى المؤتمر على سلالم قسم كهرباء المقابل للمدرج، كنا في حالة من التخبط ، وبدأنا نسأل أنفسنا ماذا نفعل، وهل هذا الوقت المناسب للاعتصام، هل نحاول إقناع زملائنا بعدم الاعتصام، ومن يستطيع مواجهتهم بذلك، واقترح علاء بكيش أن يذهب وفد لمقابلة المسئولين بالاتحاد الاشتراكى للحصول على إجابة لتساؤلاتنا، التي عجز كمال أبو المجد عن الإجابة عليها، وفي حالة عدم الحصول على أجوبة مقنعة نعتصم. عاد زميلانا للمنصة وأبلغا الطلبة بالاقتراح، فوافقوا عليه وتشكل الوفد من حلمى المصرى- عصام حزة- أحمد بهاء- ماجد إدريس- أحمد هشام”.. يستكمل هشام الذي كان ضمن الوفد حينذاك.
ويتابع “ذهبنا إلى مبنى الاتحاد الاشتراكى، أبلغنا الموظفين الموجودين فى المدخل بأننا طلبة من هندسة القاهرة، ونطلب مقابلة أى من المسئولين، انتظرنا بعض الوقت، بعدها تمت دعوتنا لمقابلة سكرتير اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى، فوجئنا بأنه سيد مرعى، استقبلنا فى مكتبه، نقلنا إليه تساؤلاتنا ومطالبنا، أثنى على حماسنا وغيرتنا على الوطن، وأبلغنا أنه عائد من أول اجتماع له مع السادات بعد تعيينه سكرتيرا للجنة المركزية وأن الاجتماع كان كله عن المعركة والاستعداد والتجهيز لها، وأن الشغل الشاغل للسادات هو استعادة الأرض ولكن فى الوقت المناسب بعد تهيئة الوضع الدولي”.
يضيف هشام “أثناء الاجتماع حضر كمال أبو المجد من غرفة مجاورة حيث كان مجتمعا بوفد من كلية السياسة والاقتصاد كما علمنا بعد ذلك وشارك فى اللقاء، أثناء اللقاء جاءت مكالمة لسيد مرعى أنهى على أثرها اللقاء فجأة، وبدا كأنه يطردنا.. عدنا للكلية، وأبلغنا الحضور بما تم، صمموا على الاعتصام لحين أن تجاب مطالبنا، قمنا بإعلان 3 لجان يتوزع عليهم المشاركون فى الاعتصام: اللجنة العسكرية وانضم إليها أغلب المعتصمين، وتولاها محمد ابو الوفا ونبيل عتريس من اعضاء جماعة أنصار الثورة وكان مقرها مدرج الساوى، واللجنة السياسية وتولاها سهتم صبرى وحلمى المصرى، ولجنة الاتصالات التى اعتبر الجميع أنهم مسئولون عنها”.
في تلك الأثناء حاول السادات تهدئة الحركة الطلابية بعدة قرارات اتخذها لامتصاص الغضب، فأجرى عددًا من التغيرات بالحكومة، وشرع في إعداد الاقتصاد لمعركة التحرير، وفتح باب التطوع للجيش أمام الطلاب، إلا أن ذلك لم يُغير من موقف الحركة شيئًا، التي رأت أنها إجراءات عديمة الجدوى.
– بدء الاعتصام ومناقشات بين الطلاب
يتابع هشام في شهادته “انضم إلي الاعتصام عدد من طلاب كليات الجامعة لا يتجاوز العشرين، استقبلناهم بمدرج إبراهيم عثمان، كان بينهم حامد مصطفى طالب الطب بيطرى نصحنا بضرورة إغلاق باب الكلية الرئيسى، وبحث وسائل الإعاشة والمبيت، فقد تطول مدة الاعتصام، فى المساء انتشر المعتصمون فى أرجاء الكلية، ودخلوا فى مناقشات تناولت أمورا عديدة، من تعليق الدراسة لمدة شهرين، كي ينخرط الطلبة في تدريب عسكري جاد، إلي ضرب المصالح الأمريكية، دعم الثورة الفلسطينية، اقتصاد الحرب، القوانين المقيدة للحريات، رفض المشاريع الاستسلامية، ومع تقدم ساعات الليل واشتداد البرد، أخذ المعتصمون فى البحث عن أماكن لقضاء ليلتهم، تجمع عدد كبير فى مدرج الساوى، ونظرا لعدم وجود مطبعة تحت تصرف المعتصمين، قامت سهام صبرى بإملاء بيانيّ الاعتصام رقمي (2،1) على المعتصمين لتوفير نسخ منهما لتوزيعها صباح اليوم التالي، كان البيانان يحويان ما جاء في البيان الذي صدر عن مؤتمر يوم الاثنين 17 يناير، بالإضافة إلى التساؤلات التي وجهت لكمال أبوالمجد، مع اقتراب الفجر انضم المعتصمون من طلبة الجامعة إلى المعتصمين بمدرج الساوى، واقترح أحد طلبة كلية الآداب تكوين لجان وطنية لكل كلية من 5 طلاب، وتقوم كل لجنة بتصعيد ممثل لها، لتكوين اللجنة الوطنية العليا للجامعة، تكونت اللجنة الوطنية العليا، وتم الاتفاق على نقل الاعتصام إلى قاعة الإحتفالات الكبرى”.
يضيف هشام “يوم الخميس 20 يناير 1972: فى الصباح دخل المعتصمون قاعة الاحتفالات الكبرى، وجلس علي الكراسي الكثيرة بالمنصة أعضاء اللجان الوطنية للكليات، وتناوبوا إلقاء الكلمات، حتي جاء دور ممثل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية احمد عبدالله، فاختارت القاعة زعيمها، وأصبح مع مرور الوقت المتحدث الوحيد في القاعة، توافد الطلبة علي القاعة، وانضم إلي الاعتصام طلاب من الكليات التي لم يشارك طلابها في اعتصام الهندسة، وقاموا باختيار لجانهم الوطنية وممثليهم باللجنة الوطنية للجامعة، وفى هندسة كان الاتحاد يحاول تجميع الطلبة المحسوبين عليه، لاظهار أن الطلبة ضد الاعتصام، وأن المعتصمين لا يمثلون الكلية، وقام الدكتور إبراهيم جعفر بمحاولة لتشكيل وفد من طلبة الكلية يمثل فيه المعتصمون، والمحسوبين علي الاتحاد، لمقابلة سكرتير اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى، للوصول لحل يرضى الطرفين ويُنهي الاعتصام، وجرى اللقاء، لكنه لم ينجح”.
ويستكمل “مقابل تعثر حصول طلبة الهندسة على مطبعة، تمكن عدد من الطلبة منهم هدى صلاح الطالبة فى كلية التجارة- وهانى عنان الطالب فى كلية الطب من الدخول لمطبعة الجامعة ببدروم قاعة الاحتفالات، وطباعة الوثيقة الطلابية بأعداد كبيرة، تم توزيعها على طلاب الجامعة، أمضى المعتصمون ليلتهم الأولى فى القاعة مرددين أغانى أولاد الأرض والهتاف باسم اللجنة الوطنية وترديد هتاف (اللجنة والمطالب يا إما الاعتصام)”.
– 4 أيام من الاعتصام.. الدائرة تتسع
دخل الاعتصام يومه الثاني في الجمعة 21 يناير وبالرغم من كونه يوم جمعة، لم تتناقص الأعداد، وشهدت الحدائق المحيطة بالجامعة حلقات نقاش موسعة مع أفراد من خارج الجامعة جاؤوا لإقناع الطلاب بإنهاء الاعتصام بحجة عدم جدواه، وأن هناك وسائل أخرى لرفع المطالب، ومثلما جاؤوا غادروا دون أن ينجحوا، وتوافد طلاب من الجامعات الأخري لينضموا إلى المعتمين.
في اليوم الثالث للاعتصام، بدا الانقسام واضحًا حسب شهادة هشام، “فهناك في مقر الكلية أقلية من الطلبة المحسوبين على الاتحاد وأجهزة الدولة، ومعهم بعض الطلبة المسكونين بحقيقة راسخة لديهم، بأن الموجودين بالقاعة ماهم إلا مخدوعين من قبل قلة مندسة من الشيوعيين الذين يسعون لتنفيذ مؤامرة للاستيلاء، على الحكم بالتحالف مع الاشتراكية العالمية، واختارالمسكونون التحالف مع الاتحاد وأجهزة الدولة من أجل القضاء علي الشيوعيين، يقود الاثنان اتحاد الطلبة بإشراف من أجهزة الدولة، وقام الاتحاد بعقد مؤتمر بالكلية لدعوة المتحالفين معه للذهاب إلي قاعة الاحتفالات لعرض وجهة نظرهم. وفى قاعة الاحتفالات أغلبية من طلبة الهندسة، يسعون إلى حشد الأمة وراء مطالبهم بالتصدى للحلول الاستسلامية واستعادة الأرض المحتلة، والتصدى للعدو الصهيونى بنصرة الثورة الفلسطينية، وتحقيق العدالة الاجتماعية والحرية، وإقصاء الفاسدين من السلطة والصحافة”.
في ظل تزايد أعداد المنضمين إلى الاعتصام، جرت محاولات لاقتحام القاعدة من قِبل بعض الطلاب التابعين للنظام وهم يهتفون ضد “الشيوعيين” وقابلهم المعتصمون بالطرد من القاعة، واصفين إياهم بعملاء المباحث.. خلال إحدى تلك المحاولات حملوا أحد أساتذة الكلية الدكتور إبراهيم فوزى الاستاذ بقسم ميكانيكا بكلية الهندسة على الأعناق وفشلت المحاولات، في النهاية صعدوا لبلكون القاعة، واحتلوا بعض مقاعده محاولين إفساد المناقشات الدائرة. تزايد تشدد المعتصمين، وطالبوا بحضور رئيس الجمهورية للقاعة لمناقشته فى مطالبهم التى شملتها الوثيقة.
في اليوم الرابع للاعتصام، حضر إلى القاعة، وفد من مجلس الشعب في محاولة لإيجاد مخرج يقبله الطلبة ويحفظ ماء الوجه للنظام الذي وجد نفسه في وضع حرج، وتم الاتفاق على أن يتجه وفد من المعتصمين إلى مجلس الشعب لعرض طلباتهم، وبعد ساعات عاد الوفد وتحدث زين العابدين فؤاد (الشاعر) طالب الآداب نيابة عن الوفد، وأخبر الحضور بأن مجلس الشعب أقر ما جاء في الوثيقة الطلابية، وأنها ستذاع في نشرات الأخبار التالية، ارتفعت الصيحات والهتافات للجنة الوطنية، وملأ الجميع شعور لايصفه ولا يحسه إلا من عاشه.. غير أن ذلك لم يحدث.
يقول هشام “انصرف العدد الأكبر، فلقد نجح الاعتصام في تحقيق أهدافه، وفضلوا أن يستمعوا إلى النشرة وهي تذيع وثيقتهم في منازلهم، خاصة بعد أن قضوا عدة أيام وليالي بعيداً عنها، ولم يذوقوا طعم النوم إلا لساعات محدودة، بقى بالقاعة عدة مئات فضلوا الاستماع إلي النشرة، خاصة أن بعضهم كان ممن حضر اعتصام 1968، الذى وعد فيه رئيس مجلس الأمة بإذاعة طلبات الطلبة في نشرة أخبار تالية لاجتماعهم، ولم يحدث”.
ويسترسل “استمعنا إلى نشرة الساعة11 مساء، لا شيء، فقد كان لقاء مجلس الشعب، وسيلة اتبعوها لإنهاء الاعتصام، أحضر طالب نسخة من جريدة أهرام اليوم التالى، والتى صدرت مساء مبكرة، وبها خبر تقديم إجازة عيد الأضحى لتبدأ الاثنين 24 يناير بدلا عن الثلاثاء 25 يناير، وهذا معناه إغلاق الجامعة من الغد، وليستمر الإغلاق طوال إجازة نصف العام، التي بدأت بإجازة عيد الأضحي. أحدثت تلك التطورات قدرا كبيرا من الارتباك بين من تبقى من المعتصمين، فتحلقوا لمناقشة الأمر، تباينت الآراء وتبنى البعض الدعوة لمسيرة تخرج فورا وتتجه لميدان التحرير، وقاموا بتعليق مقالة تدعو للمسيرة وضرورتها، وعارض البعض الآخر الفكرة بسبب قلة العدد، مما يتيح سهولة تفريق المسيرة، ومنعها من الوصول لميدان التحرير، وكان الرأى الغالب هو اعتبار الموجودين أعضاء مؤتمر دائم الانعقاد، وأنه تقرر تعليق أعمال المؤتمر خلال إجازة نصف العام، على أن نعاود الاجتماع بعد انقضائها، ولما كان الوقت متأخر وتعدى منتصف الليل، والجميع مجهدين، اتفقنا على المبيت واعلان القرار قبل انصرافنا في الصباح”.
– ليلة الاقتحام: كل واحد يقعد مكانه.. سلموا نفسكم
مع الزخم الذي أحدثته الحركة الطلابية في تلك الأيام بجامعتي القاهرة وعين شمس، رأت الحكومة أن عليها أن تتدخل بشكل “أكثر جدية” لإنهاء تلك الحالة خوفًا من امتدادها إلى الشارع، ومع فجر يوم الاثنين 24 يناير اقتحمت قوات الأمن المركزي مقار الاعتصامات واعتقلت نحو 1000 من الطلبة المعتصمين.. وبالرغم من منع هؤلاء الطلبة من الهتافات فإنهم كانوا يطلقون الصفافير التى تؤدى نشيد «بلادى… بلادى… لك حبى وفؤادي»، وكان في مقدمتهم أحمد عبد الله رزة.
في صباح اليوم نفسه (24 يناير) فوجئ الطلبة باعتقال زملائهم فانطلقوا إلى الشوارع واحتل نحو 20 ألف طالب ميدان التحرير، وانضم إليهم الكثير من المواطنين، حيث أعلنوا الاعتصام حتى يتم الإفراج عن زملائهم المحتجزين والاستجابة لمطالبهم، وتعالت الأصوات وانتشرت أغاني الشيخ إمام في ميدان التحرير، التي كتبها رفيقه أحمد فؤاد نجم خلال تلك الأحداث: «أنا رحت القلعة» و«رجعوا التلامذة»، و«جيفارا مات».
نعود إلى القيادي الطلابي أحمد هشام الذي قال في شهادته “عند الفجر استيقظت على جلبة، عندما رفعت رأسي لاستوضح ما يحدث، فوجئت بصوت يصيح من خلال مكبر صوت، عرفنا بنفسه، ثم قال (كل واحد يقعد مكانه..مش عايز ولاحركة.. سلموا نفسكم)، كان المتكلم ضابط رفيع الرتبة يقف عند مدخل القاعة، وحوله أفراد من الأمن المركزي، بدأ الطلبة يستيقظون، تجمعنا في الكراسي الأمامية للقاعة متقاربين، نلتمس الدفء والقوة والشجاعة من بعضنا البعض، الوحيد منا الذي اتجه صوب المنصة، وجلس على كرسيه الذى احتله طوال أيام الاعتصام، كان احمد عبد الله، رئيس اللجنة الوطنية أمسك بالميكرفون، ووجه حديثه إلينا طالبا الهدوء وعدم الاشتباك مع المقتحمين، ثم وجه حديثه إلى قائد قوة الاقتحام معرفا بنفسه مثلما عرف الضابط نفسه، وعندما أعاد الضابط الأمر بأن يسلم الطلبة أنفسهم، طالبه بأن يوجه الكلام إليه باعتباره ممثلا للطلبة، وأجابه بأننا سنسلم أنفسنا بشرط الحصول على إيصال بالاستلام، عندها خرج من خلف المسرح طالب استيقظ من نومه متأخرا، بعد أن نام ليلته مستخدماً ستارة المسرح كغطاء يقيه من برد ينايرالقارص، يسأل (هو فيه إيه؟).. ساعتها علت وجوهنا ابتسامة أزالت رهبة الاقتحام المفاجئ والعنيف للقاعة، وعدنا كما كنا طوال أيام الاعتصام طلاب عدل وحرية، وعلي استعداد لمواجهة عواقب حب الوطن وناسه”.
يستكمل هشام “طلب الضابط أن نسير فى طابور إلى خارج القاعة، خرجنا من الباب الجانبي، ساعتها دقت ساعة الجامعة 6 دقات، وفجأة ارتفع من بيننا صوت صفير بلحن نشيد بلادى بلادى، وبدأ أحدنا فى الغناء، شارك الجميع ونحن نسير بين صفين من عساكر الأمن المركزى.. مشهد يصعب وصفه، صوت دقات ساعة الجامعة تنساب في صباح يوم من أيام يناير شديد البرودة، شبورة تلف المكان، طابور طويل لشباب يغنى للوطن، رباط أقوى من رباط الدم يربط بينهم، يقين داخلي يضمن تحقيق الأماني، ضباط وعساكر الأمن المركزى صامتين، لا قسوة أوتحفز فى عيونهم”.
“وصل طابورنا إلى الشاحنات المصطفة فى ساحة الجامعة، ولاحظنا أن الباب الرئيسى للجامعة تم كسره من قبل المقتحمين، صعدنا إلى الشاحنات، وانطلق الموكب مخترقا شارع الجامعة إلى كوبرى الجامعة، حتى شارع صلاح سالم، دخلنا معسكر الأمن المركزى بالدراسة، نزلنا لنحتجز داخل عنابر أشبه باسطبلات الخيل، وبعد إغلاق الأبواب لم يسأل أحد فينا. من شبابيك العنابر كان الجنود يمرون، ويبدو أنهم موكلون بمراقبتنا، بمرور الوقت نشأت علاقة بيننا وبينهم، عرفنا منهم أن هناك مظاهرات عند الجامعة وفى ميدان التحرير”.. هكذا أضافت الشهادة.
لقد مثلت الانتفاضة أحد أهم الانتفاضات الحقيقية للحركة الطلابية، أثبتت من خلالها الحركة أنها مجموعة ضغط فعالة وقوية قادرة على التعبئة الجماهيرية، كما نجحت في تمهيد الطريق لما تلا حرب أكتوبر من انتفاضات ونضالات كما حدث في انتفاضة الخبز 1977، احتجاجًا على غلاء الأسعار، وهي الانتفاضة التي كادت تُطيح بحكم السادات.
لم يتوقف أثر الانتفاضة عند هذا الحد، فقد امتدت إلى خارج مصر، وبالتحديد إلى تونس حيث ألهمت الحركة الطلابية بها وانطلقت انتفاضة طلابية تونسية مماثلة في فبراير 1972، احتجاجًا على قمع السلطة الحاكمة، والمحاكمات التعسُّفية التي تعرضوا لها من قبل محكمة أمن الدولة، نتيجة نشاطهم النقابي والسياسي.
حتى الآن، مازالت أغنية “رجعوا التلامذة” التي كتبها الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم وغناها الشيخ إمام، واحدة من أبرز ملامح وأيقونات الحركة الطلابية، مازالت تلك الأغنية على وجه التحديد هي الشعار الأكبر لتأثير الوعي الطلابي على مسار الأحداث السياسية.