رائد سلامة يكتب: يومٌ آخر (إبداعات)
شَعُر أنه موجودٌ في هذه الدنيا فقط كي يغادرها، لا شيئ ذا بال يفعله علي الإطلاق، لم يكن يجد معنىً للأشياء، هَواء البحر العجوز و دخان التَبغٍ و بُنُ القهوة، لم يعُد لأي شيئ رائحةٌ و لا مَذَاق، كل الألوان باهِتةٌ وكل الأصوات محضُ ضوضاءٍ وكل علامات خطواته فوق الرمال بَدَدَتها الريح، ليس هناك من هدفٍ يسعى إليه و لا أثرٍ يتركه.
لم يكن هناك من فائدة تُرجى علي الإطلاق بعدما خاض معارك العُمرِ المُفعَمة بالأمل و الحُلم و حبات مَطَرٍ لم يَأت، مَهزومًا مُثخَنًا بنُدُوبِ الجسد وتباريح الرُوح كان، إستَسلَم فرَفَعَ الراية و ألقى ما كان يحسَبُهُ آخر أسلحته.
لم يكُن يُغادِر غرفة مَكتَبِه، أصبحت الأيامُ عبئًا ينوء بِحَملِه كَاهِلُه، لم يَكن يفعل سوى بذل مزيد من الجهد في إيجاد طريقة لتمرير الأيام واحدًا وراء الآخر، كان يعلم أن اليوم الذي يمضي إنما هو يَخصِمُ من رصيدِ وجودِهِ جزءًا يقتربُ به من الفناء، كان يمارس طقس الرحيل بكل الإخلاص، ينام طوال النهار حيث صخب الناس و يسهر في هدوء الليل يقرأ بلا عقلٍ و يكتب بلا رُوحٍ منتظرًا شروق الشمس كي ينام ثانية مُنجِزًا أهم أعماله، الإنتهاء من يومٍ آخر.