رائد سلامة يكتب: فريق بايدن الاقتصادي.. إطفائيو الحرائق لنمط اقتصادي في قمة أزمته
في مؤتمر صحفي عُقِد ليلة أمس بالعاصمة الأمريكية، أعلن جو بايدن الرئيس الأمريكي المنتخب أسماء مرشحيه للفريق الإقتصادي في إدارته التي ستبدأ في 20 يناير 2021 بحضور نائبته “كامالا هاريس”، حيث أدلى كل منهم بكلمة قصيرة للصحافة.
ملاحظاتي علي ما شاهدته بالأمس هي علي النحو التالي:
1) كل المرشحين من عائلات مهاجرة حديثًا (بشكل نسبي) ومن الطبقة العاملة التي اندمج أفرادها عند هجرتهم في المجتمع الرأسمالي، وقاموا بإيلاء أبنائهم قدرًا من العلم والدراسة ليرتقوا في السلم الإجتماعي داخل الطبقة العاملة الأمريكية، ويصلوا إلى أعلى شرائحها وهم من شكلوا فريق بايدن الإقتصادي وهم بالتالي ليسوا “إشتراكيين” بالمعنى العلمي للكلمة لكنهم ينتمون جميعًا من الناحية الفكرية لمدرسة ما بعد الكينزية في الفكر الإقتصادي، وهم من التكنوقراط أي أنهم “فنيين” بالأساس لا “سياسيين محترفين” رغم إنتمائهم للحزب الديمقراطي.
2) كان هناك إهتمام واضح من خلال تركيز المتحدثين جميعا علي موضوع “الأعمال الصغيرة” Small Businesses بما يعني أن لديهم خططًا لتنمية هذا القطاع الذي يشغل المهاجرين حجمًا نسبيًا عاليًا بداخله.
3) قال بايدن كلامًا هامًا وصريحًا عن شراكات وعملٍ موحد مع السياسي الديمقراطي “بيرني ساندرز” الذي يصفه الجمهوريين جميعًا و بعض الديمقراطيين بأنه شيوعي، في إشارة بالغة الوضوح لتحول ربما يكون جوهريًا في نهج أدوات العمل لفريق بايدن الإقتصادي. يجدر الذكر أن “بيرني ساندرز” كان قد غَرَّد قبل المؤتمر بساعات بأن “140 ألف أمريكي كانوا قد فقدوا وظائفهم خلال الشهر الماضي وأن معدل البطالة الحقيقي قد تجاوز ال12% و أن الملايين من الأمريكيين يعانون الجوع و إحتمالات الطرد من بيوتهم و الإخفاق في سداد ديونهم.
4) قالت “هاريس كلامًا هامًا أنهته بعبارة قاطعة بعدما انتهت وعود المنافسة الإنتخابية أي أن ما قالته ستُحاسب عليه بجدية من الآن حين قالت “بناء أمريكا في أقل من سنتين”.
أتوقع بناءًا علي ما لمسته في المؤتمر الصحفي بالأمس، أن المجتمع السياسي الأمريكي سيشهد هدوءًا نسبيًا خلال الفترة القادمة، وأن مهمة “بايدن” ستكون أقرب لإطفائي الحرائق الذي أتي لتهدئة الأوضاع التي أشعلها سلفه في العالم بلا داع وبالصورة التي لم تكن في صالح أمريكا وأنه سيسعى لإستعادة القيم الأمريكية سياسيًا و إقتصاديًا (سواء إتفقنا معها أم لم نتفق) وذلك بشكل تقليدي فني مُنظم لن يتعدى حدود النمط الاقتصادي والاجتماعي القائم وبالتالي لن يأت بجديد في مسألة تغيير “بنية” هذا النمط الذي أدرك الجميع أنه قد وصل إلي قمة مأزقه لكنه سيسعي بلا شك لتصويب مساره بإستخدام “أدوات” تستدعي “إجراءات” كينزية سبق وأن إستخدم “أوباما” ما يشبهها إبان الأزمة المالية في 2008.
لا شك في أن تكلفة تلك الإجراءات هي تكلفة عالية جدا وضخمة على موازنة الدولة الأمريكية فيما يتعلق بالعجز وحجم الديون التي تضخمت بشكل إستثنائي بسبب وباء كورونا و الأزمات التي خلفها ترامب، وهو ما يعني أن تطبيق تلك الإجراءات بتكلفة لا تلقى مزيدًا من الأعباء علي كاهل دافع الضرائب الأمريكي هو أمر يستدعي سياسات خارجية وإقتصادية أكثر مرونة، ففي الأغلب ستكون هناك تهدئة في الملف الإيراني مثلا وستختفى الدعوات العنصرية ضد المهاجرين، و ربما نشهد مطالبات أمريكية بإسقاط جزء من ديونها مع العالم الخارجي في إطار طرح “أخلاقي” نوعًا ما، فمنذ أيام كان هناك مقالًا منشورًا بالفاينانشال تايمز (وما أدراك ما الفينانشال تايمز) كتبه كبير مديري الاستثمار في أحد أهم بنوك إدارة الثروات البريطانية يطالب فيه بإسقاط ديون الدول المتضررة بسبب كورونا، و تعتبر هذه الدعوة هي الأولى من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية، ومشروع مارشال، وبشكل يقترب في طبيعته لما كنا في مجتمعاتنا الفقيرة ننادي به لعقود بلا أي ردة فعل إيجابية من المُقرضين الدوليين.
حين ينادى شخص بحجم الكاتب في إصدار بحجم الفايناشال تايمز بمثل هذه الدعوى فإننا يجب أن نتنبه لمحاولة فهم ما يحدث في إطار واقع شديد التعقيد والتداخل لعالم يؤثر في بعضه ويتغير كل لحظة وتتافس فيه قوى متعددة يسعى كل منها للعب دور وإحتلال مكانة في ظل وباء عظيم.. والله أعلم.