رئيسة أمانة الصحة النفسية تكتب عن مخاطر الخوف الزائد في زمن كورونا: يدمر الصحة ويهدر الوقت ويضعف المناعة
عبد الرحمن بدر
حذرت الدكتورة منن عبد المقصود، رئيسة الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، من مخاطر زيادة الخوف في زمن كورونا.
وأكدت أن الخوف عندما يزيد عن حده يتحول لحمل ثقيل يدمر الصحة ويهدر الوقت، ولحالة مزاجية سيئة تذهب بالعقل وتعكر صفو الحياة.
وأضافت أن الأشد خطورة أن الخوف المبالغ فيه هو في حد ذاته سبب من أسباب ضعف المناعة، وبالتالي قد يكون أحد عوامل الخطورة للإصابة بالأمراض المعدية، فيكون الخوف من الإصابة بالمرض هو ذاته سبب للإصابة.
وإلى نص ما كتبته منن عبد المقصود، ونشرته الصفحة الرسمية للأمانة العامة للصحة النفسية علاج الإدمان:
من خاف سلم:
الخوف هو أحد المشاعر الستة الأساسية التي وصفها العالم الأمريكي بول إكمان، وهذه المشاعر تلعب دورا هاما في الطريقة التي نعيش بها والتي نتفاعل بها مع مجتمعنا ومع الظروف التي تطرأ عليه .
الخوف شعور غريزي غاية في الأهمية، فالخوف يحمينا من الخطر ، فكيف نبقى أحياء إن لم نتعلم أن نخاف من الحيوانات المفترسة ، أو من السقوط من المرتفعات ، أو من الصعق بالكهرباء أو من الاحتراق بالنار ، أو من الإصابة بالأمراض الخطيرة . ومع التطور والتحضر تعلمنا أن نخاف من الفقر … من المرض … من العجز … من التنمر … إلخ
ولا يزال الإنسان منذ طفولته وعلى مدار عمره يتعلم أن يميز المخاطر التي تواجهه حتى يتمكن من تفاديها أو محاربتها . بل أن بعض الناس قد يضيع الكثير من عمره وجهده بهدف التخلص من مخاوفه التي قد لا تنتهي …
في الأوقات التي تنتشر فيها الأوبئة ينتاب الإنسان العادي بعض المخاوف الشائعة على رأسها الخوف من الإصابة وتبعاتها مثل فقدان مصدر الرزق أو العدوى التي قد تصيب المقربين وكذلك الخوف من الانعزال عن العالم أو الخوف من الموت … هذه المخاوف قد يواجهها الإنسان العادي ، فما بالك بالمصابين باضطرابات القلق والفوبيا والهلع والوسواس القهري.
من الطبيعي أن نشعر بالخوف ولكن يجب أن تكون نتيجة هذا الشعور أن نعمل على محاربة أسبابه وتفاديها (الوقاية) ، وإذا لزم الأمر قد نضطر إلى التعامل معها والتأقلم عليها (التدخلات العلاجية) . وأقرب مثال في واقعنا الحالي هذا الوباء العالمي فيروس كورونا المستجد كوفيد-19 : فالعالم أجمع مطالب بمحاربة أسباب العدوى (الوقاية) من خلال إجراءات بسيطة تستحق أن تكون جزءاً من واقعنا اليومي : نظافة الأسطح ، غسيل الأيدي بشكل صحيح عدة مرات في اليوم ، عدم الاقتراب من الأشخاص المصابين بأعراض البرد أو الارتفاع في درجة الحرارة ، عدم نشر الرذاذ أثناء العطس أو السعال.. إجراءات صحية بسيطة مع المزيد من الحرص والاحتياط.
أما الحالات التي تتعرض للإصابة أو الأبطال الذين تقتضي طبيعة عملهم الاختلاط بالحالات المصابة مثل الفرق العلاجية التي تقوم بدورها في علاج المرضى ومتابعتهم والقيام على خدمتهم في هذه الأوقات العصيبة ، فهؤلاء في الغالب لا يشعرون بالخوف ، لأنهم يقفون وجها لوجه أمام الخطر ، يتحملون مسؤولية الدفاع عن مرضاهم ، كما يتحمل القائد في المعركة مسؤولية أفراد كتيبته ، ولذلك استحقوا هذا اللقب المعبر #جيش_مصر_الأبيض ، قد يشعرون بالإرهاق ، بالقلق على ذويهم ، بالضيق من الزي المخصص لهم بمستشفيات العزل والحجر الصحي ، ولكن يسيطر عليهم الإحساس بالفخر والاعتزاز بدورهم التاريخي في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها العالم أجمع .
الخوف عندما يزيد عن حده يتحول لحمل ثقيل يدمر الصحة ويهدر الوقت ، لحالة مزاجية سيئة تذهب بالعقل وتعكر صفو الحياة ، الأشد خطورة أن الخوف المبالغ فيه هو في حد ذاته سبب من أسباب ضعف المناعة ، وبالتالي قد يكون أحد عوامل الخطورة للإصابة بالأمراض المعدية ، فيكون الخوف من الإصابة بالمرض هو ذاته سبب للإصابة .
ولأن الإنسان عدو ما يجهل ، فكثير من مخاوفنا تكون أسبابها إما المعلومات المغلوطة والشائعات أو المعلومات الغائبة أو التي يصعب الوصول إليها ، لذلك فالشفافية التي تنتهجها الحكومة المصرية بالتعاون مع المنظمات العالمية في التعامل مع هذه الأزمة هي وسيلة أكيدة للحد من المخاوف من خلال الاطلاع المباشر على المستجدات ، يوما بيوم بل لحظة بلحظة .
التعامل مع الخوف يبدأ من قبول أعراضه وعلاماته .
مسموح لنا أن نخاف في الإطار المعقول ،
أن نعبر عن خوفنا بلا مبالغة ،
أن نأخذ الاحتياطات اللازمة ونتبع الإجراءات الوقائية والعلاجية إذا لزم الأمر، أن نحارب الشائعات وأن نطلب المعلومات من المصادر المعتمدة.
ألا تتحول حياتنا إلى سلسلة لا تنتهي من الفزع والرعب، بل تصبح حياة أفضل وأصح وأكثر سعادة .
وكفانا أن يذكرنا الله بالخوف في القرءان عدة مرات: أولها في سورة البقرة ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ وآخرها في سورة قريش ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ (3) لَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾