د. يحيى القزاز يكتب: من يخالف الدستور لا شرعية لحكمه
شاهد العالم أهالى جزيرة الوراق والشرطة تنتزعهم من بيوتهم وتطردهم. الصورة مؤلمة، بل مفزعة بين أشقاء مصريين يتعاركون؛ رجال شرطة يؤدون ما يؤمرون وأهالى الجزيرة يدافعون عن حقوقهم سلميا. التعليقات صارت مستنكرة: هل ما نراه يحدث في جزيرة الوراق أم في جنين بفلسطين المحتلة؟!
وزير الإسكان عاصم الجزار صرح عبر التليفزيون بأن خطة الدولة لتطوير جزيرة الوراق بدأت بتنفيذ سياسة الشراء، واشترت الحكومة 77% من أرض الجزيرة “شراء رضائى” حسب تعبير الوزير الجزار، وأن الحكومة وفرت بديلاً للأراضي الزراعية في مدينة السادات بمبادلة فدان أرض بالجزيرة بـ 19 فداناً. منذ متى تشترى الحكومات الأراضى من أصحابها بالرضا؟! هل صارت الحكومة سمسار أراضى أم تاجر عقارات؟! الحكومة هي من تطرح أراضى للبيع؛ للسكن وللاستصلاح الزراعى لصالح المواطنين. الحكومة تنزع الملكية الخاصة للمصلحة العامة للوطن، هذا حقها حسب لمادة (29) من الدستور، أما نزع الملكية بالتراضى لصالح شركات تعمير أجنبية فهذا إرغام مقنع، وتهجير قسرى مرفوضان.
البيع بالتراضى لا يستلزم توفير بديلاً للأراضي الزراعية في مدينة السادات بمبادلة فدان أرض بالجزيرة بـ 19 فدان، لماذا هذه المقايضة؟! أليست ترغيب بترهيب.
لماذا تهتم الحكومة بالتطوير العقارى ولا تهتم بتطوير التعليم والصحة والصناعة. أيهما أجدى لجزيرة الوراق التطوير العقارى الذى يجرف الأراضى الزراعية أم التطوير الزراعى الذى يزيد من انتاجها، ونحن نعانى من قلة المحاصيل، ونستورد كل شيء. ما تقوم به الحكومة هو تجريف لأراضى زراعية خصبة، يفقدها شرعيتها، ويضعها تحت طائلة القانون بموجب المادة 29 من دستور 2019: “الزراعة مقوم أساسي للاقتصاد الوطني. وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها، وتجريم الاعتداء عليها، كما تلتزم بتنمية الريف ورفع مستوى معيشة سكانه وحمايتهم من المخاطر البيئية، وتعمل على تنمية الإنتاج الزراعي والحيواني، وتشجيع الصناعات التي تقوم عليهما.
وتلتزم الدولة بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي والحيواني، وشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح، وذلك بالاتفاق مع الاتحادات والنقابات والجمعيات الزراعية، كما تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الأراضي المستصلحة لصغار الفلاحين وشباب الخريجين، وحماية الفلاح والعامل الزراعي من الاستغلال، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون”.
العدل يستلزم استحواذ الحكومة على ما ادعته بالشراء الرضائى وترك من يتمسك بأرضه يعيش عليها حرا. نحن في دولة قانون وطنية مستقلة ذات سيادة وليست دولة محتلة. نحن مواطنون: سادة لا سِفْلة الناس (رُعاعٌ)، ولا ماشية مرعيَّة للسُّلطان (أَرْعَاوِيَةٌ).
“الملكية الخاصة مصونة، وحق الإرث فيها مكفول، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون، وبحكم قضائي، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يدفع مقدماً وفقاً للقانون”(المادة 35 من الدستور)، هل صدر بحق الناس المتمسكين بأرضهم قانون نزع ملكية لمصلحة عامة وماهى المصلحة العامة؟!
بموجب المادتين الدستوريتين تكون الحكومة قد حادت عن دورها وخانت قسمها، وفقدت شرعيتها، ووجب محاكمتها وعزلها. سلطة عدوة لكل ما يملكه المصريون، تناصبهم العداء، تفرض إتاوات مقابل الاستقرار، أفقرتهم، باعت أصول الدولة، وسجنت أصحاب الرأي، واستدانت باسم الشعب، أذلته واستعبدته. لا أدرى من الذي يقف وراء كل هذا الخراب وتدمير مصر؟ مصر أقدم دولة في العالم تصير بالديون “ملطشة”، وتحتل ممن لا يستحق!
الوزير الجزار يتهم كل من يدافع عن حق ويناصر مظلوم بأنه من أهل الشر يروج أخبارا كاذبة. تحديد مفهوم أهل الشر قانونا واجب لتجنبه، فلاعقوبة إلا بنص، وإلا صرنا كلنا أهل شر، والحكومة وحدها أهل خير بنزع الملكيات وفرض الإتاوات والتجويع. طرد المتمسكين بأرضهم من أهل الجزيرة عار وظلم ترفضه كل الشرائع السماوية وحقوق الإنسان والدستور. انظروا في المادتين 26 و 35 من الدستور وشوفوا من هم أهل الشر؟! هل يذهب أهل جزيرة الوراق بشكوى لمجلس الأمن؟! والله عيب. لم يعد المواطن آمنا على حياته في وطنه. تنام الشعوب لكنها لاتموت.