د. ممدوح سالم يكتب: أما آن للجميلة أن تعود
أما آن للجميلة ألا تنعى حظها بين أهلها، فيتحدث بها أبناؤها الوزراء والسفراء، فضلا عن الرؤساء على رقي أسلوب، وفخامة لفظ، وانتقاء مفردة تلائم السياق في المحافل الدولية كبقية أخواتها من اللغات المهيمنة، فيتعرف العالم على أغنى اللغات وأجملها أداء، وأعذبها وأنداها صوتا ونبرا، ويتوقون إلى تعلمها وهي اللغة الشاعرة الساحرة ذات الدلالة والبديع والمعاني والبيان؟!
أما آن للجميلة أن تعود إلى عرشها الشامخ في دواوين التعلم والتعليم، فتحظى بسعة اهتمام تعادل إن لم تزد اهتمام القائمين على تسويق اللغات الأجنبيّة في المدارس والجامعات الدولية التي تغرب معظمها واستغربت أركانها، وتهاجرت فهجرت الهوية والثقافة والعادات والتقاليد والقيم إلى أن أصبح أبناؤنا لا يكادون يفقهون قولا من نصوصها، ولا يدركون معنى من معانيها، ولا يردون على أبوابها، ولا ينهلون من جمالياتها.. بل يستغربون متحدثيها، ويزيدون فيصنفونهم في الدرجات الدنيا من درجات طبقاتهم الاجتماعية العليا؟!
آما آن للجميلة أن تنعم بجمالها على ألسنة المتصدرين شاشات التلفزة، والقابضين على آذان المستمعين في المذياع؟
أما آن أن يريحونا من لغتهم المترهلة، وكلماتهم المشوهة، وأخطائهم الشاذة الغريبة. ولعلك تعجب إذ ترى وتستمع، فلا هم ارتقوا إلى المستوى الثقافي المقبول من جماليات الاختيار والأداء، ولا هم شابهوا المتقدمين في مجالهم فحسنوا واستحسنوا.. إنما هم فصيل وحده أبى إلا أن يكون مزعجًا مُشاهدًا كان أم مسموعًا؟!
لله در أمير الشعراء يتغنى بحسنها
إِنَّ الَّذي مَلَأَ اللُغاتِ مَحاسِناً
جَعَلَ الجَمالَ وَسَرَّهُ في الضادِ
وبعد.. أما آن للجميلة أن تعود؟!
إن العربية ليست لغة مجردة تجري على ألسنة الناس، بل هي لسان ناطق حي يصنع فكرًا وأمة وحضارة ورقيًا إنسانيًا للعالمين.
وإذا كان الأمر على ما وصفت، فالأهم أن نتحدث بها ونمارسها سلوكًا إنسانيًا، واجتماعيًا وأخلاقيًا، لا أن نتحدث عنها فقط، وننعى حظها بيننا.