د. محمد منير مجاهد يكتب: خواطر حول الطاقة المتجددة
تعتبر الطاقة هي المحرك الأساسي لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كافة البلدان سواء كانت متقدمة أو نامية وتعتبر تنمية موارد الطاقة الأولية وحسن إدارتها من أهم أساسيات التنمية المتواصلة، ويمكن تقسيم الطاقة عموما إلى طاقة أولية وطاقة ثانوية.
الطاقة الأولية هي الطاقة في صورتها الطبيعية قبل إجراء أي عمليات عليها لتحويلها لشكل مفيد لاستخدام الإنسان وهي ما يطلق عليه الطاقة الثانوية، فمثلا البترول المستخرج من باطن الأرض هو طاقة أولية ولكن حينما يتم تكريره وتحويله لمنتجات بترولية تستخدم في إدارة الآلات مثل البنزين والكيروسين والسولار .. الخ أو كهرباء فإنه يتحول إلى طاقة ثانوية.
وتشمل مصادر الطاقة الأولية ما يلي:
1- الفحم | 2- زيت البترول | 3- الغاز الطبيعي |
4- الطاقة المائية | 5- الطاقة النووية | 6- الطفلة الزيتية |
7- البيتومين الطبيعي | 8- الخُث | 9- الخشب والفحم النباتي |
10- الكتلة الحيوية | 11- الطاقة الشمسية | 12- طاقة الحرارة الأرضية |
13- طاقة الرياح | 14- طاقة المد | 15- طاقة الأمواج |
16- الطاقة الحرارية للمحيطات |
يشيع في الوقت الحاضر تعبير الطاقة “الجديدة” و”المتجددة”، ولفظ “جديدة” يقصد به تلك الطاقات التي بدأ استغلالها تجاريا خلال النصف الثاني من القرن العشرين وان كانت معروفة منذ زمن بعيد. وهي بذلك تختلف عن الطاقة الحديثة المعروفة (فحم ، بترول ، غاز طبيعي، مياه)، وتدخل الطاقة النووية ضمن الطاقة الجديدة حيث لم يبدأ استخدامها على نطاق تجارى إلا في الحقبة المشار إليها. أما لفظ “متجددة” فهو أكثر وضوحا، لأنه يعنى المصادر التي لا تنضب مع الزمن (فالفحم والبترول والغاز الطبيعي واليورانيوم مصادر ناضبة)، هذا على الرغم من أنها متغيرة بل ومتقطعة وغير مستمرة مثال ذلك طاقة الشمس والرياح والمد والجزر.
وتستغل بعض مصادر الطاقة المتجددة في الوقت الحالي والبعض الآخر ينتظر التقدم التقني والتطور العلمي مستقبلا. وليس للمصادر المتجددة للطاقة آثار بيئية ضارة تذكر وسيؤدى استغلالها إلى انتشار جغرافي واسع للطاقة، وسوف يقتصر الحديث هذا المقال على الطاقات المتجددة المتوافرة في مصر، وهي الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والكتلة الحيوية.
الطاقة الشمسية
تعد الطاقة الشمسية أهم مصدر حميد للطاقة علي الكرة الأرضية، ويتكون الإشعاع الشمسي الكلي الذي يصل الكره الأرضية من مركبتين الأولي هي الإشعاع المباشر الصادر عن الشمس نفسها وهذه المركبة يمكن تركيزها بواسطة العدسات أو المرايا التي يمكن تصميمها بحيث تتبع مسار الشمس تتبعا كاملا علي مدار العام، أو تكون ذات ميل ثابت يمكن تغييره دوريا علي حسب فصول السنة. أما المركبة الثانية فهي الإشعاع المتشتت ومصدره القبة السماوية، وهذه المركبة لا يمكن تركيزها. وتوجد صعوبتين أساسيتين في الاستفادة من الطاقة الشمسية الأولي هي انخفاض كثافة الطاقة والثانية تغير كمية الطاقة التي يمكن الاستفادة بها.
يمكن الاستفادة من الطاقة الشمسية عن طريق المنظومات الحرارية التي تجمع الإشعاع الشمسي لرفع درجة حرارة مائع ما (عادة الماء) أو عن طريق المنظومات الضوئية التي تحول ضوء الشمس مباشرة إلى طاقة كهربية. وتحدد درجة الحرارة المطلوبة نوع المنظومة الحرارية ففي التطبيقات التي تحتاج إلى درجات حرارة منخفضة مثل تطبيقات تسخين المياه والهواء يمكن استخدام المجمعات المسطحة التي تستفيد من الإشعاع الشمسي الكلي أما في التطبيقات التي تحتاج إلى درجات حرارة متوسطة أو عالية مثل توليد الكهرباء فتستخدم المركزات (مرايا مقعرة) التي تعتمد على الإشعاع المباشر.
تشمل التطبيقات الحالية للطاقة الشمسية الحرارية التسخين الشمسي للأغراض المنزلية والعامة مثل المستشفيات والمعسكرات والتسخين الشمسي للماء أو الهواء في العمليات الصناعية لدرجات الحرارة المنخفضة والمتوسط وأخيرا استخدام الطاقة الشمسية الحرارية لتوليد الكهرباء من خلال تجميع الإشعاع الشمسي المباشر ثم تركيز الإشعاع المجمع علي المستقبلات وتحويل الإشعاع المركز إلى طاقة حرارية تنقل إلى منظومة تحويل الطاقة الحرارية إلى طاقة كهربية.
تقوم الخلايا الشمسية الفوتوفولطية بتحويل الطاقة الضوئية للشمس إلى طاقة كهربية بشكل مباشر، ومن ثم فهي تمثل بديلا مشجعا للغاية حيث أنها لا تشتمل علي أي أجزاء متحركة ولا تسبب تلوثا بيئيا. وترتبط صناعة الخلايا الشمسية ارتباطا وثيقا بالصناعات الإلكترونية المتطورة التي نشأت بالارتباط مع غزو الفضاء وفي بدايات استخدامها كانت تمثل بديلا مكلفا لا يستخدم إلا للأحمال الصغيرة بالأماكن النائية البعيدة عن الشبكة الكهربية الموحدة، ولكن بعد ذلك أخذت تكلفتها تنخفض باستمرار عاما بعد عام ومن ثم أصبحت أكثر جاذبية من المحطات الشمسية الحرارية، وبنهاية عام 2019 بلغت الطاقة الشمسية المركبة في مصر 1737 ميجاوات منها 140 ميجاوات طاقة شمسية حرارية والبقية من الخلايا الشمسية الفوتوفولطية بما في ذلك محطة بنبان العملاقة بأسوان وقدرتها الإجمالية 1465 ميجاوات، وجاري تنفيذ محطة خلايا شمسية بكوم أمبو بقدرة ٢٦ ميجاوات، بالإضافة إلى 200 ميجاوات قطاع خاص. وهناك عدة مشروعات تحت الدراسة بقدرة إجمالية 970 ميجاوات.
منظومة حرارية شمسية (البرج المركزي)
الخلايا الشمسية الفوتوفولطية
طاقة الرياح
طاقة الرياح من أقدم صور الطاقة التي استخدمها الإنسان وأكثرها انتشارا، إلا أنه أثناء الثورة الصناعية تم الاستغناء عنها كمصدر للطاقة بعد أن ظهرت مصادر أخري للطاقة أرخص وأكثر توافرا وقد تجدد الاهتمام بها كمصدر للطاقة بعد الارتفاع الكبير الذي طرأ علي أسعار البترول عامي 1973-1974.
طاحونة هوائية هولندية
تتولد الرياح علي الكرة الأرضية لثلاثة أسباب هي:
- الفرق في درجات الحرارة بين القطبين وخط الاستواء،
- دوران الأرض حول محورها،
- الاختلاف في درجة امتصاص الإشعاع الشمسي بين الأرض والبحر
وتعمل هذه الآليات الثلاث معا بطريقة معقدة. وتتزايد سرعة الرياح بالارتفاع عن سطح الأرض حيث تبلغ طاقة الرياح علي ارتفاع 50 متر من سطح الأرض نحو ضعف طاقتها علي ارتفاع 10 متر كما تتأثر أيضا بطبوغرافية الأرض عند وجود تلال أو جبال.
يمكن تقسيم استخدامات طاقة الرياح إلى الاستخدام الميكانيكي المباشر لضخ المياه بصورة أساسية ولطحن الحبوب بدرجة أقل كثيرا، ولاستخدامات توليد الكهرباء حيث تستخدم الطاقة الميكانيكية المستخلصة بواسطة الدوار من طاقة حركة الرياح لإدارة مولد لتوليد الكهرباء. وسوف نعالج فيما يلي باختصار هذه التطبيقات.
- التطبيقات الميكانيكية لاستخدام طاقة الرياح: وهو يعد من أقدم التطبيقات ولا يزال يستخدم حتى الآن وخاصة لضخ المياه من الآبار العميقة في الأماكن النائية ، وأيضا لطحن الحبوب وإن يكن على نطاق أقل كثيرا من استخدامات الضخ.
- ضخ المياه الكهربي باستخدام طاقة الرياح: وتعد هذه الوحدات ذات تكنولوجيا أكثر تقدما
من تكنولوجيا الضخ الميكانيكي وبالرغم من أن الطاقة الميكانيكية للدوار يتم
تحويلها لطاقة كهربية ثم طاقة ميكانيكية مرة أخرى لإدارة المضخة مما يفترض معه أن
تكون هذه المنظومة أقل كفاءة، إلا أنها في
الواقع أحيانا ما تكون أعلى كفاءة وغالبا أفضل استخداما للأسباب الآتية:
- يمكن استخدامها لأغراض عديدة عند عدم استخدامها لضخ المياه لأن الناتج في هذه الحالة يكون طاقة كهربية مما يرفع معدل استخدام وحدات الرياح خلال فترة زمنية معينة.
- تميل هذه الوحدات لأن تكون أعلى كفاءة لارتفاع كفاءة وأداء المعدات الكهربية عن المعدات الميكانيكية
- استخدام طاقة الرياح لتوليد الكهرباء: ويعد أكبر وأهم استخدامات وتطبيقات طاقة الرياح على الإطلاق وخاصة منظومات تحويل طاقة الرياح المرتبطة بالشبكة الكهربائية التي تعد أكبر استخدامات الطاقة المتجددة على مستوى العالم.
وقد أنشأت مصر مزارع رياح على طول خليج السويس بقدرة إجمالية 1375 ميجاوات، وجاري تنفيذ قدرات إضافية بنظام البناء – التملك – التشغيل بقدرة إجمالية 250 ميجاوات وتخطط لإنشاء محطة في خليج السويس تصل قدرتها الإجمالية إلى 200 ميجاوات، وتحت الدراسة أيضا محطات في خليج السويس وغرب النيل وللقطاع الخاص تصل قدراتها الإجمالية إلى 2200 ميجاوات.
مزرعة رياح
نظرة عامة
- يتزايد الاهتمام العالمي باستخدام مصادر الطاقة المتجددة رغم معوقات استخدامها المتمثلة في عشوائية وعدم انتظام المصدر، وضعف كثافة الطاقة لكل متر مربع مقارنة بالمصادر الأخرى، وذلك لاتجاه التكلفة للانخفاض وللدور الذي يمكن أن تلعبه في خفض انبعاث غازات الدفيئة والغازات المسببة للأمطار الحمضية وغيرها من الغازات الضارة.
- يمكن اعتبار الطاقة النووية الاندماجية مصدرا متجددا ولا نهائيا ونظيف للطاقة النووية وقد حدثت تطورات هامة في تنفيذ أول مفاعل اندماجي ومن المتوقع أن تكون متاحة تجاريا خلال العقدين القادمين، ويحتاج هذا الموضوع لمقالة خاصة.
- رغم أن الطاقة الحيوية يمكن أن تلعب دورا هاما في مزيج الطاقة في مصر إلا أن الاستراتيجية لم تُركِّز بالقدر الكافي على استغلال إمكانات الكتلة الحيوية. ويتجلّى هذا من خلال التقدم المحدود الذي تم إنجازه في مجال الكتلة الحيوية والذي يرجع بصفة رئيسية إلى ضعفٍ في القدرات المحلية، فضلاً عن ارتفاع التكلفة الأولية المرتبطة بتوليد الكهرباء من الكتلة الحيوية.
- الطاقة المتجددة بما في ذلك طاقة الاندماج النووي بالغة الأهمية بالنسبة لمستقبل الإنسان لأن كل المصادر التي يتم الاعتماد عليها حاليا (الفحم – البترول – الغاز الطبيعي – اليورانيوم) في طريقها إلى النفاذ ومن ثم يجب أن يشمل مزيج الكهرباء المصري الطاقة المتجددة وأن تكون موضع أبحاث علمية مكثفة لزيادة كفاءتها وتحسين اقتصادياتها.