د. محمد مدحت مصطفي يكتب : تاريخ ومآلات الأحزاب السياسية في مصر
(1) عند الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم 26 يوليو 1952م، توجه عدد من الشخصيات السياسية إلى ثكنة مصطفى كامل العسكرية بالإسكندرية لمقابلة اللواء محمد نجيب لإعلان تأييدهم له ومن هؤلاء: أحمد لطفي السيد- إبراهيم عبد الهادي- محمد حسين هيكل- بهى الدين بركات- أحمد خشبة- طه السباعي- أحمد عبد الغفار- رشوان محفوظ- إبراهيم دسوقي أباظة- أحمد علي علوبة- عبد السلام الشاذلي. كما عاد زعيم الوفد مصطفى النحاس من أوربا إلى الإسكندرية يوم 27 يوليو 1952م وتوجه لمقابلة اللواء محمد نجيب الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم وأعلن عن تأييد حزب الوفد لحركة الجيش.
(2) بعد منتصف ليل 31 يوليو 1952م أعلن محمد نجيب بياناً دعا فيه الأحزاب والهيئات السياسية إلى تطهير صفوفها كما فعل الجيش، وتتخذ برامج محددة وواضحة وتعلنها على الملأ.
(3) في 7 أغسطس 1952م كان حزب الأحرار الدستوريين برئاسة الدكتور محمد حسين هيكل أول حزب يعلن وينشر برنامجه الجديد في الصحف. وتبعه حزب الهيئة السعدية بزعامة إبراهيم عبد الهادي، ثم الحزب الوطني الجديد بزعامة فتحي رضوان، ثم جاءت باقي الأحزاب.
(4) تغافلت الأحزاب عن موضوع التطهير، مما دعا قدة الحركة إلى إلى إصدار المرسوم بقانون رقم 179 لسنة 1952م في 9 سبتمبر 1952م الخاص بتنظيم الأحزاب السياسية، فتقدمت الأحزاب بطلبات جديدة وتنازل مصطفى النحاس عن رئاسة الوفد وتحول إلى رئيس شرفي بينما تولى عبد الفتاح الطويل رئاسة الوفد، وتم اعتقال 70 شخص من قيادات الأحزاب وأعلن نجيب في مؤتمر صحفى أنه لن يقدم على إعتقال أحد إذا ما قامت الأحزاب بتطهير نفسها.
(5) في 17 يناير 1953م صدر إعلان دستوري بحل جميع الأحزاب السياسية في البلاد ومصادرة أموالها لصالح الشعب بدلاً من أن تنفق لبذر بذور الفتن والشقاق.
(6) في مساء نفس يوم 17 يناير 1953م تم القبض على 25 من ضباط الجيش وإحالتهم للقضاء العسكري.
(7) في 18 يناير 1953م صدر مرسوم بقانون برقم 36 لسنة 1953م بتمديد أجل تشريع سابق باعتبار كل تدبير اتخذه أو يتخذه القائد العام للقوات المسلحة بوصفه رئيس حركة الجيش التي قامت في 23 يوليو 1952م بقصد حماية هذه الحركة والنظام القائم عليها من قبيل أعمال السيادة التي لا يجوز الطعن عليها أمام محمكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة أو أمام المحاكم القضائية العادية.
(8) في 23 يناير 1953م أعلن عن تأسيس “هيئة التحرير” تحت شعار”الاتحاد والنظام والعمل”، ليملأ الفراغ الذي تركه حل الأحزاب السياسية، وجاء في بيان التأسيس أنها طريق للعمل المفتوح أمام المصريين جميعا، وأنها ليست حزبا يتمتع بمزاياه نفر دون نفر، بل هى مصر كلهامنتظمة في هيئة واسعة. ويذكر الصاغ إبراهيم الطحاوي في مقال بجريدة الأهرام بتاريخ 23 يوليو 1953م أن استدعاه الأخ جمال عبد الناصر وقال له لقد يئست من أن تصلح الأحزاب نفسها ولابد من إيجاد هيئة جديدة تضم العناصر الصالحة، وسألني إن كنت قادرا على تنفيذ الموضوع، وافقت على التنفيذ وكان أول اختياراتي للعمل معي الأخ عبد الله طعيمة. أقبل المواطنون على الإنضمام لعضوية هيئة التحرير مأخوذون بالدعاية القوية التي صاحبت إنشائها، لكن سرعان ما تبين أنه ليس لهيئة التحرير أى تأثير على سير الأحداث، فانفرط عقدها.
(9) في 16 يناير 1956م صدر أول دستور دائم للبلاد بعد حركة الجيش، ونصت المادة رقم 192 منه (يكون المواطنون اتحادا قوميا للعمل على تحقيق المبادئ التي قامت من أجلها الثورة).
(10) استنادا إلى المادة رقم 192 من دستور 1956م صدر قرارا في 2 ديسمبر 1957م بإلغاء هيئة التحرير ونقل ملكية فروع الهيئة في المدن والأقاليم إلى الاتحاد القومي الذي جرى تشكيل لجنته التنفيذية يوم 29 مايو 1957م. ونص بيان إنشاؤه (أنه يضم جميع المواطنين الحاكمين والمحكومين لتحقيق هدف واحد هو إقامة المجتمع الاشتراكي التعاوني … وسيعمل على تخطيط السياسة العامة في البلاد، وستقوم الحكومة بتنفيذ هذا التخطيط … أما المجالس المحلية فهى التي ستنفذ السياسة العليا للدولة في مختلف المستويات … كما أنه يقوم بترشيح المواطنين لعضوية مجلس الأمة). وهذه أول وثيقة في العهد الجديد يظهر بها كلمة الاشتراكية حى لو اقترنت بالتعاونية.
(11) بعد انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة في 28 سبتمبر 1961م، تحلل الاتحاد القومي في كل من سوريا ومصر، وفي 4 يوليو 1962م عقد بالقاهرة المؤتمر القومي للقوى الشعبية، الذي أقر (الميثاق الوطني)، الذي اعتبره بعض فقهاء القانون في ذلك الوقت أسمى مرتبة من الدساتير المكتوبة.
(12) جاء الاتحاد الاشتراكي العربي ليحل محل الاتحاد القومي، وليكون الميثاق الوطني الأساس النظري الذي يستند إليه. وكان الاتحاد الاشتراكي العربي يُشكل الإطار السياسي الشامل للعمل الوطني وتتسع تنظيماته لجميع قوى الشعب العامل من الفلاحين والعمال والجنود والمثقفين والرأسمالية الوطنية، وأن الطليعة الاشتراكية هى التي تقود الجماهير للمحافظة على مبادئ الثورة الستة وتحقيق الثورة الاشتراكية. وقد تعرض الاتحاد الاشتراكي لحملة بعد هزيمة 5 يونيو 1967م، وكذلك بعد ثورة التصحيح التي قام بها أنور السادات في 15 مايو 1971م.
(13) في 11 سبتمبر 1971م تم إقرار دستور مصر الدائم، ونصت المادة الخامسة منه على أن الاتحاد الاشتراكي العربي هو التنظيم السياسي الذي يُمثل على أساس مبدأ الديمقراطية تحالف قوى الشعب العاملة من الفلاحين والعمال والجنود والمثقفين والرأسمالية الوطنية. وهو أداة هذا التحالف في تعميق قيم الديمقراطية والاشتراكية وفي متابعة العمل الوطني.
(14) في 14 أغسطس 1974م تقدم الرئيس محمد أنور السادات بما عُرف بورقة تطوير الاتحاد الاشتراكي، والمعروفة باسم (ورقة أكتوبر) تيمناً بنصر أكتوبر، وعرض فيها فكرة الفصل بين عضوية مجلس الشعب وعضوية الاتحاد الاشتراكي، وكذلك فكرة تعدد المنابر الفكرية داخل الاتحاد الاشتراكي أثارت كثير من الجدل مما استدعى في النهاية إلى تشكيل لجنة تضم 180 عضو تمثل اتجاهات متعدة، واستمر عملها حوالي عامين حيث انتهت إلى إقرار فكرة المنابر على أن تكون هناك ثلاثة منابر واحد يمثل اتجاه اليميم وآخر يمثل اتجاه اليسار وثالث يُمثل اتجاه الوسط. وفي انتخابات مجلس الشعب في نوفمبر عام 1976م فاز منبر الوسط (تنظيم مصر العربي الاشتراكي) بقيادة ممدوح سالم مما دعاه إلى تشكيل الوزارة في 9 نوفمبر 1976م. وعن افتتاح الرئيس السادات مجلس الشعب يوم11 نوفمر 1976م فاجأ الجميع بإعلان تحويل المنابر إلى أحزاب، الذي قوبل بعاصفة من التصفيق.
(15) هكذا كانت بداية عودة الأحزاب إلا أنها كانت عودة مكبلة بالعديد من القوانين المكبلة لحريتها حتى يومنا هذا.