د. محمد مدحت مصطفى يكتب: الاتفاقيات الدولية وحوض نهر النيل (2) قواعد هلسنكي
سنتناول فيما يلي أهم قواعد القانون الدولي في هذا الشان مُتمثلة في فيما عُرِفَ بقواعد هلسنكي، وبتوصيات ماردل بلاتا، استرشاداً بالمؤلَف الهام للدكتور على إبراهيم بعنوان “قانون الأنهار والمجاري المائية الدولية” والصادر عن دار النهضة العربية عام 1997م. ثم اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في غير الأغراض الملاحية استناداً إلى مقال الدكتور صلاح الدين عامر أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة والمنشور بجريدة الأهرام في 21 يونيو 1997م.
1-قواعد هلسنكي:
منذ عام 1954م أخذت “جمعية القانون الدولي” – وهي جمعية عِلمية تحظى باحترام كبير، وتضم فقهاء في القانون الدولي – في مناقشة القواعد القانونية التي تحكم استغلال الأنهار الدولية بين الدول المشتركة في هذه الأنهار بمفهوم “حوض الصرف الدولي”، وهو مفهوم ذو نطاق أوسع من مفهوم “المجرى السطحي للنهر” حيث يضم هذا المفهوم تجمع المياه العذبة في مجرى واحد مهما تعددت مصادرها سواء من روافد أو جداول صغيرة أو ينابيع أو مياه جوفية، الأمر الأساسي هنا هو أن هذه المياه يضمها جميعاَ حوض واحد. وتساعد فكرة حوض الصرف الواحد على حل المشكلات المتعلقة بالنزاع على المياه الجوفية وسحب البلدان المتجاورة منها، وقد ناقشت الجمعية هذا الموضوع في عدة مؤتمرات حتى جاء مؤتمر عام 1966م الذي عُقد في هلسنكي وقد توفرت لدية نتائج الدورات السابقة وصدرت عنه مجموعة من القواعد الهامة عُرفت باسم “قواعد هلسنكي”. وفيما يلي أهم تلك القواعد:
– تسري هذه القواعد بشكل عام على جميع الدول المشاركة في أحواض الصرف الدولية ما لم تكن هناك اتفاقيات أو معاهدات مُلزمة بين هذه الدول تتضمن ما يخالف هذه القواعد.
– لكل دولة من دول الحوض الحق داخل حدودها في نصيب عادل ومُنصِف من الاستخدامات النافعة لمياه حوض الصرف الدولي.
– النصيب العادل والمُنصف الذي تقرر في المادة السابقة يمكن تحديده على ضوء مجموعة من الاعتبارات الموضوعية، ومن بينها على سبيل المثال:
– عدد السكان واحتياجاتهم المائية، ومدى الاحتياج لعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لكل دولة.
– مدى توفر مصادر أخرى للمياه بخلاف النهر محل التفاوض. “أنهار أخرى، أمطار، مياه جوفية”.
– تكلفة الفرصة البديلة لتوفير المياه اللازمة لسد الاحتياجات الضرورية وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
– ترشيد استخدام مياه النهر، وعدم الإسراف في استخدامها بما يضر مصالح باقي دول الحوض.
– الحجم السابق لاستغلال المياه مُقارناً بالحجم الحالي، ونصيب كل دولة قبل قيام النزاع، بما يعني الحقوق التاريخية المتمثلة في حجم المياه السابق استخدامها.
– الظروف المناخية والطبوغرافية في حوض النهر، وكذلك في كل دولة من دول حوضه، بما يعني ضمان حقوق الانتفاع للبلدان ذات الطبيعة غير الملائمة.
– حجم حوض الصرف داخل حدود كل دولة، وحجم المياه التي تقدمها كل دولة من دول الحوض.
– إمكانية استخدام أسلوب التعويض لدولة أو أكثر من دول الحوض كأحد وسائل تسوية المنازعات.
2-توصيات ماردل بلاتا:
اهتمت غالبية المنظمات الدولية التابعة لهيئة الأمم المتحدة بمناقشة مشاكل نقص المياه العذبة وانعكاسها على بلدان الجوار، فهناك العديد من مؤتمرات منظمة الزراعة والأغذية، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة اليونسكو حيث تناولت هذه المنظمات تلك المشكلة من زوايا مختلفة. أما المؤتمر المتخصص الأول للأمم المتحدة حول المياه فقد عقد في الأرجنتين بمدينة ماردل بلاتا في مارس 1977م، وقد صدر عن هذا المؤتمر عدة توصيات من بينها:
– ضرورة تعاون دول الموارد المائية المشتركة بما يُزيد من الترابط الاقتصادي والبيئي بين هذه البلدان.
– أن يقوم التعاون على أساس المساواة بين جميع الدول في حقوق السيادة والسلامة الإقليمية.
– عند استخدام وإدارة المياه المُشتركة من قبل إحدى الدول يجب أن تُراعي حقوق باقي الدول المُشارِكة في هذه المياه.
– حقوق الدول المُشاركة يجب أن تكون على أساس مُنصِف وعادل لتعزيز ودعم التضامن والتعاون الدولي .
– تدعيم الجهود الخاصة بإقرار القانون الدولي المتعلق بالمياه.
3-مبادئ مشروع القانون الدولي:
مع انتشار النزاعات بين الدول حول استخدام مياه الأنهار في غير أغراض الملاحة أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً برقم 2669 في 8 ديسمبر 1970م يقضي بتكليف “لجنة القانون الدولي” التابعة لها أن تقوم بإعداد مشروع قانون يختص بتنظيم استخدام الأنهار الدولية في غير أغراض الملاحة. وقد عقدت تلك اللجنة عدة اجتماعات لدراسة الموضوع ووضعت مشروعاً أولياً في عام 1984م وزعته على الدول الأعضاء بغرض تلقى آراء هذه الدول، ولمزيد من الاهتمام بالموضوع أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً في 19 نوفمبر 1989م بأن يكون عقد التسعينات 1990-1999م هو “عقد القانون” مع التركيز على قانوني مياه الأنهار الدولية، والجرائم المخلة بالسلم العالمي. وقد انتهت اللجنة من وضع مشروع القانون بشكله النهائي في يوليو 1994م، وقامت الدول الأعضاء بدراسته تمهيداً لإصداره وتوقيع معاهدة دولية بشأنه. يتضمن مشروع ذلك القانون المواد التالية:
– نطاق القانون من حيث أنه يختص فقط باستخدام الأنهار الدولية في غير أغراض الملاحة الدولية، وبشكل أكثر تحديداً في مجالي الزراعة والصناعة.
– توضيح للمفاهيم المُستخدمة، وخاصة مفهوم المجرى المائي الدولي.
– توضيح للعلاقة بين المعاهدات التي تُبرم بين الدول الأعضاء وبين مشروع القانون بعد إقراره في صورة معاهدة دولية عامة.
– توضح الدول التي يحق لها الاشتراك في معاهدات مجاري الأنهار الدولية.
– توضيح لمفهوم الاستخدام العادل والمعقول لمياه النهر.
– العناصر التي يجب الالتزام بها عند تحديد الاستخدام العادل والمعقول.
– توضيح لمفهوم عدم الإضرار بالدول النهرية الأخرى.
– الالتزام العام بين دول النهر بالتعاون في حماية وصيانة وتنمية موارد النهر.
– رصد وتبادل المعلومات حول كل ما يخص النهر.
– مدى أولوية الاستخدامات المختلفة لمياه النهر.
– الخطوات التي يجب أن تتبعها الدول النهرية المُشاركة عند البدء بمشروع ما.
– ضرورة إخطار الدول النهرية المشاركة في حال حدوث آثار ضارة للنهر.
– ضرورة رد هذه الدول بالإجراءات التي اتخذتها للحد من تلك الآثار.
– الالتزامات الواقعة على الدول المتسببة في هذه الأخطار.
– منع تلوث النهر، وعدم إدخال مواد غريبة إليه ، وخفض معدلات تلوثه.
– حماية البيئة النهرية، والتعاون في الإدارة المشتركة للنهر، وتنظيم إقامة المنشآت النهرية.
– حماية النهر أثناء النزاعات المسلحة، وحدود الإجراءات الضرورية بغرض الدفاع الوطني.
– عدم التمييز بين رعايا الدول النهرية المشتركة في حال حدوث كوارث أو أضرار تُصيب هذه البلدان.
الأسلوب الواجب اتبعه في حال حدوث النزاعات النهرية.