د. مجدي عبد الحميد يكتب: عن الحق في التعليم للجميع.. زاوية مختلفة للرؤية
منذ زمن بعيد أصبحت مجانية التعليم حق مكفول حتي سن الخامسة عشر كحد أدني في جميع أنحاء العالم بمقتضي كافة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كما تمت ترجمتها والتأكيد عليها بمئات القرارات الدولية كما في دساتير الدول المختلفة الديموقراطية منها و الإستدادية، الغنية و الأقل غني وحتي أفقر دول العالم.
إن إعادة طرح السؤال المتعلق بحق ثابت وأكيد و إرتفاع بعض الأصوات بالحديث اليوم عن سلب ذلك الحق و القول بأن كل شئ في الدنيا أصبح بثمن وأن اللي ممعهوش ما يلزمهوش، سواء بشكل مباشر من خلال رفع كلفة التعليم المجاني بزيادة الأعباء المالية المباشرة والغير مباشرة التي أصبحت فوق طاقة الغالبية العظمي من الأسر الفقيرة، أو بشكل غير مباشر من خلال الحجم المتدني للمخصصات المالية الموجهة للتعليم العام المجاني في موازنة الدولة والتي يؤكد الخبراء و المتخصصين علي ضرورة مضاعفتها ثلاث مرات علي الأقل لحماية العملية التعليمية من الإنهيار الكامل بعد أن إنصرفت عنه معظم أبناء الطبقة الوسطي، القادر منها والغير قادر وتوجهوا منذ زمن نحو التعليم الخاص بمستوياته المختلفة، كل حسب قدرته والإمكانيات التي يستطيع تدبيرها حتي لو كان ذلك علي حساب حرمان الأسرة من ممارسة حياة طبيعية وإنسانية.
إن الدفع في إتجاه تدمير التعليم العام المجاني بالتحايل بكافة الطرق والأساليب هو نتاج فكر وعقلية رأسمالية متوحشة وغبية وحمقاء يدفعها ضيق أفقها ورؤيتها الدونية وإحتقارها لشعوبها ليس فقط إلي سلب حقوق أصبحت راسخة في وجدان وضمير الإنسانية، ولكن أيضا إلي أن تعمل حتي ضد مصلحتها هي نفسها، ذلك أن الإستمرار في ذلك النهج سيؤدي إلي :
أولا : إستقبال الواقع المصري سنويا لمئات الآلاف من الأطفال أعمارهم بين الثانية عشر والخامسة عشر بلا علم، بلا موهبة، بلا كفاءة، بلا صنعة ينطلقون في الشوارع نهبا للفقر والضياع و الإدمان ويصبحون عبئا علي الإقتصاد والمجتمع كما يشكلون أكبر إحتياطي إستراتيجي للعنف والإرهاب و يتحولون إلي مادة خام لتدمير قيم المجتمع وثقافته وعاداته وتقاليده الأصيلة ناهيك عن فقد أي مقدرة علي اللحاق بقطار الحداثة الذي يسير بسرعة الصاروخ.
ثانيا : مع الإستمرار علي ذلك النهج وإرتفاع كلفة العملية التعليمية للدرجة التي لن يستطيع معها ملايين الفقراء حتي من إستكمال مرحلة التعليم الإلزامية بمستواها الأعرج الحالي ستستقبل الشوارع قريبا ملايين الأطفال الذين ستبدأ أعمارهم من السادسة، وسأترك لخيالك قراءة النتائج التي ستترتب علي ذلك !!!!!
ثالثا : أما النسبة القليلة جدا والتي يمكن أن تصل بالمعافرة إلي مستوي التعليم المتوسط حتي سن الثامنة عشر أو تتسرب من خرم المصفاة لتنهي تعليمها الجامعي فليس من المتوقع أن تحصل علي قدر كاف من المعرفة والتعليم الحقيقي الذي يؤهلها للإندماج في عملية تطوير وتنمية الإقتصاد والمجتمع، وفِي أفضل الأحوال ستتميز عن الفئتين الأولي والثانية في كونها تشبههم في المضمون وفِي الشكل تحمل رخصة لا تضيف لهم أكثر من لقب.
وهكذا نجد أنه حتي بالمنطق النفعي البحت وليس بالإستناد والرجوع إلي مرجعيات حقوق الإنسان المستقرة في جميع أرجاء العالم فإن الحق في التعليم ضرورة أساسية لحماية المجتمع و إستقراره ولبناء إقتصاد متطور ودولة قوية.
وأخيرا أشير إلي أنه عندما سؤلت أنجيلا ميركل مستشارة جمهورية المانيا الإتحادية، لماذا تنفقون كثيرا علي التعليم ؟ أجابت بسرعة لأننا ببساطة لا نستطيع تحمل نفقات الجهل.