د. مجدي عبد الحميد يكتب: الإنتخابات التمثيلية كآلية للتبادل السلمي للسلطة
الإنتخابات التمثيلية هي الآلية الوحيدة المتعارف عليها حتي الآن التي اكتشفتها وطورتها النظم الديموقراطية الليبرالية الحديثة لإختيار مندوبين عن الجماعات المختلفة كبيرة العدد والذين لا يستطيعون من الناحية العملية أن يجلسون مع بعضهم مجتمعين ليتدارسون ويدبرون ويديرون شؤونهم ويتخذون القرارات المنظمة لحياتهم ويضعونها موضع التنفيذ بدونها.
وكلما كبرت الجماعات وزاد عددهم وتنوعهم تتباين المصالح البينية داخل الجماعة الواحدة لتصل حد التضارب، ويصبح اختيار المندوبين أو الممثلين في هذه الحالة أصعب نسبيا علي جمهور الناخبين من تلك الجماعة الكبري فيحدث ما نطلق عليه الانتخاب الحر لعدد من المرشحين من بين المتقدمين لشغل منصب المندوب لهذه الجماعة أو تلك وفقا لرؤيته وبرنامجه الذي يتقدم به لتنفيذه حال إختياره لشغل ذلك المكان الرفيع الذي من المفترض أن جوهره هو التعبير بدقة وأمانة عن مصالح من أختاروه لشغل ذلك المكان وفقا لما تقدم به من برامج و وعود وحلول لمشكلات الجماعة المحددة التي اختارته، سواء كانت وظيفته تشريعية أو رقابية أو تنفيذية.
تجري المنافسة بين المرشحين المتقدمين و يسمح لهم بمناقشة برامجهم ورؤاهم المتقدمين بها لجمهور الناخبين الذين يختارون بحرية و في إطار من الشفافية الممثلين الذين يعتقدون فيهم القدرة علي التعبير عن مصالحهم وحمايتها خلال الفترة الزمنية التي سيشغلون فيها مواقعهم التي اختيروا لها.
ومن المفترض أن يتابع جمهور الناخبين آداء المندوب أو الممثل الذي وقع عليه إختيارهم له، هل إلتزم أثناء شغله للموقع الذي اختير له بتفيد البرامج والعهود الإنتخابية التي قطعها علي نفسه وتعهد بها أمام جمهور الناخبين ؟
هل تبني مصالحهم ودافع عنها بأمانة ؟
هل إنعكس وجوده في ذلك الموقع بالصورة التي يرضون عنها وحسنت من شروط الحياة بالنسبة لهم ؟
هل راعي هو وجماعته السياسية المنتمي لها مصالح الغالبية الكبيرة من جمهور الناخبين الذين اختاره ؟ أم أنه تبني فقط مصالح جماعة محدودة علي حساب مصالح الأغلبية ؟
هذه الاسئلة وغيرها الكثير يرصدها جمهور الناخبين ويتابعونها لتكون مرشدا لهم في الاختيار في المرة والمرات التالية.
وعندما يحل موعد تجديد الثقة في هؤلاء الممثلين أو تجديد دمائهم، يصبح أمام جمهور الناخبين الخيارات الآتية :
إما إعادة اختيار نفس الممثل أو المندوب وجماعته السياسية التي ينتمي لها لتأكيد استمرار نفس السياسات وأساليب عملهم التي ثبت نجاعتها.
وإما يقع إختيارهم علي أشخاص وجماعات سياسية جديدة بتوجهات و أساليب عمل وبرامج ورؤي جديدة ومختلفة عن سابقتها التي لم تحقق طموحاتهم أو فشلت ولَم تكن علي مستوي الوعود التي قطعوها علي أنفسهم أثناء تقدمهم السابق لجمهور الناخبين.
إن جوهر هذه العملية هو ما يطلق عليه إمكانية التبادل السلمي للسلطة.
و تبقي هنا ضرورة الإشارة إلي أن هذه العملية بالإضافة إلي كونها آلية منطقية ومحفزة للحياة السياسية، تكسبها حيوية دائمة ومتجددة تؤدي إلي التطوير الدائم و تجعل من المنافسة حافزا لاحراز تقدم مستمر ومتجدد، فهي علي الجانب الآخر لها شروط إذا غابت فسدت العملية بمجملها و تحولت لآلية لتأكيد الإستبداد و التسلط و هيمنة سلطة ونفوذ رأس المال و مرتع للفساد، و هذه الشروط هي :
اولا : توافر مساحة من الديموقراطية و الحريات العامة والخاصة لجمهور الناخبين كما للمرشحين توفر لهم الحق في الحركة والتعبير و الاختيار الحر، مناخ آمن وداعم لفكرة المشاركة ومحفز لها.
ثانيا : فرص متساوية لجميع المرشحين، سواء الأفراد أو الجماعات السياسية في الوصول المتكافئ لجمهور الناخبين بإستخدام كافة وسائل الدعاية بما في ذلك الحق في استخدام كافة وسائل الإعلام المرئية و المسموعة والمطبوعة.
ثالثا : حزمة من القوانين والإجراءات المنظمة للعملية الإنتخابية تضمن بها جميع الفئات والجماعات المتنافسة حصولها علي فرصة التمثيل العادل في الهيئات المختلفة وفقا لأوزانهم النسبية الحقيقية في المجتمع.
رابعا : توافر الآليات و الأدوات التي تضمن وتؤمن شفافية ونزاهة وحرية العملية الإنتخابية من بدايتها حتي الإعلان عن نتائجها.
خامسا : أحترام النتائج التي تسفر عنها الإنتخابات والتي تعبر في هذه الحالة عن إرادة جمهور الناخبين الحقيقية وإتاحة الفرصة للفائزين لممارسة حقوقهم الدستورية والقانونية دون تدخل من سلطة، مهما علا شأنها.
في هذه الحالة فقط يصبح للإنتخابات معني حقيقي، وما عدا ذلك فهو مجرد مضيعة للوقت والجهد والمال، و الأهم من ذلك كله إهدار لقيمة المشاركة وتكريس لفقد الثقة بين الجمهور و القائمين علي ادارة شؤون البلاد.
اللهم بلغت اللهم فاشهد.
كاتب ومحلل سياسي