د. طه طنطاوي يكتب: إحقاقا للحق وليس دفاعا عن الزاهد
تعرض الزميل الأستاذ مدحت الزاهد لموجة عالية من الهجوم على شخصة وعلى حزب التحالف الشعبى الاشتراكي على خلفية رأيه الذي أعلنه باسم الحزب، ويتعلق بالموقف من الانتخابات الرئاسية 2024، مطالبا الرئيس الحالي بأن لا يتقدم للترشح فى 2024، وذلك في إطار ضمانات مطلوبة لانتخابات عادلة وشفافة وبعيدة عن تدخل أجهزة الدولة مؤسسًا رأيه على اعتبارين رئيسيين.. أولهما: أن الرئيس الحالى أمضى في الحكم دورتين رئاسيتين، وبمقتضى الأعراف الدستورية العامة في الديموقراطيات الحديثة، لا يُسمح بأكثر من مدتين رئاسيتين، بما يتيح تداول السلطة بشكل سلمي ولا يدخل فى هذا الاعتبار كفاءة الرئيس من عدمه.. أي أن اعتبارات الكفاءة هنا ليست المحدد في الاستمرار من عدمه.. ولكن الموائمات والاعتبارات السياسية العامة هي التي تحكم.. وفضلا عن هذا الاعتبار العام.
ويستند ثانى الاعتبارات إلى ما تواجهه مصر..الوطن والشعب.. من أزمات حادة لا يختلف عليها اثنين.. تطال كل مظاهر الحياة في مصر الآن، وذلك بإقرار رأس النظام نفسه، وغنيٌ عن القول أن هذه الأزمات هي بكل تأكيد ناتج وحصاد سياسات الحكم في العشر سنوات الماضية.. ومن الطبيعي والمنطقى في هذه الحالة أن من تسببت سياساته في المشكلة لا يمكن أن يكون جزءا من الحل، وهنا يلزم إتاحة الفرصة لسياسات ولبدائل أخرى مغايرة تستطيع أن تنهض بالبلد وتحقق ما عجزت عنه السياسات الحالية.. هذا فضلا عن أن حالة الاحتقان المجتمعي الحالي مرشحة للتصاعد وتنذر بأوخم العواقب على المستقبل.
ويسترعي النظر هنا أن الأقلام المحسوبة على النظام (إما نفاقا او مداهنة) شنت هجومها على مدحت الزاهد بتجاهل تام للاعتبار الثاني وهو الأهم والمتعلق بحصاد فترتي الرئاسة المنقضى أجلهما.. وانصب تركيزهم على مدد الرئاسة من الناحية الدستورية.. على قاعدة أن الدستور الحالي _بعد إدخال التعديلات عليه_ يسمح للرئيس الحالي بمدة أخرى.. وهذا في تقديرهم حق دستوري لا يملك أحد إزائه الإدعاء بغير ذلك..
وفي ذلك.. نسي أولئك أن الأساس الذي انطلق منه الزاهد هو الروح العامة التي تحكم الدساتير وتعديلاتها، وتناسوا أيضا أن التعديلات التي أدخلت على دستور 2014 الذي صاغته الجماهير ووافقت عليه كان الأجدر بالاعتبار؛ باعتباره حصاد موجتين ثوريتين عظيمتين قام بهما الشعب المصري منهيًا حكم الفساد والاستبداد ومؤسسا لجمهورية جديدة ونظام سياسى جديد، وأن هذا الدستور انتصارًا لمبادئ الديمقراطية والحرية حصّن المواد التي تتعلق بمدد و فترة الرئاسة بمواد دستورية تحظر تغييرها في أي تعديلات دستورية.. وبهذا المعنى فإن أي تعديلات تطال فترة الرئاسة أو مدتها يشوبها عوار كامل حتى وان استفتي عليها، إذ يعلم القاصي والداني حقيقة المناخ الذي جرت في ظله هذه التعديلات، وتناسوا أيضًا أن الدساتير تعدل للأفضل، والأهم أن الرئيس تقدم للفترة الرئاسية الأولى في 2014 والثانية فى 2018 في ظل أحكام دستور 2014.. ومارس سلطانه الدستورية بقسم الولاء للدستور..(والذى كما سبق القول حصن مواد الرئاسية من ان تكون محلا للتغيير)
والسؤال الان …لماذا تتمسكون بمواد الدستور الحالي باعتبار أنه تم الاستفتاء عليه… ألم يكن دستور2014 دستورا مستفتى عليه؟..