د. زهدي الشامي يكتب : المؤتمر الاقتصادي.. تبرير للسياسات وتجاهل تشخيص المشكلات
————————————————————–
– المؤتمر الاقتصادى لعام ٢٠١٥ تمخض عن ترويج أوهام عن ١٧٠ مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية
– كيف خسرت مصر بسبب الثورة ٤٧٠ مليار دولار ، أى ضعف ناتجها المحلى الإجمالي ؟
– الدول الناجحة لم تحقق التنمية بالقروض كما ذكر مدبولى
– حديث معيط عن استهداف خفض الدين العام مجرد وعود ، وفى الواقع فشل فى تحقيق المستهدف
– مدبولى يتحدث عن احتواء التضخم فى حين أنه وصل إلى ٣٣%
– بددوا ٧ تريليون جنيه على المدن الجديدة والطرق والكبارى بينما القطاعات الإنتاجية صناعة وزراعة ومعها التعليم والصحة والبحث العلمى تعانى شح الموارد
– عندما تتحدث الحكومة عن الاستثمار الأجنبى فانها فى الواقع تعنى بيع أصول الشعب للأجانب
—————————————————
لم يأت المؤتمر الاقتصادى مصر ٢٠٢٢ بجديد يذكر فى معالجة الأوضاع والمشكلات الاقتصادية التى تمر بها مصر اليوم ، تجاهل تشخيص تلك المشكلات بشكل حقيقى ، وغلب عليه التبرير للسياسات الاقتصادية التى اتبعت فى السنوات الثمانى الماضية ، وبالتالى لا ينتظر منه تغيير ذو شأن فى تلك السياسات ، بل معالجة الأزمة الحالية بمنطق المؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولى والمزيد من تطبيق روشتته التى لم تحقق اى نجاح حقيقى لا فى مصر ولا فى غيرها من الدول التى لجأت إليه واتبعت سياساته .
من حيث المشاركة يتضح أن المشاركة الدولية هى على مستوى أقل كثيرا من المؤتمر الاقتصادى عام ٢٠١٥ فى شرم الشيخ والذى شاركت فيه شخصيات سياسية واقتصادية عالمية على مستوى أرفع كثيرا . وكان قد تمخض المؤتمر السابق عن وعود باستثمارات قدروها بحوالي ١٧٠ مليار دولار ، لم يتحقق منها شئ على أرض الواقع . ومن الملاحظ أن المؤتمر الحالى ياتى فى ظروف أسوأ سوءا من زاوية الإقتصاد المصرى أو الإقتصاد العالمى ، وبالتالى فلا نتوقع منه إلا نتيجة أكثر تواضعا .
ومن زاوية المشاركين من الداخل فالواضح هو الطابع الحكومى وغياب المعارضة التى تمت دعوتها لحوار قومى فيه محور اقتصادى لم يبدأ بعد رغم إطلاق الدعوة له منذ أكثر من خمس شهور .
جاءت الأحاديث الحكومية من المتحدثين الرئيسيين سواءا الرئيس أو رئيس الحكومة أو وزير المالية تبريرا للسياسات المتبعة واتبعت منطقا به الكثير من التناقضات والمغالطات .
ومن أهم تلك المغالطات الزعم بأن مصر خسرت بسبب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ مبلغا يصل إلى ٤٧٧ مليار دولار ، وهو رقم جزافى تماما لم يخبرونا كيف توصلوا له ، ولاسند له من الواقع لأن الناتج المحلى الاجمالى عام ٢٠١٠ كان ٢١٩ مليار دولار ، ووصل فى عام ٢٠١٣ إلى ٢٨٨.٤ مليار دولار، اى أنه زاد ولم بنخفض ، كما أنه لا يعقل أن تخسر مصر ٤٧٧ مليار دولار اى أكثر من ضعف ناتجها المحلى الاجمالى كله .
تضمن حديث رئيس الوزراء محاور كثيرة يصعب تناولها كلها ، ولكن يمكن الإشارة باختصار لبعض التناقضات والأخطاء اللافتة للنظر ، ومن بينها الزعم بأن الدول الناشئة الناجحة كالصين نمت هى الأخرى بالاقتراض ، وهذا مخالف للحقائق المعروفة بأن الصين اعتمدت بالأساس على الادخار المحلى الذى تصل نسبته لأكثر من ٤٠ % من الناتج المحلى الاجمالى ، بينما تلك النسبة فى مصر تحت ١٥ % ، وهى نسبة لاتحقق معدلات نمو مرتفعة .
وتحدث رئيس الوزراء ان خفض الجنيه ليس سيئا وأن المشكلة ليست خفض سعر الصرف بل كبح جماح التضخم . وفى الحقيقة لم ينجح لا فى البرهنة أن خفض سعر الجنيه بهذه الدرجة الكارثية قد نجح فى معالجة الاختلالات الهيكلية الخطيرة ، وفى مقدمتها الضعف الكبير للصادرات والاختلال الهائل للميزان التجارى الذى يصل لأكثر من ٤٠ مليار دولار ، ولا كبح التضخم ، لأن التضخم فى السنوات ٢٠١٦ -٢٠١٩ وصل إلى ٣٣ % ، وبعد انخفاض لفترة قصيرة عاد للارتفاع منذ العام الماضى وتجاوز اليوم ١٥ % ومازال يواصل الصعود .
يثير الانتباه أيضا الأرقام التى أوردوها عن إنفاق ٧ تريليون جنيه فى السنوات الماضية ، فى أغلبها على البنية التحتية من طرق وعقارات العاصمة الإدارية وغيرها ، بينما الانفاق على القطاع الإنتاجية زراعة وصناعة والخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة هزيل للغاية . وبالتالى فهذا الانفاق غير الانتاجى الهائل هو فى الواقع جزء من الأزمة وليس الحل للمشكلة الاقتصادية .
أما حديث وزير المالية الطويل عن استهداف خفض نسبة الديون الحكومى للناتج المحلى الاجمالى إلى ٧٢ % مع عام ٢٠٢٥ فهو ليس أكثر من واحد.من الوعود التى يمكن أن تتحقق أو لا ، اما الواقع فإنه رغم كل سياسات التقشف على الشعب المصرى وليس على الحكومة نفسها ، فقد فشلت السياسة الحكومية فى الهبوط بالدين العام إلى الحدود المستهدفة ، ومازال وفق بيانات الوزير عند مستوى ٨٧.٢ % من الناتج ، بينما فوائد وإسقاط الديون تتجاوز كل موارد الموازنة .
الغريب أن الكلمات تطرقت لانفاق ٧ تريليون جنيه على المدن الجديدة والطرق والكبارى والبنية التحتية وتجاهلت الضعف الشديد للاستثمار فى الصناعة والزراعة وبررت للضعف الواضح للانفاق على التعليم والصحة والبحث العلمى .
لذلك فلا نتائج إيجابية للمؤتمر ، وإذا كانت الحكومة تريد جذب استثمارات لمعالجة مأزق سداد مستحقات الديون الخارجية التى لا تملك العملات الصعبة اللازمة لسدادها ، خاصة فى ظل وضع مختل لميزان المدفوعات ، فليس من المتوقع الا أن تحاول بيع المزيد من أصول الشعب وممتلكاته لمستثمرين أجانب وخليجيين . وللأسف فإن الحكومة تسمى هذا استثمارا ، فى حين أنه لايعنى سوى نقل الملكية من المصريين للأجانب ، ولايمت بصلة للاستثمار الحقيقى الذى يعنى إضافة أصول إنتاجية حقيقية للاقتصاد وليس بيع الأصول الإنتاجية الموجودة فعلا .