د. زهدي الشامي يكتب: العاصمة والعلمين الجديدتان.. بين إهدار الموارد وأولويات التنمية
—————————————-
– الزعم بأن الإنفاق على العاصمة الجديدة هو من خارج الموازنة استخفاف بالعقول .
– المدن الجديدة بما فيها العاصمة تلقت دعما من الموازنة ١٠٣.٩ مليار فى عام واحد .
– إجمالى الانفاق على العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة والقطارات بينهما يتجاوز ١.٥ تريليون جنيه ، استنفزت موارد البلد ، بينما استثمارات الصناعة والزراعة هزيلة للغاية .
—————————————————-
مازالت ما يسمى العاصمة الإدارية الجديدة ومعها كذلك العلمين الجديدة تستقطبان اهتمام الشعب المصرى، خاصة فى ظل ظروف أزمة اقتصادية خانقة نستشعر جميعا صعوبتها ، بينما لاتبدى الحكومة اى نية لمراجعة جدية لخططها التى سارت من الأصل فى الاتجاه الخاطئ بانفاق أموال طائلة على مشروعات غير منتجة ، فى مقدمتها هاتين المدينتين وما يرتبط بهما من خدمات ومرافق .
زعمت الحكومة وممثلوها مرارا أن هذه المشروعات لاتكلف الميزانية ولا الدولة أى أعباء ، وأنهما تمولان نفسها ذاتيا من حصيلة بيع الأراضى ، وفى ذلك استخفاف واضح بالعقول لاعتبارات عديدة .
فأولا – لا يجوز الزعم أن حصيلة بيع أراضى الدولة هو مما يقع خارج موازنة الدولة إلا فى مصر . وهذا انتهاك صريح لمبدأ وحدة الموازنة العامة الذى يقضى بأن اى موارد يجب أن تصب فى موازنة الدولة ولى إنفاق يجب أن يخرج منها . وهكذا حولوا المالية العامة لماليات عديدة منفصلة تلغى إمكانية الشفافية والمراقبة .
ثانيا- ورغم ذلك فليس صحيحا أن هذه المدن لاتتلقى أموالا بشكل مباشر من الموازنة العامة بشكلها المشوه المنقوص الحالى . فكل من العاصمة الإدارية والمعلمين الجديدة تتلقيان مليارات الجنيهات من الموازنة العامة مباشرة وفقا لما هو وارد فى البيان المالى ، ووفقا لذلك البيان للعام المالى ٢٠٢١- ٢٠٢٢ تلقت المدن الجديدة بما فيها شركة العاصمة الإدارية مبلغ ١٠٣.٩ مليار جنيه مخصصات عن هذا العام ، ناهيك عن كل السنوات السابقة . ووفقا لتصريحات لعصام الجزار وزير الاسكان فقد خصصت الوزارة ٢٥ مليار جنيه لمشروعات العلمين الجديدة فى العام الماضى ٢٠٢١ – ٢٠٢٢ .
ثالثا – من ضمن ما يرتبط بتلك المدينتين وسائل المواصلات وخلافه ، ومن ذلك القطار السريع والقطار الكهربائى الخفيف والمونوريل والطريق الدولى الساحلى السريع وخلافه ، وهى كلها مشروعات ممولة بمبالغ مالية كبيرة وبقروض بالعملة الصعبة متورطة فيها الدولة بشكل مباشر .
رابعا – أن ما يعنينا عموما هو الموارد القومية المصرية التى يتم توجيهها لتلك الاستخدامات غير الإنتاجية ، سواء كانت أموال دولة أو قطاع خاص أو أموال وقروض من البنوك المصرية ، لأنها يتم حجبها عن الاستخدامات المنتجة الأخرى وتوجه لاستخدامات ترفية وغير منتجة ولا تدخل فى التجارة الدولية ، بما يعنى أن القروض بالعملات الأجنبية يصبح من الصعب سدادها فى المستقبل.
كم تبلغ تكلفة كل ذلك التبديد والهدر ؟ الأرقام غير منضبطة لأنه كثيرا ما نجد تضاربا وأيضا تعمية ، ولكن أقرب التقديرات للواقع هى تصريحات اللواء أحمد زكى عابدين الرئيس السابق لشركة العاصمة الإدارية ، و التى قدر فيها تكلفة المرحلة الأولى للعاصمة ب ٨٠٠ مليار جنيه ، وهو متوافق مع ماكان ذكر فى البداية بتقدير التكلفة ب ٤٠ مليار دولار . فإذا اضفنا لذلك تكلفة العلمين الجديدة ٢٥٠ مليار جنيه ، ثم القطارات الثلاثة السريع والكهربائى و المونوريل ، وهى تتجاوز ٥٠٠ مليار جنيه ، فإن التكلفة الإجمالية لذلك كله تتجاوز تريليون ونصف تريليون جنيه وهو مبلغ هائل استنزف كل ماهو متاح للتنمية الحقيقية الجادة .
وبالمقارنة لما يتم توجيهه للقطاعات الإنتاجية تكتشف أن ماهو موجه للإنتاج مبالغ هزيلة للغاية . بلغت الاستثمارات الموجهة لقطاع الزراعة وفق بيانات وزيرة التخطيط مليار جنيه فقط عام ٢٠١٩ – ٣٠٢٠ ووصلت إلى ٤٣ مليار جنيه فى العام التالى ثم إلى ٧٣.٨ مليار بنسبة ٥.٩ % فقط من إجمالى الاستثمارات فى عام ٢٠٢٢- 2023. طبعا الرقم هزيل وبعيد للغاية عن تريليونات المدن الجديدة . ولا يبدو حظ الصناعة أفضل من حظ الزراعة ، فقد بلغ الاستثمار فى الصناعة وفق بيانات وزيرة التجارة والصناعة ٤٩ مليار جنيه فقط فى عام ٢٠٢٠ .
ان النتيجة المنطقية لذلك هى التراجع النسبى الواضح للناتج الزراعى والصناعى، ويتجلى ذلك فى استمرار العجز الكبير فى المبزان التجارى نتيجة ضعف الصادرات السلعية وزيادة الواردات السلعية ، ويقدر عجز الميزان التجارى السلعى بما يتجاوز ٤٠مليار دولار ، كما تعانى مصر كما هو معروف من ضعف الاكتفاء الذاتي من الغذاء ، ويتجلى ذلك فى ارتفاع فاتورة واردات السلع الزراعية إلى ١٠.٤ مليار دولار فى عام ٢٠٢١ ، إضافة إلى ٦.٧ مليار أخرى من الصناعات الغذائية .
مصر تحتاج بشدة فى ظل الأزمة الراهنة لتجميد الانفاق فى تلك المشروعات الترفية وفى مقدمتها العاصمة الإدارية الجديدة ، وليس المكابرة والاستمرار فى نفس الطريق الخاطئ ، وأن تعيد.ترتيب الأولويات فى اتجاه الإنتاج زراعة وصناعة والعلم والتعليم والتكنولوجيا والصحة ، وبدون ذلك ستتعقد الأزمة الراهنة أكثر وأكثر.
—