د. رحاب إبراهيم تكتب: في صحتك أسلوب التجاهل …أسبابه وكيفية التعامل معه
باب ثابت تحرره: د. رحاب إبراهيم.. كاتبة وطبيبة .. أخصائية طب العائلة
” لقد قرأ رسالتي مجددا ولم يرد !
راجعت كل محادثاتنا السابقة بحثا عن الفعل الشنيع الذي ارتكبته لأستحق أن يعاملني كما لو لم أكن موجودا ..لم يكن هناك شيء يُذكر “
هل سبق ووجدت نفسك في هذا الموقف ؟ حين يصبح من المستحيل أن تتلقى إجابة من شخص ما كنت تظنه قريبا منك ؟ هذا ما يسمى ” المعاملة الصامتة “
ما هي المعاملة الصامتة ؟
عندما يقرر أحد طرفي العلاقة تجاهل الطرف الآخر نهائيا والتوقف عن التواصل معه بأي شكل .
قد يأتي هذا السلوك بعد مشاجرة كبيرة بين الطرفين, ولكن في أغلب الأحيان فأن أحد الطرفين لا يفهم السبب الحقيقي لهذه المعاملة حيث تتم بدون أن يوضح الطرف الذي يمارسها سبب ممارسته لها .
هذا السلوك لا يتعلق فقط بالعلاقات العاطفية , بل يمكن حدوثه بين الآباء والأبناء , الأصدقاء , زملاء العمل , ويزداد أثره المؤلم كلما كان الشخص الذي يمارسه ذو صلة حميمة .
هناك عدة دوافع لمثل هذا السلوك ..ويجب فهم هذه الدوافع جيدا لأنها التي تحدد ما إذا كان هذا الشخص مستحقا للشفقة والمساعدة أو عدوانيا يستمتع بإخضاع الآخرين .
لكن قبل توضيح هذه الدوافع دعنا نوضح الطرق المستخدمة في المعاملة الصامتة
أساليب المعاملة الصامتة
– رفض التحدث معك
– تجاهل اتصالاتك ورسائلك الهاتفية
– عدم الإقرار بمشاعرك أو برأيك
– عدم الانتباه لما تقول
– تجنب التواجد معك في نفس المكان
– تجاهل رغبتك في التواصل أو الحديث بوضوح
– انتهاج السلوك الذي يشعرك بعدم أهميتك
– الاختفاء لفترة ثم معاودة الظهور والتصرف كما لو كانت الأمور كلها بخير وأن شيئا لم يحدث أبدا
منشأ المعاملة الصامتة
نشأ هذا السلوك في السجون في عام 1835 بديلا عن العقاب الجسدي
حيث يتم منع المسجونين من الحديث ومناداتهم بالأرقام لا بأسمائهم ,وإجبارهم على تغطية وجوههم فلا يستطيع أحدهم رؤية الآخر.
وكان من المعتقد أن هذا الأسلوب سوف يحطم إرادتهم تماما بأكثر مما يفعله أي عقاب بدني,حيث أنه بهذه الطريقة لا يصبح هؤلاء السجناء مجرمين بل شيء أسوأ بكثير ..يصبحون غير مهمين ..غير موجودين ..غير مرئيين ..يصبحون “لاشيء”
هناك أربعة أسباب شائعة للمعاملة الصامتة:-
1- الرغبة في التهدئة : وهو سلوك طبيعي يحدث عندما تشتعل الأمور تجنبا لقول أو فعل ما يؤدي لتصعيد الموقف في لحظة غضب ..هذا الانسحاب إيجابي ويساعد في حل المشكلة
2-ضعف القدرة على التواصل وهو نوع شائع لدى الأشخاص الذين لم يتلقوا تدريبا كافيا يؤهلهم للتعامل مع المشكلات التي يواجهونها
3- الحماية من علاقة مؤذية: وهو أحد أشكال الانسحاب الإيجابي أيضا
4- الرغبة في السيطرة والتحكم في الطرف الآخر : وهو شكل من أشكال العنف السلبي والذي يؤدي لتدمير ثقة الطرف الآخر في نفسه
والآن كيف تتعامل مع كل نوع ؟
1 ) الانسحاب من اجل التهدئة : غالبا ما يلجأ الجميع لهذا الأسلوب في وقت ما , وذلك لتجنب قول او فعل انفعالي يؤدي للندم فيما بعد , أو لأن الشخص يكون على درجة عالية من الانفعال بحيث لا تمكنه توصيل مشاعره وأفكاره بشكل جيد .
الصمت هنا ليس أسلوب عقاب أو محاولة للسيطرة ,بل هو أمر ضروري لتفادي التصعيد ,وغالبا ما تنتهي الحالة تلقائيا بعد استعادة الهدوء وصفاء الذهن.
إذا كنت أنت من يرغب في هدنة يجب أن توضح ذلك للطرف الآخر بعبارات واضحة وبسيطة:
“دعنا نؤجل المناقشة حتى الغد لأنني مرهق أو لا أستطيع التفكير بشكل جيد “
أما إذا كنت في الوضع العكسي ,بمعنى أن شريكك هو من طلب هذه الهدنة
فاستغل الفرصة لمنح نفسك فترة من الراحة الذهنية والاعتناء بنفسك وبصحتك
إذا استمر الآخر في الصمت فيمكنك المبادرة بالسؤال عن الوقت المناسب لبدء الحوار
عند الاستجابة احرص على أن تكون مستمعا جيدا وأن تكون أكثر مرونة وسعة أفق
أما إذا لم تتلق استجابة فقد آن وقت الرحيل ..
2) الصمت لعدم امتلاك المهارات الكافية للتواصل : هناك بعض الأشخاص يفتقدون تلك المهارات لأنهم ببساطة لم يتعلموا أو لم يُتح لهم التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم منذ الصغر .
كنتيجة لذلك يلجأون لتجنب المحادثات المتوترة أو الدخول في صراعات
هؤلاء غالبا في حاجة لمساعدة متخصصة لتصحيح هذا السلوك والتدرّب على التواصل الإيجابي
عندما تتعامل مع شخص من هذا النوع ضع في اعتبارك أنه ربما يشعر بالألم أو المعاناة
لكن هناك نقطة هامة أيضا :إذا كان هذا الشخص يشعر بالأمان كونه أحاط نفسه بالصمت, فمن حقك أيضا أن تشعر بالارتياح العاطفي والذهني حين تكون معه.
وبما أنك غير مسئول عن تغيير سلوك الآخرين , لذا فمن المهم جدا أن تحدد إذا ما كنت تقبل هذا السلوك وتستطيع التعامل معه أو ترفضه
إذن كيف تتعامل معه ؟
– أولا يجب أن تخبره بأنك تفهم مشاعره
أتذكر ما قلناه عن عقاب السجناء بتجاهلهم ؟ ذلك لأن حاجة الإنسان لأن يُسمع ويُرى هي من احتياجاته الأساسية
الشخص الذي يواجهك بالمعاملة الصامتة أو الباردة في حاجة لأن يُرى , وربما يحتاج أيضا أن تذكّره بأنك تستحق ذلك أيضا
إن كلامك عن تفهم مشاعره لا يجعله يقدر ذلك معنويا فقط ,وإنما يخلق مساحة للحوار و الثقة
– ثانيا : اقترح الخطوة التالية
بدء الحوار بعد فترة الصمت يجب أن تراعي فيه أن الصمت أصلا كان بسبب حاجة أحد الطرفين أو كلاهما لمساحة من الحرية والخصوصية ..لذا فإن المحادثة التالية يجب أن تتسم بالآتي:
– اسمع , لا كي ترد بل كي تفهم
– ضع في اعتبارك أن الصمت قد يكون بسبب الخوف من رد فعلك تجاه ما سوف يُقال
– لا تحمل ضغائن في قلبك : إن الغرض من التواصل هو الفهم و وإيجاد حل للمشكلة
حاول أن تعلم سبب اعتبار الصمت خيارا أول في التعامل معك
قررا معا كيف يمكنكما عدم تكرار الأمر مستقبلا
حققا خطوة جديدة في فهم بعضكما وتقديم الدعم كذلك
– استعن بمساعدة متخصصة أو شخص محايد ذو ثقة لتقريب وجهات النظر
إذا كان الطرف الآخر لايزال متمسكا بالانسحاب والمعاملة الصامتة
يمكنك القيام بمحاولة أخيرة , على سبيل المثال ” حسنا , لم أسمع منك أي رد, أريد أن أحل هذا الموقف لكن لا يمكنني فعل ذلك بمفردي , دعنا نحدد موعدا للحديث”
إذا لم يتم الرد , فقد حان الوقت لتكف عن الشعور بالخسارة وتمضي بعيدا
على الرغم من احتمال ان يكون الطرف الآخر يعاني من تحديات لا تعلم عنها شيئا , فإن هذا الصمت يهدد سلامك النفسي , وهو ما يستحق أن تضعه على رأس أولوياتك.
مهما كان السبب , تذكر أن العلاقة الصحيّة بين شخصين تقوم على الاحترام المتبادل , لذا إن كنت أنت الشخص الوحيد المُهتم فهذا يجعل الآخر خارج العلاقة أساسا.
صحيح أنه قد يعود فيما بعد ومعه مبررات قوية لما حدث , ولكن حتى ذلك الوقت يجب أن تزيح هذه العلاقة جانبا وتحتفظ لنفسك بحقك في اختيار ما تقبل وما لا تقبل من تصرفات.
3) الصمت للانسحاب من علاقة مؤذية :
في الحقيقة هذا لا يندرج تحت أنواع المعاملة الصامتة , إنه يعني قطع المعاملة على الإطلاق
وهو ما يجب فعله عند وجود إيذاء بدني أو تهديد أو استغلال ….فيتم قطع كل طرق الاتصال مع الشخص المسيء لخلق بيئة آمنة محيطة بك تستطيع من خلالها استعادة طاقتك وصحتك النفسية والجسدية
ما الفرق بين المعاملة الصامتة واللا معاملة ؟
– المعاملة الصامتة سلوك يقوم به الشخص المسيء رغبة منه في السيطرة على الطرف الآخر او عقابه
– اللامعاملة هو سلوك يقوم به الشخص الراغب في النجاة من معاملة مسيئة لحماية نفسه جسديا ونفسيا
كيف تستجيب ل ” اللا معاملة ” من الطرف الآخر
في الحقيقة إن الاستجابة الوحيدة هنا هي ألا تستجيب لمحاولاتك أنت لاستعادته , بل اللجوء للعلاج النفسي المتخصص لكسر هذه الدائرة المدمرة
4) المعاملة الصامتة من أجل العقاب أو السيطرة
عندما يتكرر هذا السلوك بغرض العقاب أو السيطرة على الطرف الآخر فإنه يندرج تحت مسمّى الابتزاز العاطفي
وتعتبر المعاملة الصامتة من أشهر الأسلحة المستخدمة في العنف السلبي
إنها تُبقي الشخص المستهدف على الحافة بينما يسيطر على صاحبها الشعور بالتمكين
هنا يعاني الضحية من الشعور بالقلق والاضطراب والضغط بسبب هذا الصمت , وتزداد شدة التدمير كلما كان الشخص الصادر منه ذلك السلوك قريبا ويُعتقد أنه ذو علاقة وثيقة معه
هذا السلوك يتسم بلآتي :-
– متكرر
– يستخدم الصمت لعقابك وإيلامك
– ينتهي فقط عندما تعتذر وتتوسل وتوافق على ما يريده
– بعدها يعود التعامل طبيعيا للغاية كما لو أن شيئا سيئا لم يحدث ويرفض الحديث عنه نهائيا
– لقد قمت بتغيير سلوكك لتفادي هذه المعاملة ولكنها مازالت تتكرر وبدون سابق إنذار
– تبدو وكأنك تسير بحرص شديد لتتجنب تكراره
عادة ما يقع الشخص المستهدف في فخ استرضاء الطرف المسيء محاولا استعادة علاقتهما الطيبة , وفي نفس الوقت يترسخ لديه شعورا مروعا بالمرارة ,حين يضطر للاعتذار عن أخطاء لم يرتكبها أو يتقبل اللوم بسبب أشياء لم تحدث ,فقط لأن الألم الشديد الناتج من هذه المعاملة يفوق أي ألم آخر.
إن هذا لا يدمر فقط الثقة بالنفس واحترامها ولكنه يقود لدائرة مفرغة من التدمير .
كيف تواجه المعاملة الصامتة من أجل السيطرة؟
إن هذا السلوك يعد نوعا من الابتزاز العاطفي
إذا كنت تبذل كل جهدك لإسعاد الطرف الآخر ثم تجد نفسك دائما في موقف اللوم على أشياء لم تخطر في بالك إطلاقا ,فقد حان الوقت لتفكر جديا في مغادرة تلك البيئة العقيمة.
إن تكرار إقصاؤك بلا توضيح للسبب يشتت ذهنك ومشاعرك وقد يجعلك فريسة للاكتئاب بعد فترة.
الأشخاص الذين يمارسون هذه الطريقة للسيطرة يفتقدون الحد الأدنى من الإنسانية .
إن المعاملة الصامتة من أسوأ أنواع التعذيب التي يمارسها إنسان تجاه آخر
لأن أي علاقة يجب ان يقوم بها طرفان وفي هذه الحالة يوجد طرف واحد فقط وهذا ليس عدلا.
بدون التعاطف والتواصل والصدق لايمكن لأي علاقة أن تستمر ..
Based on: Carmen Sakurai article
“How to Respond When Someone Gives You the Silent Treatment”